الجمعة 4 شعبان 1439هـ
الموافق 17 أبريل 2018م

الحمدُ لله العليّ الأعلى، الذي خلق فسوَّى، والذي قدَّر فهَدى، له ملكُ السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، الملكُ الحقُّ المبين الذي على العرش استوى، وعلى الملك احتوى، وقد وسعَ كلَّ شيءٍ رحمة وعلماً؛ نحمده سبحانه وبحمده يَلْهجُ أُولو الأحلام والنهى، ونشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له عالم السر والنجوى، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى كلمة التقوى. اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه أئمة العلم والهدى، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوه رحمكم الله؛ فتقوى الله تعالى طريق النجاة والسلامة، وسبيل الفوز والكرامة.. المتقون من عذاب الله هم الناجون:(ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا).. ولِجنة الله هم الوارثون: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا). والقبول في أهل التقى محصورٌ ومقصورٌ: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)
معاشر المسلمين: تطالعنا الصحُف والإذاعات والقنوات التلفزيونية والمحطات الفضائية ووكالات الأنباء ووسائل التواصل الاجتماعي تطالعنا في كل يوم، بل في كل ساعة،بل في كل دقيقة وثانية، بآلاف الأخبار والمعلومات والأحداث والتصريحات التي تدور حولنا، سواء كانت من سياسيين أو رياضيين أو فنانين أو علماء أو أكاديميين وأصحاب فكر ورأي وغير ذلك من شرائح المجتمع.
وعند النظر فيها والتحقق منها نجد أن الكثير منها غير صحيح، أو مكذوب، وليس له واقع من الصحة، وبعضها هدفه تزوير الحقائق وطمس الوقائع؛ والبعض منها هدفه تأجيج الصراع، وإثارة النعرات، وشق الصف؛ والبعض منها قد يكون على سبيل الكسب والربح المادي، ولو كان على حساب القيم والأخلاق؛ ومنها ما يقصد به الانتقام والعداء وإلحاق الضرر بالغير، سواء كان فرداً أو جماعة أو طائفة أو شعباً أو أمة من الأمم.
وقد تجد منها أيضاً ما هو حقيقة وواقع، وقد يكون مفيداً ونافعاً.. وأصبح اللسان معول هدم لا معول بناء في الكثير من الأحيان عندما لا يستخدم فيما ينفع.
وهنالك الأقاويل والشائعات والأكاذيب التي تنتشر بين معاشر المستمعين من الناس، رجالاً ونساء، صغاراً وكباراً، ويتناقلها الجميع في بيوتهم ومجالسهم وأسواقهم.
كم هتكت من عرض، وسفكت من دم، وأوغرت من صدور! وكم أججت من مشاكل، وقطعت من رحم، وفرقت من أسر، وأوجدت العداوة والبغضاء بين الأزواج والزوجات والآباء والأبناء والإخوة والأخوات والأصدقاء! وكم طمست من حقائق، ورفعت من باطل، وتسببت في ظلم! وكم جنى الإنسان على نفسه بسبب ذلك من الذنوب والمعاصي والآثام!. والمصيبة أن الكثير منا يدرك خطورة اللسان وتحريف الكلام ونقله على غير حقيقته، ومع ذلك يخوض فيه، فلا هو تثبت مما سمع، ولا هو حفظ لسانه، واستشعر مسؤوليته، وأدرك واجبه، واستثمر كلامه ومنطقه فيما يعود عليه بالخير والنفع والصلاح في دينه ودنياه وآخرته. فأين نحن من قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)؟ وأين نحن من قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)
أيها المؤمنون: لقد أراد الإسلام من أتباعه عند حديثهم وكلامهم أن يتخيروا من الألفاظ أصدقها وأجملها، ومن الكلمات أعذبها، ففي ذلك دلالة على قوة الإيمان، ومظهر من مظاهر عبودية الرحمن، والتزام بسنة المصطفى العدنان -صلى الله عليه وسلم-.
بل إن في ذلك صلاح الفرد والمجتمع، ذلك أن اللفظ الجميل والكلام الحسن إذا شاع وانتشر بين الناس كان سبباً لتآلف القلوب، وسلامة الصدور، ووحدة الصف المسلم وقوته، وبه تحفظ الدماء والحقوق والأعراض.
والله -عز وجل- قد أمر بذلك فقال: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً) وبيّن -سبحانه وتعالى- أن أساس العلاقات والتعارف والتعايش بين الناس قائم على تخير الكلمة الطيبة والكلام الحسن، فقال: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)
عباد الله: لقــد حــذر نبينا-صلى الله عليه وسلم- من خطورة اللسان وسوء الكلام، فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْماً قَرِيباً مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ؟ قَالَ لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْر،ِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، قَالَ ثُمَّ تَلَا (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون ) حَتَّى بَلَغَ ( يَعْمَلُونَ ) ثُمَّ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ، وَعَمُودِهِ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ, قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ: قَالَ كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ، فَقَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ) نعم عباد الله إنها حقيقة قررها القرآن الكريم في العديد من المواضع والآيات كي يكون الإنسان حسيباً على نفسه مراقباً للسانه، يقول الله -عز وجل-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)
وأخـــــبر الله عز وجل أن الملائكة تحصي على الناس أقوالهم وتكتبها، فقال تعالى: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) إنّ حفظ اللسان عن المآثم والحرام عنوانٌ على استقامة الدين وكمال الإيمان في قلب المسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: (لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ) بل إن جوارح الإنسان كلها مرتبطة باللسان في الاستقامة والاعوجاج،يقول صلى الله عليه وسلم : (إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ أَصْبَحَتِ الأَعْضَاءُ كُلُّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ، تَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا ، فَإِنَّكَ إِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا) يقول أهل العلم: ومعنى تكفّر اللسان، أي: (تذل له وتخضع). ويقول صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ)
عبـاد الله: إنه لمن العجب العجاب أن ترى كثيراً من الناس قد يسهل على أحدهم البعد عن أكل الحرام والظلم والسرقة وشرب الخمر والزنا والنظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه حفظ لسانه، فتراه في غيبة ونميمة وقيل وقال ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، لا يبالي بما يقول، ولا يتثبت مما يسمع، ولا يدرك ما ينقل من أخبار… يقول بعض المفسرين في قوله تعالى: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ): هي صورة فيها الخفة والاستهتار وقلة التحرج، وتناول أعظم الأمور وأخطرها بلا مبالاة ولا اهتمام: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ)، لسان يتلقى عن لسان، بلا تدبرٍ ولا تروّ ولا فحصٍ ولا إمعان نظر، حتى لكأنَّ القولَ لا يمر على الآذان، ولا تتملاه الرؤوس، ولا تتدبره القلوب: (وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ). ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكل ما سـمع)… دخل رجل على الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله فذكر له عن رجل شيئاً، فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذباً فأنت من أهل هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) وإن كنت صادقاً فأنت من أهل هذه الآية (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) وإن شئت عفونا عنك؟! فقال: العفو يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبداً.
إنَّ عظمة الإسلام لَتَتَجَلَّى في هذه التوجيهاتِ السامية، والآدابِ الرفيعة، التي حرصت على أن يكون المؤمنُ طاهرَ اللسانِ، حلو المنطق، عذب الكلمات، كريم الخصال.
عبـاد الله: إن المسلم لا يكفيه القيام بالعبادات والطاعات ليكون مسلماً بحق، أو أن يكون مقبولاً عند الله مستحقاً لرحمته؛ فإلى جانب العقيدة الصحيحة والعبادة السليمة لا بد للمسلم أن تكون أخلاقه حسنة لا ظلم فيها ولا بغي ولا تعديَ ولا إيذاء لأحد من الناس.
وإن من أكبر وسائل الإيذاء وطرقه وأساليبه والتي قد يقوم بها أي فرد تجاه إخوانه هو التعدي عليهم باللسان واليد، فالقاتل ليس هو وحده من يباشر القتل وسفك الدماء وإزهاق الأرواح؛ بل يشاركه بالجريمة من يتكلم ويأمر، ومَن يرضى ويوافق، ولو لم يكن في مسرح الجريمة.. والذي يأمر بالمنكر ويحث عليه فإنه يؤذي المسلمين بفعله وقوله، والذي ينشر الشائعات والأكاذيب ويحاول نشر القلاقل والفوضى وزعزعة الأمن والسكينة والاستقرار والسلم الاجتماعي فإنه يكون ممن يؤذي المسلمين. يقول رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (تَدْرُونَ مَنْ الْمُسْلِمُ؟، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)، قَالَ: (تَدْرُونَ مَنْ الْمُؤْمِنُ؟، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (مَنْ أَمِنَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ فَاجْتَنَبَهُ)
وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله! أيُّ المسلمين أفضل؟ قال: (مَن سلِم المسلمون من لسانه ويده)
أيها المؤمنون: إن المسلم الواعي ليحمله عقله ويدفعه إيمانه إلى الاعتناء بحسن اللفظ، وجميل المنطق، حين يرى المقام يدعو إلى الكلام؛ وإلا آثر الصمت، ولزم الكف، طلباً للسلامة من الإثم؛ عملاً بتوجيه رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو لِيَصْمُتْ) وعلينا التثبت مما نقول ونسمع، ولنحذر من التسرع في الكلام دون بصيرة، الأمر الذي قد يعود شرّه على المسلمين والبلاد والعباد، وليكن منطقنا وكلامنا يجمع ولا يفرق، ويقرب بين الناس ولا يباعد، ويبين الحق ولا يطمس الحقائق، ويحفظ الحقوق والدماء والأعراض.
اللهم إنا نسألك من القول أحسنه، ومن العمل أصوبه وأصدقه. اللهم واغفر الزلات، وأقِل العثرات، وتجاوز عن الذنوب والمعاصي والسيئات، برحمتك يا أرحم الراحمين.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية
فضل شهر شعبان
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد فيا عباد الله: نحمد الله تبارك وتعالى على أن مد في أعمارنا، وأنعم علينا حتى أظلنا شهر شعبان ، ونسأل الله تعالى بمنه وفضله وكرمه أن يبلغنا شهر رمضان بالصحة والعافية والأمن والأمان والتوفيق لما يحبه ويرضاه.
ألا وإن من فضائل شهر شعبان، أن الله جل جلاله، فرض على هذه الأمة فيه صيام شهر رمضان.. وحولت القبلة من المسجد الأقصى إلى البيت العتيق.
وكان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، يهتمون بهذا الشهر بصومه والإكثار من قراءة القرآن فيه، وغير ذلك من العبادات والطاعات المشروعة، ليحصل التأهب والاستعداد لتلقي رمضان، وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن. متأسين في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان من هديه الإكثار من الصيام في هذا الشهر، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم فِي شَـهْرٍ أَكْثَرَ صـِيَاماً مِنْهُ فِي شـَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُهُ إِلا قَلِيلاً، بَلْ كَانَ يَصُـومُهُ كُلَّهُ) وقد ذكر بعض أهل العلم الحكمة في إكثاره صلى الله عليه وسلم من صوم شعبان، حيث ورد على لسان أُسَامَةُ بْن زَيْدٍ رضي الله عنه قال:(قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْراً مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى الله رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) فينبغي للمسلم ويستحب في حق من يطيق الصيام، أن يبادر باغتنام الأيام الفاضلة وخاصة في هذا الزمان الذي نعيشه ــ زمان الفتن والعياذ بالله ــ حيث انقلبت الموازين ، وتبدلت المعايير وغير ذلك كثير مما لا يخفى على أحد، إنه زمان الفتن التي حذرنا منها النبي صلي الله عليه وسلم حين قَالَ : (بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًاً كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا) نسأل الله السلامة والعافية. عباد الله: شعبان شهر عظيم، فيه يوم فيه مزية على كل أيام العام، وهو ليلة النصف من شعبان, ليلة النصف من شعبان صحت فيها فضيلة، ولم تصح فيها فضائل أخر ذكرت في كتب السير، ونقلت في كتب الحديث وفي كتب الفقه،لكن الثابت والصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم-فقط في ذلك كما ذكر المحققون- أنه قال: (إِنَّ اللهَ يَطَّلِعُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِخَلْقِهِ جَمِيعاً إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ)
أيها الإخوة والأخوات:إن الشرك والشحناء والبغضاء، التي قد ترد على القلوب، وقد تصل إلى الجوارح والأفعال والألسنة، يجب نبذها وتركها ومحذرتها والتوبة منها،حتى لا نكون محرومين من هذا الفضل والأجر والثواب، فأيكم يحب أن يكون من المحرومين ولا يرضى لنفسه أن يكون من المرحومين؟ من رضي لنفسه الحرمان فهو شقي، ومن نبذ ذلك من نفسه راضياً مرضياً وهادياً مهدياً وقاضياً بعظيم الرجاء وبكثير الرغبة بما عند الله تعالى من الثواب، فله الرحمة وله الرضا، فالشرك بالله من محبطات الأعمال، يقول تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ والحقد والبغضاء من أعمال الجاهلية، فقلب المسلم ونفسه لا تعرف الحقد والشحناء والنبي صلى الله عليه وسلم، (بَيَّنَ أَنَّ مَخْمُومَ الْقَلْبِ هُوَ الَّذِي لَا حِقْدَ وَلَا غِلَّ وَلَا غِشَّ فيه) نسأل الله العظيم أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع، والعمل الصالح، واستغلال الأوقات فيما يرضيه سبحانه، إنه ولي ذلك والقادر عليه…
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها،اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم أحسن خواتيمنا وأحسن أعمالنا وأقوالنا ونياتنا، واجعلها خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين..
اللهم أختم بالصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا.
اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا ذا الجلال والإكرام.. اللهم أقل عثراتنا، واغفر زلاتنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار.
اللهم آمنا في وطننا، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد اللهم وفقهم لما تحب وترضى،وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح قادتهم وعلمائهم وشبابهم وفتياتهم ونساءهم ورجالهم يا سميع الدعاء.
اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، ناصراً ومؤيداً، اللهم وأصلح أحوالهم في فلسطين وفي سوريا وفي اليمن وفي كل مكان، اللهم فرج همهم ونفس كربهم، وألف بين قلوبهم، ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلا. اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين… عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.ويغفر الله لي ولكم.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين