الجمعة 20 ربيع الأول 1439 هـ
الموافق 8 ديسمبر 2017م

الحمد لله المحمود بجميع المحامد تعظيماً وتشريفاً وثناءً، المتصف بصفات الكمال عزّة وقوة وكبرياءً، به نصول وبه نجول، وبه نؤمّل دفع الكروب شدة وبلاءً، ودرءَ الخطوب ضنكاً ولأواءً. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اختص المسجد الأقصى بالفضائل إسراءً ومعراجاً ، وحذرنا من كيد الأعداء ووصفهم بأنهم أشد الناس للمؤمنين عداءً، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله أفضل هذه الأمة جهاداً وفداءً وأعظمها قدوة واطصفاءً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ضربوا أروع الأمثلة صفاءً ووفاءً وطهراً ونقاءً، والتابعين ومن تبعهم، وسار على نهجهم اهتداءً واقتفاءً، صلاةً لا تطاولها أرضٌ أرضاً ولا سماءٌ سماءً، وسلم تسليماً يزيده بهجة وبهاءً، ونوراً وضياءً، وبركة وسناءً.
أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، فاتّقوا الله رحمكم الله ما استطعتم، فمن ابتغى غنًى مِن غير مال، وعزًّاً بغير جاه، ومهابةً من غير سلطان، فليتّقِ الله، فربُّكم سبحانه معزُّ من أطاعه واتّقاه، ومذلُّ من خالف أمرَه وعصاه، سبحانه وبحمده، لا يذلُّ من والاه ولا يعزُّ من عاداه، لا إلهَ غيره ولا ربّ سواه.
معاشر المسلمين: لقد أحب الله تعالى واصطفى من خلقه ما شاءَ من الرسل والأنبياء والبلاد والبقاع، ومن هذه الأماكنِ، مكانٌ قدَّسه الله تعالى وشرَّفه وعظَّمه وكرَّمه..إنه المسجد الأقصى وقُدسُه المقدَّس، وإرث الأمة الخاتمةِ، الذي يسكن قلبَ كلِّ مسلم، ذكره الله جل وعلا في القرآن العظيم، بلفظ التقديس، والأرض المقدسة، والمسجد الأقصى، وباركه الله تعالى، وبارك ما حوله؛ ففاضت بركتُه الدينيةِ والدنيوية؛ حتى بورك الذي حوله لبركته…
جاءت شريعة الإسلام بأعظم فروضها بعد التوحيد وهي الصلاة متوجَّهاً بها إلى بيت المقدس؛ فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس بمكة ثلاثة عشر عاماً.. وبعد الهجرة إلى المدينة المنورة، سبعة عشر شهراً؛ حتى نزل القرآنُ آمراً بالتوجه إلى المسجد الحرام، والذي ارتبط ارتباطاً أزلياً بالمسجد الأقصى. (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ) قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى) قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ سَنَةً)، ثُمَّ حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّهِ، فَإِنَّهُ مَسْجِدٌ) وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تُشدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجِد: المسجدِ الحرام، والمسجِدِ الأقصَى، ومَسْجِدِي هذا)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (بدأ الخلق والأمر من مكة المكرمة، وجعل الله بيت المقدس وما حوله محشرَ خلقِه؛ فإلى بيت المقدس يعود جميع الخلق، وهناك يحشر الخلق؛ ولذا جاء في الحديث أنها (أرض المحشر والمنشر)؛ فهو البيت الذي عظمته الملل، وأكرمته الرسل، وتُليت فيه الكتبُ الأربعة المنـزلة من الله عز وجل: الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن).
عباد الله: والمسجد الأقصى هو اسمٌ لجميع ما دار عليه السور من المباني والساحات والآثار، وفي داخله المسجد الذي في صدره وكذلك (مسجد قبة الصخرة)، ولقد كان المسجد الأقصى كله مزاراً للأنبياء ومسرىً لخاتمهم محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وكلهم عظموه وأكرموه… وقد ثبت ثبوتاً قطعياً أن بين بناء البيت الحرام والمسجد الأقصى أربعين عاماً، ومن المعلوم أن بين إبراهيم عليه السلام باني الكعبة، وبين سليمان عليه السلام، ما يقارب الألف عام؛ مما يؤكد قطعاً أن المسجد الأقصى بُنِي قبل سليمان بمئات السنين.. وإنما كان لسليمان عليه السلام شرف إعادة البناء والتجديد؛ كما فعل ذلك أولياء الله من أنبيائه بمساجد الله ومواضع عبادته، وكما فعل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن بعده من خلفاء الإسلام. ومن المقطوع به أن دينَ الأنبياء واحد، وإن اختلفت تفاصيل الشريعة؛ فكلهم دعوا إلى الإسلام والتوحيد، وإلى إفراد الله تعالى بالعبادة، وطاعته في شرعه وأحكامه.
وهذه الأحكام تتنوع من أمةٍ إلى أمة ورسولٍ إلى رسول؛ لذا فإن كلَّ نبيٍّ يرثُ أرضَ الله بكلمته ورسالته؛ فهذا إبراهيمُ ولوطٌ عليهما السلام، وهما قبل يعقوب وإسحاق وسليمان؛ يقول الله تعالى عنهما: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) وهي أرض الشام،كما قال أهل العلم، وهكذا تبقى فلسطين والمسجد الأقصى خاصة، مآلها لعباد الله المؤمنين؛ من قبل أن يولد يعقوبُ عليه السلام (الذي هو إسرائيل) وأبوه إسحاقُ بن إبراهيم. ثم إنه بعد مئات من السنين أنجا الله تعالى بني إسرائيل من ظلم فرعونِ مصر، وهاجر بهم موسى عليه السلام من مصر إلى سيناء. وأمرهم بدخول الأرض المقدسة لكنهم أبوا وقالوا: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) ولم يُجِبْ موسى منهم إلا رجلان فقط، وكتب الله تعالى عليهم التِيه في الأرض أربعين عاماً؛ توفي فيها موسى عليه السلام؛ حتى خرج جيلٌ آخر أكثر صدقاً من آبائهم؛ فدخلوا الأرض المقدسة.
وكتب الله عليهم الإخراج إذا أفسدوا في الأرض وطغوا؛ فكان ما كتبه الله، وتوالى منهم الكفران والطغيان؛ حتى أُخرِجُوا وتشرذموا في الأرض بعد ثلاثة قرون فقط.
ثم إنه بعد سنين؛ أورث الله الأرض المؤمنين أتباعَ عيسى عليه السلام ؛ لأن الأرض لله يورثها من يشاء؛ فكما كانت للمؤمنين قبل بني إسرائيل؛ فقد كانت للمؤمنين بعدهم: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) حتى أذن الله تعالى ببعثة سيد الثقلين وخاتمِ النبيين وبشارتِهم؛ محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي صلى الله عليه وسلم، وكان فتح بيت المقدس إحدى بشاراته صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح ، وكانت وراثته ووراثة أمته للأرض المباركة؛ هي سنة الله الممتدة على مرِّ العصور، ومنذ عهد إبراهيمَ عليه السلام .. وإن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء في بيت المقدس ليلةَ الإسراء؛ كانت إعلاناً بأن ما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو كلمة الله الأخيرة إلى البشر، أخذت تمامها على يد محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأن آخر صبغة للمسجد الأقصى هي صبغة أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، فالتصق نسبُ المسجد الأقصى بهذه الأمة الوارثة..وفي السنةِ الخامسةِ عشرة للهجرة؛ تحققت بشارة النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل المسلمون بيتَ المقدس، وجاء الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه من المدينة المنورة إلى فلسطين، وتسلم مفاتيح بيت المقدس تسلماً شريفاً في قصة تكتب تفاصيلها بمداد النور.
هذا هو الطريق إلى فلسطين يا عباد الله، دخل الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب بعزة الإسلام، ولم يهدم صومعةً، ولا كنيسةً، ولا معبداً، ولا داراَ، بل ترك للناس دور عبادتهم، وكتب لأهل البلد عهداً وأماناً وأشهد عليه. وعلى هذا النهج سار المسلمون إلى يومنا هذا، وشهد التاريخ أن اليهود والنصارى عاشوا أسعد فترة في ظل حكم المسلمين لفلسطين ومارسوا عبادتهم بحرية لم يجدوها في ظل أي حكم قبله أو بعده.
أيها المؤمنون: إن المسلمين هم الوارثون الحقيقيون لكل شريعة سماويةٍ سابقة، وهم الأولى بكل نبي ورسول غابر، إن فلسطين -تاريخاً وأرضاً ومقدساتٍ ومعالمَ- هي إرث المسلمين، إرثٌ واجبُ القبول، متحتمُ الرعايةِ، لازمُ الصون، إنه ليس خياراً يتردد فيه المترددون، أو شأناً يتحير فيه المتحيرون؛ لهذا وذاك كان أكثرُ ما سُفِك من دماء المسلمين، وأضرى ما وقع من حروبهم على مر التاريخ حول تلك البقعة المقدسة، وعلى ذلك الثرى، والدمُ الذي سكبه المسلمون أيام الحروب الماضية ولا يزالون لم يكن لينضَب وفي المسلمين أوردةٌ تنبِض.
أيها الأخوة والأخوات في الله: من الذي يكره السلام ولا يريد السلام، ولكن أن تُغتصبَ أرضٌ؛ وتُهجَّر أسرٌ؛ ويُنفى شعبٌ؛ ويُعبثَ بمقدساتٍ؛ ويُزوَّرَ تاريخٌ؛ وتُغيَّرَ معالـمٌ؛ ويقعَ ظلمٌ شديدٌ بشعبٍ ما زال يُسقى المرَّ منذ عشرات السنين؛ فإن ذلك كلَّه عبثٌ ببرميلِ بارود؛ لا يُدرى متى يبلغ مداه؟!
إنك لتعجب يا عبد الله، من أن أدعياء حماة حقوق الإنسان؛ هم الراعون لمنتهكي الإنسانية! والمتحدثون باسم احترام مقدسات الأمم وأديانهم! هم المبررون للعابثين بقدسية الأقصى ومسجده ومعالمه!، وتَعجب أن رافعي رايةِ العدل والمساواة؛ هم الراعون لمغتصبي الأوطان، ومهجري الشعوب وسارقي التاريخ! والأسوأُ من ذلك أن يمارس باسم الدين؛ وباسم الرب؛ وباسم الكتب السماوية المقدسة!
إن الذي يمارسُ اليومَ من قبل الصهاينة؛ وما يرد إليهم من دعم مادي ومعنوي من قِبَل حلفائهم؛ منطلق من نبوءات كاذبة وكتب محرفة، وهم يعملون وفق قناعات دينيه، وقادتهم يقولون: لا قيمة لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون المسجد الأقصى، هذا المسجد الذي يمنعون المسلمين منه، ويسعون لهدمه من خلال حفرياتهم وأنفاقهم تحته؛ ليبنوا مكانه الهيكلَ المزعوم.
فالواجب المتحتم يا عباد الله في زمن الجد والصراع؛ هو اليقظة والاجتماع، والعمل الجاد، والائتلاف وترك الخلاف.
لا يليق بأمة الإسلام أن تغرق في خلافاتٍ جانبية، ونظراتٍ إقليمية، أو أنانية؛ يجب أن تقدمَ مصالـحُ الأمة الكبرى على كل مصلحة فرعية، وأن تُسمَعَ نداءاتُ الحق والعدل، ومبادرات الحزم والعقل؛ بأن تطرحَ الخلافات، وتتوحَّدَ الأمة في وجه الأزمات: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ)
ويقول رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: (لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ، لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأْوَاءَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: (بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ).
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان.
اللهم من أعتز بك فلن يذل، ومن اهتدى بك فلن يضل، ومن استقوى بك فلن يضعف، ومن أستنصر بك فلن يخذل، ومن استعان بك فلن يغلب، ومن توكل عليك فلن يخيب، ومن جعلك ملاذه فلن يضيع، ومن أعتصم بك فقد هدي إلى صراط مستقيم. اللهم لا تُقِم لأعدائنا راية، ولا تحقق لهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم آية، اللهم اهزمهم وزلزلهم وانصرنا عليهم يا رب العالمين.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي في السماء تعالى و تقدس، واصطفى من البقاع الحرمين الشريفين والبيت المقدس، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، شرفه الله تعالى بالرسالة، وعرج به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى المقدس، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد فيا أيها المسلمون: لا تهون مقدسات أمة عليها إلا حين يهون دينها في قلوب أفرادها، وإذا هان دينهم في نفوسهم تسلط أعداؤهم عليهم، فأذلوهم وأهانوهم، ولم يحفظوا لهم حقًّاً، ولم يفوا لهم بعهد. (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) والأمة المسلمة في زمننا هذا تمر بمرحلة عسرة جدًّاً؛ إذ انتفش الصهاينة، وأعانهم المتواطئون على ظلم الشعوب المستضعفة، مع تفريط كثير من المسلمين في دينهم، وعدم مبالاتهم بحقوق أمتهم ومقدساتها، وكثر حديث الناس بالأمس، عن الإعلان الرسمي بأن القدس الشريف عاصمة أبدية لإسرائيل، وعليه فليرتقب العرب والمسلمون، هدم المسجد الأقصى، وبناء الهيكل الثالث؛ لإقامة مملكة داود الكبرى… إن المسلم الغيور ليقرأ في احتلال الصهاينة للأرض المقدسة وتدنيسِهم لساحات المسجد الأقصى ما هو أبعد من ظاهر الصورة، إنه يقرأ في ذلك ما هو أسبق منه حدوثاً، يقرأ فيه تقويضاً سابقاً لمعالم الدين ومكانته في نفوس أبنائه قبل أن يُدنَّس الأقصى برجس الصهاينة، ويقرأ في ذلك هوانَ مقدساتِ الشريعة الحسيةِ والمعنويةِ وشعائرِها التعبدية في قلوب الأمة قبل احتلال الأرض المقدسة وبعده، وما سقطت مقدساتُ الأمة في أرض المقدس إلا بعد أن سقطت الأمة نفسُها في ضحضاح الذلة والصَّغار، فلم يبق لها ولا لمقدساتها حرمةٌ تحترم.
عباد الله: هل نسي المسلمون أو تناسوا ما للقدس والمسجد الأقصى من مكانة في الإسلام، أنسوا أن الأقصى هو قبلة المسلمين الأولى، صلى إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أثني عشر شهراً.. أنسوا أن المسجد الأقصى هو ثاني مسجد وضع في الأرض لعبادة الله وتوحيده. أنسوا أن المسجد الأقصى تضاعف فيه الصلاة ويعظم الثواب، إن نسي المسلمون تلك المكانة الرفيعة لتلك البقعة المباركة، فإن المولى سبحانه قد تكفل بحفظها وإعادتها إلى حياض المسلمين، وسيبقى المسجد الأقصى منارة من منارات الإسلام الشامخة طال الزمان أو قصر.
عباد الله: إن هناك ملامح في الأفق؛ يسعى الاحتلال الغاشم لتنفيذها على أرض الواقع،وجعل مدينة القدس عاصمة أبدية لهم، حيث إنَّ لدى الصهاينة خطَّة مرسومة لتهويد القدس الشريف، فالتهديد السكاني والعمراني بات واضحاً من قِبَلِ الصهاينة ؛ فهاهم يسارعون في بناء الوحدات السكنية، والمستوطنات الاستعمارية، وفي هذا تهديد خطير للوجود الفلسطيني في الأراضي المقدَّسة ، بل ومحاولة لتخويفهم من المد الصهيوني المتتابع ، مما قد يؤدي إلى دفعهم نحو الخروج من القدس ، وهذا أمر خطير يسعى الصهاينة بقدر الإمكان إلى القيام به لأجل أن يهاجر الفلسطينيون من أراضيهم المقدسة، وبهذا يتضح جزء من المسلسل الصهيوني المتكامل للسيطرة وبسط النفوذ على القدس وتهويدها شيئاً فشيئاً.
إن مدينة القدس الشريف، والمسجد الأقصى المبارك، أمانة في أعناق العرب والمسلمين جميعاً حكاماً ومحكومين، وأن التفريط فيها تفريطٌ في دين الله عز وجل وسَيسأَل الله تعالى المسلمين عن هذه الأمانة إن فرَّطوا في حقِّها أو تَقاعَسوا عن نصرَتها وإعادَتها.
(وَقِفُوَهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ..) (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)..اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد اللهم فاشهد، اللهم ضاقت بالمسلمين المسالك، وأحاطت بهم المهالك، واشتدت بهم الأزمات، واستحكمت حلقاتها، وأزفت الآزفة، ليس لها من دونك كاشفة، فاكشف اللهم غمتنا، وفرج كربتنا، وأغث لهفتنا…
اللهم أنقذ القدس الشريف وحرر الأقصى من أيدي الصهاينة المعتدين الغاصبين، وارزقنا فيه صلاة طيبة قبل الممات يا رب العالمين..اللهم أيقظ أمتنا من سباتها، واجمعها من شتاتها، اللهم اجمع كلمتها على الهدى، وقلوبها على التقى، وعزائمها على الخير وخير العمل،اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان،اللهم أصلح قادتهم وعلمائهم،وشبابهم وفتياتهم، ونسائهم ورجالهم يا ذا الجلال والإكرام…
اللهم آمنا في وطننا، ووفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى، ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان، وولي عهده سلمان بن حمد، وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين. اللهم من أراد بلادنا وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء…
اللهم أنصر عبادك المستضعفين في كل مكان، اللهم فرج همهم ونفس كربهم، وألف بين قلوبهم،واحقن دمائهم ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلاً…
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات،والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَـٰهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلاْيْمَـٰنَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين