الجمعة 30 جمادى الأولى 1439هـ
الموافق 16 فبراير 2018م

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ، وجعل أمتنا خير أمة ، وبعث فينا رسولاً منا يتلو علينا آياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة، نحمده سبحانه على نعمه الجمّة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تكون لمن اعتصم بها خير عصمة، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله ربه للعالمين رحمة ، فكشف الله به الغمّة، ومحا بنور سنته الظلمة، صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه ، صلاة تكون لنا، طريقاً إلى الجنة ، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: لقد حث ديننا الإسلامي الحنيف أتباعه، على الحب وتقويةِ أواصِر المحبة، وتزكيةِ مشاعر المودة، وتوثيق أواصِر العلاقات بين الناس، ولا يعيش الإنسان في هذه الحياة الدنيا، إلا بالحبِّ والمحبة، بالحبِّ يكون التواصُل وتنسجِم اللُّحمة بين المسلمين في ديارهم وأوطانهم، ويصدُق التكافُل، ويتحقَّق التعاوُن، والحبُّ هو الذي يحفظ العلاقات الإنسانية، ويُوثِّق الروابط الأخوية… إذا تحقَّق الحبُّ بين الناس، زالَ من النفوس الاكتئاب والانقباض؛ ذلكم أن الإنسان روحٌ تسمو، وعقلٌ يدرِك، وقلبٌ يُحبُّ، وجسمٌ يتحرَّك… الحبُّ عواطف، ومشاعر، وسلوك، وإعلان، الحبُّ شعورٌ فِطريٌّ إنسانيٌّ نبيلٌ يُبرِزُه ويُظهِرُه سلامةُ الصدر من الغلِّ والغشِّ والحسد والكراهية والبغضاء،يقول تعالى على لسان المؤمنين الصادقين: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)… ويكفي في الحب منزلةً أن كل إنسانٍ يودُّ أن يكون محبوباً ويكرهُ أن يكون مبغوضاً، والحديثُ عن الحبِّ جميلٌ وطويلٌ ومُمتدٌّ ومُتسِعٌ، وهمومُنا وغمومُنا ومآسينا على كثرتها وثِقَلها لا ينبغي أن تكون مانعاً عن الحديث عن الحبِّ وإعلان الحبِّ وإظهار المحبة في كل وقت وحين.

أيها الأخوة والأخوات في الله: لا يوجد دينٌ يحثُّ أتباعَه على المحبة والتحابُب والتوادِّ مثلُ دينِ الإسلام، لقد جاءت كلمة الحبِّ والمحبَّة في كتاب الله تعالى أكثر من ثمانين مرة؛ بل إن من حِكَم ديننا ولطائف تعاليمه أن أمرَنا بإعلان الحبِّ وعدم كتمانه؛ فقد قال نبيُّنا محمدٌ  صلى الله عليه وسلم: (إذا أحبَّ المرء أخاه فليُخبِره أنه يُحبُّه) تُحدِّثُ كتبُ السِّيَر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبَ في أول أيامه في المدينة المنورة حين وصل مهاجراً عن المحبة، وكان مما قال عليه الصلاة والسلام: (أحِبُّوا ما أحبَّ الله، وأحِبُّوا اللهَ من كل قلوبِكم، ولا تملُّوا كلامَ الله وذكرَه)، وقال: (تحابُّوا بروح الله بينكم، إن اللهَ يُبغِضُ أن يُنكَثَ عهدُه)…

أيها الإخوة الأحباب: ومشاعرُ الحب الصادق في الإنسان لها شأنٌ عجيبٌ؛ فهي ممتدةٌ إلى كل ما يقعُ تحت مشاعره ونظره واتصاله وعلاقاته؛ من حبِّه لربه، وحبِّه لنبيِّه، وحبِّه لدينه ومُعتقَده، وحبِّه لنفسه، وحبِّه لوالديه وزوجته وأولاده، وإخوانه وأصدقائه، وحبِّ الناس أجمعين، وحبِّ وطنه، وولاة أمره الصالحين، ومُمتلكاته، وحبِّ ما حوله مما خلقَه الله في هذه الحياة الدنيا وبثَّه فيها من طبيعةٍ وموجوداتٍ جامدةٍ ومُتحرِّكة بجمالها وألوانها وروائحها ومناظِرها وزينتها.

أيها المؤمنون: وأعلى حبٍّ وأعظمه حبُّ الله  جل جلاله الذي منحَ نعمةَ الوجود والإمداد، والهُدى والرشاد والإسعاد، ثم حبُّ الحبيب المُصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وسيلةِ الخلق إلى ربهم، أجرى الله على يديه هدايةَ البشرية… حبُّ الله له صلاتُنا ونُسكُنا ومحيانا ومماتُنا، هو أهل التقوى وهو أهلُ المغفرة، وحبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو قُدوتنا وأسوتنا وحبيبُنا وشفيعُنا، وكلُّ مُصابٍ بعده جلَل. عن أنس بن مالك  رضي الله عنه: أن رجلًا سالَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: متى الساعةُ؟ قال: (ما أعددتَ لها؟). قال: ما أعددتُ لها كثيرَ صلاةٍ ولا صيامٍ ولا صدقةٍ، إلا أني أحبُّ اللهَ ورسولَه. قال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:(أنت مع من أحببتَ). وفي روايةٍ: (المرءُ مع من أحبَّ). قال أنس: (فما رأيتُ المسلمين فرِحوا بشيءٍ بعد الإسلام فرحَهم بذلك) ولا يجد عبدٌ حلاوةَ الإيمان حتى يكون الله ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، ربُّنا غذانا بنعمه، وصوَّرَنا بقُدرته، ورزقَنا من واسع فضله، ودبَّر أمرَنا بلُطفه وحكمته.

محبَّةُ الله هي المنزلةُ التي يتنافسُ فيها المُتنافِسون، وإليها يُشمِّر العامِلون، وبرَوح نسيمها يتروَّح العابِدون؛ فهي قوتُ القلوب، وقُرَّة العيون، وغذاءُ الأرواح، وهي الحياةُ التي من حُرِمَها فهو في جُملة الأموات، وهو النور الذي من فقَدَه فهو في بحر الظُّلُمات، والشفاءُ الذي من عدِمَه حلَّت بقلبِه جميعُ الأسقام، واللذَّة التي من لم يظفَر بها فعيشُه كلُّه همومٌ وآلام.

وإن من علامات حبِّ الله: الأُنسَ بمُناجاته، والخلوةِ به، وتلاوة كتابه وحبَّ كل ما يُحبُّه. ومن لُطفِ الله وكرمه وفضله أنه  عزَّ شأنُه  يُحبُّنا ويحبُّ توبتَنا، ويريدُ أن يتوبَ علينا، وهو يحبُّ المحسنين، ويحبُّ التوابين، ويحبُّ المُتطهِّرين، ويحبُّ المتقين.

عباد الله: ثم يأتي بعد حبِّ الله وحبِّ رسولِه بقيةُ المحبوبات التي فطرَ الله الناسَ عليها، وهي دائرةٌ واسعةٌ عندنا أهل الإسلام؛ من حبِّ الوالدَيْن والأولاد والأزواج والأهل والعشيرة والقريبِ والغريبِ، وولاة الأمور الصالحين، والأوطان والمُمتلكات والأشياء، وسائر المحبوبات.

أما دائرةُ البُغض والكُره فهي محصورةٌ في الشيطان، وأعداء الدين والمُحادِّين لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

وهذه صورةٌ جميلةٌ من الحبِّ والمحبَّة، تحفظُها لنا سيرةُ نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم وهو القدوة والأسوة وخيرُ الهديِ هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. وهو الذي يحملُ همَّ الأمة كلها في سرَّائِها وضرَّائِها، في حربها وسِلمها، وقد قال له ربُّه: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وقال عزَّ شأنُه: (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ)

هذا النبيُّ الكريم ذو المشاعر الفيَّاضة كيف يُجسِّدُ الحبَّ مع أهله، وكيف يُبادِله أهلُه ذلك الحبَّ؟ إنها أمُّنا أمُّ المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها، كان لقاؤهما الأول بعد الزواج، لقاءً ملؤُه الحياء والرقَّة والمودة، فقد قدَّم لها – عليه الصلاة والسلام – كأسَ اللبن، فاستحيَت، فلامَها صويحباتُها، فأخذَته على استحياءٍ، وشرِبته على خجلٍ، ولا تزالُ المحبَّةُ والمودة بين الحبيبَين حتى إنه عليه الصلاة والسلام  يضعُ فاه على الموضعِ الذي تشربُ منه، ويشربُ هو من فضلَة مائِها… وفي السفَر يكونُ بينهما حديثُ السَّمَر والأخبار، وإذا ابتعدَا عن الأنظار تجِد المسابقَة فيسبِقُها مرةً وتسبِقُه أخرى، فيضحَك الحبيبُ المصطفى – عليه الصلاة والسلام – ويقول: (هذه بتلكَ)…

وذات ليلةٍ تحدَّر العرقُ من جبينه الطاهر  عليه أزكى الصلاة والسلام، فنظرَت إليه عائشةُ  رضي الله عنها  فأعجبَها، فقالت: إن جبينَك ليعرَق، وإن عرقَك ليتولَّدُ نوراً، ولو رآك أبو كبيرٍ لعلِمَ أنك أحقُّ بشِعره. فقال لها  عليه الصلاة والسلام  مُتابِعاً ومُستملِحاً: (وماذا قال أبو كبيرٍ؟). قالت: إنه يقول:

وإذا نظرتَ إلى أسِرَّة وجهه

برَقَت كبرق العارِضِ المُتهلِّلِ

فقام المُصطفى فقبَّل ما بين عينَيها وقالَ لها: (جزاكِ الله خيراً، ما سُرِرتِ منِّي كسرورِي منكِ)؛ فهل رأيتُم أرقَّ من هذا الكلام؟!

حتى في حال الغضب والمُغاضبة يبقى الحبُّ مُتماسِكاً؛ يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – للحبيبة عائشة – رضي الله عنها -: (إني لأعلمُ إذا كنتِ عني راضِية وإذا كنتِ عليَّ غضبَى). قالت: وكيف ذلك؟ قال: (إذا كنتِ عني راضيةً قلتِ: لا وربِّ محمدٍّ، وإذا كنتِ عليَّ غضبَى قلتِ: لا وربِّ إبراهيم). فتردُّ الحبيبةُ أمُّنا أمُّ المؤمنين – رضي الله عنها وعن أبيها -: أجلْ واللهِ، ما أهجُر إلا اسمَك… فتأمَّلوا هذه الرقَّةَ والأدبَ والعذوبة في كلماتٍ تحفظُ الحبَّ، وتحفظُ مقامَ النبوة… وكان صلى الله عليه وسلم يضعُ خدَّه على خدِّها، ويحمِلُها لتُبصِرَ لعبَ الأحباش في المسجد يوم العيد، ثم لا يزالُ على ذلك حتى تقولَ: اكتفيتُ،اكتفيتُ… وكان إذا نام – صلى الله عليه وسلم – أحبَّ أن يضعَ رأسه على فخِذِها، وما زالَ يفعلُ ذلك، حتى إنه لما توفِّي  عليه الصلاة والسلام تُوفِّي بين سَحْرها ونحرِها  رضي الله عنها…

أيها الأخوة والأخوات في الله: هذه الأخبار والأحوال بين نبيِّنا وأهله مُستفيضةٌ عند أصحاب رسول الله رضي عنهم لأن الرسولَ  صلى الله عليه وسلم  يُعلِنُ ذلك ولا يكتُمه حتى يقتدي به الناس في كل زمان ومكان.

أيها المسلمون: الحبُّ شيءٌ عظيمٌ، ولذلك عظَّم الله المنةَ بإيقاع المحبَّة بين أهل الإيمان، فقال – عزَّ شأنه -: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً) الحبُّ يُضفِي على الحياة بهجةً وسروراً، وينقلُها إلى أجواءٍ من السعادات والجمال والرضا، ويكسُو الروحَ بهاءً وحبوراً…

عباد الله: ومن دائرة الحبِّ الواسِعة: الحبُّ الخاصُّ المقرون بالرحمة نحو اليتامى والمساكين والأرامل والطبقات المُستضعفة ومن يحتاج إلى مزيدِ عطفٍ وحنانٍ، من ذوي كلِّ كبد رطبةٍ، والمسلمُ يحبُّ الحيوانات ويعطِفُ عليها، ويُحسِنُ إليها، ويحبُّ الزينةَ والمناظرَ البهيجة ويستمتِعُ بها، (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ) (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) وقد سُئِل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الرجل يحبُّ أن يكون ثوبُه حسناً ونعلُه حسناً، فقال – عليه الصلاة والسلام -: (إن الله جميلٌ يحبُّ الجمالَ، ونظيفٌ يحبُّ النظافةَ)… أما حبُّ الأوطان والتعلُّق بها فيكفي في ذلك قولُ الحبيب المُصطفى في مكة شرَّفها الله: (والله إنكِ لأحبُّ البِقاع إلى الله، ولولا أني أُخرِجتُ منكِ ما خرجتُ)، وقال: (اللهم حبِّب إلينا المدينةَ كما حبَّبتَ إلينا مكةَ)… والقتالُ من أجل الأوطان هو قتالٌ في سبيل الله، وقد قال – عزَّ شأنه: (وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا)

عباد الله: تلك شذراتٌ عن مفهوم الحب في ديننا الإسلامي،  نذكر بها المسلمين في كل وقت وحين، لأن  الناس إذا عرفوا حقيقة الحب في دينهم، تحابُّوا وتواصَلوا، وإذا تواصَلوا تعاونوا، وإذا تعاونوا عمِلوا، وإذا عمِلوا عمَرُوا، وإذا عمَرُوا بُورِك لهم، وكمال اللذَّة تابعٌ لكمال المحبة، فأعظمُ الناس لذَّةً بالشيء أكثرُهم محبَّةً له، ومن يُرِد الكمالَ فليُعوِّد نفسَه محبَّةَ الناس، والتودُّد إليهم، والتحنُّن عليهم، والرأفةَ والرحمة بهم، فالناسُ مخلوقون من نفسٍ واحدةٍ، وإذا كان الناسُ كلُّهم من نفسٍ واحدةٍ فحقٌّ عليهم أن يكونوا مُتحابِّين مُتوادِّين…

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله أتم الحمد وأكمله وأعمّه وأشمله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة هي للفوز محصّلة ، وبالنجاة متكفّلة، وأن محمداً عبده ورسوله خير الخلق آخره وأوّله، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه، صلاة زاكية دائمة بكل زمن متّصلة.

أما بعد فيا أيها المسلمون: هذا هو الحبُّ، وهؤلاء هم المُحبُّون والمحبوبون؛ فالحبُّ الصادقُ يجعل المُرَّ حلواً، والكدرَ صفاءً، وهو الذي يُلينُ الحديدَ، ويُذيبُ الحجر، وبه تنقلِبُ المِحَنُ مِنَحاً، والابتلاءاتُ نِعَماً.

ولقد جاء في ديننا الإسلامي من التوجيهات والتعليمات ما ينشر المحبَّة ويبسُطها، فوجَّه إلى أخلاقيَّاتٍ ومسالك وتصرُّفاتٍ تغرِسُ المحبَّةَ في النفوس، فقال صلى الله عليه وسلم: (تهادَوا تحابُّوا)، وقال: (لا تحقِرنَّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقَ أخاكَ بوجهٍ طلقٍ)، (وتبسُّمُك في وجهِ أخيك صدقة)، والتهنئةُ بالمسرَّات، والبشارةُ بالمحبوبات من الرزق بالولد والزواج ونحوه، فمن رُزِق مولوداً هُنِّئَ ودُعِيَ له: (بُورِك لك في الموهوب، وشكرتَ الواهِب، وأصلح الله المولود)، وفي الزواج: (باركَ الله لكما، وباركَ عليكما، وجمعَ بينكما في خيرٍ)

وفي تبادل الزيارات بين الإخوة،  وفي زيارة المرضى، يقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَادَ مَرِيضاً أَوْ زَارَ أَخًاً لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً) ويقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَادَ مَرِيضاً لَمْ يَزَلْ يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ حَتَّى يَجْلِسَ فَإِذَا جَلَسَ إغْتَمَسَ فِيهَا) ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ..)

وفي تشييع الجنائز، يقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى على الجنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراط) والقيراط مقدار عظيم مثل جبل أحد من الأجر.

وفي إفشاءُ السلام، يقول صلى الله عليه وسلم (لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ)

وفي تنفيس الكروب، وستر العيوب، يقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ..)

وفي قضاء الحوائج؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (إن لله عباداً أختصهم بقضاء حوائج الناس، حببهم إلى الخير، وحبب الخير إليهم، هم الآمنون من عذاب الله يوم القيامة).

وفي إدخال السرور على القلوب، يقول صلى الله عليه وسلم: (من أدخل السرور على أهل بيت فليس له جزاء إلا الجنة ).

أيها المسلمون: فقدانُ الحبِّ شيءٌ مُخيفٌ ينقلُ الإنسانَ إلى مرتبة الحيوان الذي لا تُحرِّكه إلا غرائِزُه وأنانيَّتُه ومطالِبُه الشخصية، ومن الغلط الفاحِش والمُنكر العظيم في هذا العصر بثقافته وإعلامه: ربطُ الحبِّ بالمعاني الساقطة، والمُسلسلات والأفلام الهابِطة، والأغاني الآثِمة، والتمثيليات الفاضِحة،والاحتفالات الماجنة، والعلاقات المُحرَّمة… مسَخوا الحبَّ إلى علاقاتٍ آثِمة، وعلاقاتٍ قصيرةٍ محدودةٍ، حبٌّ تلوكه وتنقله الأخبار الرخيصة، ومعاذ الله أن يُحارِبَ الإسلام الغرائِزَ والفِطَر أو يكبِتَها، ولكنَّه يُنظِّمُها ويُهذِّبُها ويسلُك بها مسالكَ الصلاح والإمتاع والانتفاع والابتهاج.

إن من السوء والبَذاء، أن يُغرسَ في عقول الأطفال والناشئة، أن الحبَّ ما هو إلا علاقاتٌ مُحرَّمة، وأكاذيبُ خادِعة وملفقة، بعيدة عن تعاليم ديننا وهدي نبينا صلى الله عليه وسلم.

اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان،اللهم أهد شبابنا وفتياتنا إلى صراطك المستقيم، اللهم حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان واجعلهم من الراشدين.

اللّهم ارزُق شبابَ المُسلمينَ عِفَّةَ يوسف عليه السلام، و بَناتَ المسلمينَ طهارةَ مريم عليها السلام، و أحفظ نِساءَ المسلمين من شرِّ خَلقِكَ أجمَعين.. اللّهم إنا نسألُك أن ترزُقَنا حبَّك، وحبَّ من يُحبُّك، وحبَّ كلِّ عملٍ يُقرِّبُنا إلى حبِّك، وأن تغفرَ لنا وترحمَنا، وإذا أردت بقومٍ فتنةً فاقبِضْنا إليك غيرَ مفتونين.

اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين.

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم آمنا في وطننا، وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين،اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.

اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء…

اللهم يا ناصر المستضعفين، ويا مُنجِيَ المؤمنين انتصِر للمظلومين في فلسطين وفي سوريا وفي اليمن وفي بورما وفي كل مكان، تولَّ أمرَهم، واكْشِف كربَهم وارفع ضُرَّهم وعجِّل فرَجَهم، وألِّف بين قلوبهم، واجمَع كلمتَهم، ومُدَّهم بمَدَدِك وأيِّدهم بتأييدِك يا رب العالمين.

اللهم فرج الهم عن المهمومين،ونفس الكرب عن المكروبين،واقض الدين عن المدينين،واشف مرضانا وارحم موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين، اللهم لا تحرِمنا خيرَ ما عندَك بشرِّ ما عندنا يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم إنا خلقٌ من خلقِك، فلا تمنَع عنَّا بذنُوبِنا فضلَك يا حي يا قيوم يا رب العالمين.

اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. عباد الله: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)  فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين