الجمعة 16 رمضان 1439هـ
الموافق 1 يونيو 2018م

الحمد لله الذي جعل شهر رمضان من أفضل شهور العام، ومنَّ علينا بإدراك شهر الصيام والقيام، فضل أيامه على سائر الأيام، وعمر نهاره بالصيام، ونور ليله بالقيام. نحمده ونشكره على الإحسان والإنعام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،إله تفرد بالكمال والتمام، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أفضل من صلى وصام، وأتقى من تهجد وقام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاة دائمة تتعاقب بتعاقب الضياء والظلام، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حقَّ التقوى، وراقبوه في السرِّ والجهر والنَّجوى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)

معاشر المسلمين:في شهر رمضان المبارك تسمو الأرواح إلى بارئها جل في علاه، وتتسابق خلاله النفوس المؤمنة في ميادين العمل الصالح، طمعاً في زيادة الحسنات، ومحو السيئات، ورفعة الدرجات، ولاسيما أن أيام هذا الشهر الكريمة ولياليه العظيمة، تُعد موسمـاً عظيماً ورابحاً للطاعات، وميداناً واسعاً للتنافس في أداء العبادات، والقيام بالكثير من الأعمـال الصالحات، والتقرب إلى الله سبحانه بألوانٍ مختلفةٍ من الطاعات والقُربات، شهرٌ أوله رحمه، وأوسطه مغفرةٌ، وآخره عتقٌ من النار .

أيها المؤمنون: كلُنا بفضل الله تعالى يُصلي ويصوم، وكلنا يُحسن ويتصدق، وكلنا يتقرب إلى الله تعالى بمـا يستطيع من الأعمـال الصالحة، والطاعات المُمكنة، سواءً أكانت سـريةً أو علنية، وسواءً أكانت فرديةً أم جماعية، وهذا من فضل الله علينا، ومن جميل توفيقه لنا، ومن كريم لطفه بنا، ولكن هل هذا هو المطلوب منّا فقط ؟

إن آيات الله البينات في كتاب الله الكريم، وهدي النبوة المبارك، يؤكدان في مجموعهمـا على تعليمنا وإرشادنا وحثنا وتشجيعنا، على أن لا يكون همنا مُـجرد أداء المطلوب منّا، والقيام بالمفروض علينا ، فالمجال كمـا تقدّم مجال تنافس كبير، يقول تعالى : (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)، والميدان ميدان إبداعٍ وتسابقٍ إلى فضل الله ورحمته، يقول سبحانه : (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) ، وهذا يفرضُ على كل فردٍ مسلمٍ يؤمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، أن يكون همه في هذا الموسم المبارك – على وجه الخصوص – تحقيق أقصى قدرٍ يُمكنه من كسب رضوان الله تعالى ، ونيل عظيم الأجر والثواب في كل لحظةٍ من لحظاته ، وبخاصةٍ أن الله تعالى يقول : (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) ولعل خير معينٍ على ذلك، أن يكون لكل إنسانٍ عمله الصالح الذي ينفرد به عمن سواه في شهر رمضان، ويتميز به عن غيره ، وإن كان ذلك العمل يسيراً، فإن الله تعالى ينظر إلى صلاح النية وإخلاصها، ويُثيب على العمل الصالح الخالص لوجه الله سبحانه بالأجر العظيم، الذي يكون سبباً في نجاة العبد وفوزه برضوان الله تعالى ودخول الجنة.. والأفضل – حفظكم الله – والأكمل والأجمل أن يُخفي العبد ذلك العمل عن الناس،  وأن يحرص على أن يكون ما يعمله لله تعالى فيمـا بينه وبين ربه سبحانه، حتى يكون ممن قال فيهم الحق جل جلاله : (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً)

عباد الله: أما صور العمل الصالح فكثيرةٌ جداً، ويُمكن لكل إنسان أن يقوم بمـا يُناسبه ويُمكنه منها،  وسوف أذكر لكم بعض النمـاذج التي يُمكن للإنسان أن يقوم بها فيكسب الأجر والثواب من الله تعالى متى صلُحت النية وكانت خالصةً لوجه الله تعالى .

أولاً / بعض الناس يقومون بين فترةٍ وأُخرى ولاسيمـا في شهر رمضان، بتوزيع ماء الشـرب على الناس في المنازل وفي المساجد والجوامع،  وهم بذلك يطمعون في نيل الثواب العظيم، ولاسيما إذا كان صدقةً عن الأموات، فقد ورد الحث على هذا العمل الصالح في حديث يروى عن سعدِ بْنِ عُبَادَةَ رضي الله عنه أن أمَّه ماتَتْ، فقال: يا رسولَ اللهِ، إن أمِّي ماتَتْ أفأَتَصَدَّقُ عنها ؟ قال : (نعم). قلْتُ : فأيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟ قال : سَقْي الماءِ)… ثانياً / هناك من الناس الموفقين للخير، والذين نراهم يتولون مهمة إطعام الطعام للصائمين، ويحرصون على تفطيرهم بطريقةٍ أو بأُخرى في البيوت والمساجد والجوامع وغيرها، فيكسبون بإذن الله تعالى أجر تفطير الصائمين، الذي جاء في فضله وثوابه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِماً كَانَ لَهُ مَغْفِرَةٌ لِذُنُوبِهِ وَعِتْقُ رَقَبَتِهِ مِنْ النَّارِ، وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ كُلُّنَا نَجِدُ مَا نُفَطِّرُ بِهِ الصَّائِمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُعْطِي اللَّهُ هَذَا الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِماً عَلَى مَذْقَةِ لَبَنٍ أَوْ تَمْرَةٍ أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ، وَمَنْ أَشْبَعَ صَائِماً سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ حَوْضِي شَرْبَةً لَا يَظْمَأُ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ)

ثالثاً / بعض الراغبين في الأجر والثواب، يمرون بين وقتٍ وآخر بالمحلات التجارية ليقوموا بتسديد الديون المسجلة على بعض الأُسـر الفقيرة، دون أن يعلم أصحابها بذلك، لأنهم لا يريدون بذلك العمل إلاّ وجه الله تعالى وابتغاء رضوانه، مصداقاً لقول رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ) أي: ليؤخر مطالبة الدين عن المدين المعسر. أو يضع عنه، أي: يحط عنه الدين ويتصدق عليه.

رابعاً / هناك من الناس من يُعطون لوجه الله تعالى من تحت أيديهم من العُمال أو الخدم بطاقة اتصال هاتفي مدفوعة القيمة بين فترةٍ وأُخرى، ولاسيمـا في الأعياد والمناسبات حتى يتمكن هؤلاء العمّال والخدم من مكالمة أهلهم وأسرهم في بلادهم والاطمئنان عليهم،  فيُدخلون بذلك الفرح والسـرور على أنفسهم،  ويكونون بإذن الله تعالى ممن وصفهم الحديث الذي جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهمـا: أنَّ رجلاً جاء إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال : يا رسولَ اللهِ : أيُّ الناسِ أحبُّ إلى اللهِ ؟ وأيُّ الأعمـالِ أحبُّ إلى اللهِ ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : (أحبُّ الناسِ إلى اللهِ تعالى أنفعُهم للناسِ ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ يُدخلُه على مسلمٍ، أو يكشفُ عنه كُربةً، أو يقضي عنه دَينًا، أو يطردُ عنه جوعاً).

خامساً / لا يخلوا مـجتمعنا ولله الحمد من بعض الموفقين للخير الذين يتتبعون احتياجات المساجد والجوامع ، ويقومون بتوفيرها على حسابهم الخاص كالمصاحف والفرش ومكبرات الصوت ، ودواليب المصاحف والمراوح والمكيفات ، وتفقد الأبواب والنوافذ ، وإصلاح مصابيح الكهرباء وأدوات السباكة ونحو ذلك مما لا غنى عن تفقده وإصلاحه بين حينٍ وآخر، فيكونون بإذن الله تعالى ممن يعمرون بيوت الله في الأرض حسياً ومعنوياً .

سادساً / هناك من يُكثر من الصدقات في شهر رمضان سواءً أكانت تلك الصدقات بتقديم الطعام أو الشراب للمحتاجين، أو النقود للفقراء والمحتاجين، أو الملابس للأيتام ومن في حُكمهم، ولو كان ذلك بالميسور والقليل لأنه يعلم فضل الصدقة في شهر رمضان ، ويطمع في نيل أجرها العظيم،  وما أعده الله تعالى من الثواب الكبير والمُضاعف لأولئك المتصدقين من عباده ، وقد جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة صدقة في رمضان)

سابعاً / بعض من أكرمهم الله بالطاعة يُحافظون على الجلوس بعد صلاة الفجر في المساجد إلى وقت طلوع الشمس لذكر الله تعالى وتلاوة القرآن الكريم وتدارس العلوم النافعة ، ثم يؤدون صلاة الضحى فيكونون بإذن الله ممن أحيا سنة النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم التي صحَّ فيها قوله صلى الله عليه وسلم : (من صلى الصبح في جماعة ، ثم جلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ، ثم صلى ركعتين ، كان له مثل أجر حجةٍ وعمرةٍ تامة) ، وفي روايةٍ ( تامةٍ ، تامةٍ ، تامة)… ثامناً /الإكثار من تلاوة القرآن الكريم في شهر القرآن ، والاجتهاد في تدبر الآيات وحفظ ما يُمكن حفظه من سوره وآياته ، والحرص على ختم القرآن الكريم في الصلوات وعن طريق التلاوة لما في ذلك من الشـرف الدنيوي الكبير، والأجر الأخروي العظيم، الذي جاء في الحديث عن النبي  صلى الله عليه وسلم أنه قال : (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ)

تاسعاً / ملازمة صلاة التراويح في ليالي شهر رمضان ، وصلاة القيام في العشـر الأواخر منه ، وعدم التفريط فيها أو في شيءٍ منها لما فيها من الفضل والثواب ، ولأن في المحافظة عليها وعدم التكاسل عنها أملٌ للإنسان أن يكون – بإذن الله تعالى – من المقبولين ، ومن الصائمين القائمين لما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، ومَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)

عاشـراً / هناك من الناس من لا يجد ما يتصدق به ، ولا يجد ما يبذله في سبيل الله ، ولا ما يُحسن به للآخرين ؛ فهو فقيرٌ أو محتاج ، وليس عنده مالٌ أو غيره مما يُمكن أن يبذله في سبيل الله تعالى ، ولكنه مع ذلك يستطيع أن يُسهم بالعمل الصالح وأن يُشارك في عمل الخير ونيل أجره وثوابه من خلال ما يتحلى به من حُسن الخُلق ورفيع الأدب ، ولطيف القول وجميل التعامل ، والعفو والصفح عن الناس كمـا جاء في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال : (أيعجِزُ أحدُكم أن يَكونَ كأبي ضَمضَمٍ ؟ قالوا : ومن أبو ضَمضَمٍ يا رسولَ اللَّهِ ؟ قالَ : كانَ إذا أصبَحَ قالَ : اللَّهمَّ إنِّي قد وَهبتُ نفسي وعِرضي لَك،  فلا يشتُم من شتمَه ، ولا يظلِمُ من ظلمَه ولا يضرِبُ من ضربَه)… عباد الله: هذه بعض صور العمل الصالح الذي يُمكن لكل إنسان في واقعنا أن يقوم بمـا يُناسبه منها وبمـا يتيسـر له منها ، وهناك الكثير من الصور الأُخرى التي لا شك أنها سبيلٌ – بإذن الله – لنيل الأجر والثواب من الله سبحانه متى صلُحت النية وكانت خالصةً لوجه الله تعالى ، وفقنا الله وإياكم لصالح القول والعمل والنية،إنه على كل شيء قدير.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي سيد المرسلين، وأقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى، واذكروا نعمَ الله عليكم في شهركم هذا، شهر الخير والفضل والطاعات، فقد أمدكم ربكم في هذا الشهر بالخيرات الوفيرة، وأعطاكم أكثرَ مما تتمنَّون، وأجزلَ لكم مما ترغبون، فحقُّ ربكم عليكم أن يُشكَر ولا يُكفَر، وأن يُعبَد ولا يُجحَد، وأن يُذكَر فلا يُنسَى، وأن يُطاعَ فلا يُعصَى، لتُقابِلوا نعمَه بالشكر؛ فمن شكرَ ربَّه زادَه وأعطاه، ومن كفَرَ نعمَه حرمَه وأقصاه، وأعظمُ النعم ما أعدَّ الله للمسلم في جنات النعيم. وماذا يضرُّ المسلمَ ما زُوِي عنه من الدنيا إذا نالَ منزلتَه في جنة الخُلد؟ وماذا ينفعُ الكافرَ والجاحد والمنافق ما تمتَّع به في الدنيا من اللذَّات؟ يقول الله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ، ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ، مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ)  ويقول صلى الله عليه وسلم: (يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فيُغمَسُ فِي النَّارِ غمسَة ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْراً قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْساً فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فيُغمَسُ غمسَة فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ: لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ) وقد جعل الله للجنة طرقًاً وأسباباً من سلكَها دخل الجنة، وجعل للنار طرقًاً وأسباباً وأعمالاً من عمِل بها دخل النار، يقول الله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى) ألا وإن من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار: صيامَ شهر رمضان وقيامَه، والمُسارعة فيه إلى الأعمال الصالحات كالمحافظة على الفرائض والنوافل وذكر الله جل وعلا والصلاة والسلام على رسول الله وقراءة القرآن وبر الوالدين وصلة الأرحام والإنفاق في سبيل الله وطلب العلم الشرعي والتوبة من جميع الذنوب والمعاصي، فطُوبَى لمن صامَه وقامَه وعمل صالحاً واتقى اللهَ  تبارك وتعالى  فيه.

عباد الله: إن للأعمال الصالحة ثمراتٍ كثيرةً في الدنيا والآخرة يمن الله تعالى بها على من اصطفاه من عباده للتلذذ بنعيم قربه ومناجاته، وطريق الحصول على لذة الطاعة يحتاج لأسباب لو التزم بها العبد حصل له مقصوده، وجمع بين سعادة الدنيا ونعيم الآخرة، يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) فالعمل الصالح ثمرته عظيمة ونفعه جليل، ويكفي المؤمن شرفاً أن ينال الحياة الطيبة في الدنيا قبل أن ينتقل إلى الحياة الطيبة في الآخرة وذلك عن طريق العمل الصالح الخالص لله والمتبع فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا سعادة للمرء إلا بسلوك طريق العبادة التي ارتضاها الله لعباده المؤمنين، وكلما كان العبد أحرص على أداء العبادة على الوجه الذي يرتضيه ربه، كان السبيل للحصول على اللذة سهلاً وميسراً.

واللذة التي تنتج عن العمل الصالح هي هبة من الله عز وجل، كما قال تعالى: (وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) نسأل الله تعالى بمنه وكرمه وجوده وإحسانه أن يمن علينا بلذة الطاعة، وأن يجعل طاعته أحب إلينا من الماء البارد على الظمأ، وأن يمن علينا بحلاوة الإيمان في قلوبنا، وأن يعيننا على كل ما يرضيه عنا، وأن يغفر لنا تقصيرنا وزللنا إنه سميع مجيب الدعاء.

اللهم وفقنا للعمل بما يرضيك،وجنبنا أسباب سخطك ومعاصيك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.. اللهم وفقنا جميعاً إلى عمل الصالحات، وجنبنا المعاصي والمحرمات، وثبتنا بالقول الثابت في الحياة وعند الممات، اللهم تقبل منا صالح أعمالنا، وارزقنا الاستقامة على دينك في كل وقت وآن. اللهم اجعلنا من المداومين على الصالحات،  اللهم اجعلنا من الصالحين المصلحين الأخيار الأبرار.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين،اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، اللهم وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد  اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وسدد على طريق الخير خطاهم، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين .. اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء…

اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان،اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَنِّبْنَا الفواحش والفتن والمحن، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا، وَأَبْصَارِنَا، وَقُلُوبِنَا، وَأَزْوَاجِنَا، وَذُرِّيَّاتِنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.

اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين..

اللهم نور على أهل القبور من المسلمين قبورهم، واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم،، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عظيم يا غفار، اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وإيتآء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين