الجمعة 13 ربيع الأول 1439 هـ
الموافق 1 ديسمبر 2017م

الحمد لله الذي خلق الإنسان وشرع له ما يحفظ حياته, ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حرّم سفك دم الإنسان بغير حق وبرهان, ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، بعثه الله تعالى بالحنيفية السمحة، وحذّر أمته من الظلم والبغي والعدوان, فصلوات الله تعالى وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه وأتباعه على مر العصور والأزمان.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله حق التقوى- اتقوه في سركم وجهركم، في ليلكم ونهاركم، في حركاتكم وسكناتكم، فيما تقولون وفيما تفعلون،(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)
معاشر المسلمين: إذا أقبلت الفتن، ضعفت الديانة، وقل التفكر والتعقل، وكثر إعجاب المرء بنفسه ورأيه، واتهامه لغيره، ومن ثم سرعة إقدامه وجرأته على ما يريد، وعلى ما يجتهد فيه، وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله: (إِن السَّعِيْد لَمَن جُنِّبَ الْفِتَن، إِن السَّعِيْد لَمَن جُنِّبَ الْفِتَن، إِن السَّعِيْد لَمَن جُنِّبَ الْفِتَن) وإن الفتنة إذا اشتعلت، فإن الأحلام والعقول تطيش وتغيب، وتتحكم العواطف، ويكثر الانسياق وراء التخرصات والظنون… يقول صلى الله عليه و سلم: (إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ لَهَرْجاً، قَيل يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْهَرْجُ؟ قَالَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ…ثم قال: يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًاً، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ وَابْنَ عَمِّهِ وَذَا قَرَابَتِهِ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَعَنَا عُقُولُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا، تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنْ النَّاسِ لَا عُقُولَ لَهُمْ) أي لا عقل معكم ذلك اليوم، بل تنزع عقول أكثر أهل ذلك الزمان، لشدة الحرص والجهل، والهباء: الذرات التي تظهر في الكوة بشعاع الشمس، والمراد ههنا الحثالة من الناس.
أيها المؤمنون: وحينما نرى من يتساهل في دماء المسلمين وغير المسلمين وحرماتهم، وسفك دمائهم،كما هو الحال في الأحداث الراهنة،وما يقع في بعض بلاد المسلمين، من تفجير المساجد ودور العبادة الآمنة، وقتل الأبرياء من المصلين، وكذا ما نراه من استرخاص الأرواح والقتل والتفجير الجماعي والتكفير والتدمير والاعتداء على الآمنين، أقول بقدر ما نرى هذا التساهل في الدماء واسترخاصها في عدد من بلاد المسلمين، نلتفت إلى شريعتنا الغراء، وديننا العظيم، فننظر في أمر الدماء ومكانتها، إلا ونجد نصوصاً كثيرة محكمة قطعية في عصمة الدم المسلم وتعظيمه.. فالشريعة الغراء، وضعت حدوداً وأحكاماً في حفظ الدماء، بل في سائر الأحكام وأصول الأخلاق، والشريعة الإسلامية تتشوف إلى حفظ الدماء وعصمتها، بينما يتشوف آخرون من المتطرفين والغلاة والمتشددين، الذين لا حظ لهم في الفقه والعلم،يتطلعون لانتهاكها وسفكها، وطلب الانتقام بأي وسيلة أو طريقة… وبيان ذلك من عدة أمور:
الأمر الأول: أن الشريعة الإسلامية جعلت حفظ النفس، إحدى الضروريات الخمس، التي اتفقت الشرائع السماوية على حفظها، والمحافظة عليها، وهذه الضرورات الخمس هي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ المال، وحفظ العرض.
الأمر الثاني: مما يدل على عناية الشريعة الإسلامية في أمر الدماء وحفظها، أن الدماء هي أول الحقوق التي يقضى فيها يوم القيامة.. يقول صلى الله عليه وسلم: (أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، في الدِّمَاءِ) يعني: أول ما ينظر فيه من مظالم الناس سفك الدماء، لعظم القتل عند الله وشدته.
الأمر الثالث: مما يدل على تعظيم الدماء وحرمتها، أن قتل المسلمين وقتالهم من موجبات النار، وهو من أنواع الكفر العملي،
يقول صلى الله عليه وسلم: (إِذَا التَقَى المُسلِمَان بسَيْفَيهِمَا فالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ في النّارِ قيل : يا رَسُولَ اللهِ، هذا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المقْتُولِ ؟ قَالَ : إنَّهُ كَانَ حَريصاً عَلَى قتلِ صَاحِبهِ) ويقول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ). إذاً هو نوع من أنواع الكفر العملي، وهو من أعمال الكفار، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تَرْجِعُوا بَعْدي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ) أي لا تفعلوا فعل الكفار الذين يقتل بعضهم بعضاً، ويقتلون الأبرياء من الناس، بلا موجب ولا مبرر وبلا أمر شرعي، وهكذا كان هذا الأمر من موجبات النار والعياذ بالله، ومن مسببات الوصف بالكفر حينما يقدم عليه الإنسان.
الأمر الرابع : أن القاتل تُوعد بوعيد عظيم لم يرد مثله في جميع أصحاب الكبائر، يقول تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً، فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَلَعَنَهُ، وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)..
الأمر الخامس: أن الكعبة على حرمتها وعظمتها تهون عند حرمة دم المرء المسلم،
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ- يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، وَيَقُولُ: (مَا أَطْيَبَكِ، وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ، وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ حُرْمَةً مِنْكِ، مَالِهِ، وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلاَّ خَيْراً) ونظرَ ابنُ عمرَ رضي الله عنه يوماً إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: (مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ) الأمر السادس : أن ذهاب الدنيا كلها وزوالها، أهون عند الله من قتل المسلم، الذي يشهد أن لا إله إلا الله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) وفي رواية بلفظ : (لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا)
يقول أهل العلم : (ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق والوعيد في ذلك، فكيف بقتل الآدمي، فكيف بالمسلم التقي الصالح)
الأمر السابع: أن حرمة المسلم قطعية يقينية لا تزول إلا بيقين شرعي موجب، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وأَنِّي رسُولُ اللهِ، إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: الثَّيِّبِ الزَّانِي، وَالنَّفْسِ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكِ لِدِينِهِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ). وهكذا يا عباد الله يدل الحديث على أنه لا يجوز التخوض في دم الإنسان بشبهة أو تأويل فاسد، أو نظر عاجل، أو فتوى متسرعة،أو اجتهاد خاطئ، فإن حرمة الدم قطعية يقينية لا يجوز أن تزال وأن تنقض هذه القاعدة العظيمة بلا سبب موجب.
وأما فيما يتعلق بإقامة الحد على المسلم، فإن العلماء قد بينوا أن إثبات ذلك وتنفيذه، هو للقضاء والولاة والدولة، فليس لكل أحد أن يثبت ذلك، ثم يقيم الحد على موجب هذا الإثبات بنفسه، وإنما ذلك موكول للقضاء وأهل الولاية والسياسة وإلا أصبحت الحياة فوضى، يأخذ كل إنسان فيها حقه بيده.
الأمر الثامن: مما يدل على حرمة دم المسلم وتعظيم الإسلام لذلك، أن محك الإسلام الحقيقي للمرء، هو في سلامة الناس وأمنهم منه، في أعراضهم وأنفسهم ودمائهم، يقول صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم)
الأمر التاسع: أن تحريم الدماء مع الأموال والأعراض، هو أهم شيء أكّد عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد التوحيد، في خطاب محكمات الدين الذي أعلنه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، حيث قال:
(إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ فاشْهَدْ)
الأمر العاشر: أن حرمة دم المسلم، تستوجب تعذيب أهل الأرض جميعاً في النار، في حالة لو اتفقوا وتآمروا على قتل مسلم واحد، فإنهم يستوجبون العذاب بالنار بذلك الفعل،يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لِزَوَال الْدُّنْيَا أَهْوَن عَلَى الْلَّه مِن قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْر حَقٍ، وَلَو أَنَّ أَهْل سَمَاوَاتِه وَأَهْل أَرْضِهِ اشْتَرَكُوْا فِي دَم مُؤْمِنٍ؛ لأَدْخَلَهُمُ الْلَّهُ الْنَّارَ).
الأمر الحادي عشر: أن المسلم في فسحة من دينه حتى يعتدي على مسلم بالقتل، يقول صلى الله عليه وسلم: (لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ؛ مَا لَمْ يُصِبْ دَماً حَرَاماً)
ويقول عبد الله ابن عمر رضي الله عنه: (إِنَّ مِنْ‏ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا: سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ)
الأمر الثاني عشر: مما يدل على تعظيم الشريعة للدم المسلم، ماجاء في قصة أسامة بن زيد رضي الله عنه، حينما كان يقاتل الكفار، وكان هناك رجل من الكافرين لايدع أحداً من المسلمين إلا قتله، فاستحر القتال عند المسلمين، فجاء إليه أسامة، فلما تمكن منه رفع السيف عليه، وقال الرجل أشهد أن لا إله إلا الله، فقتله أسامة بن زيد ثم علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فسأل أسامة عن هذا الأمر فذكر من أمره ما كان، فقال يا رسول الله إنما قالها ( أي قال لا إله إلا الله ) خوفاً من السيف، وقاية من القتل، فقال صلى الله عليه وسلم ماذا تفعل بلا إله إلا الله؟ قال يا رسول الله: إنما قالها خوفاً من السيف، قال ماذا تفعل بلا إله إلا الله؟ قال إنما قالها خوفاً من السيف، قال في رواية: أفلا شققت عن قلبه، أفلا شققت عن قلبه، فيقول أسامة بعد ذلك متأثراً، فتمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ)… ولم يزل هذا الموقف وهذه القصة أمام عينيه متأثراً بها فكان بعدها يتجنب مواطن الفتن جهده، ولهذا لما وقع ما وقع بين الصحابة رضي الله عنهم من الفتن والقتال، سألوا عن أسامة وأرسلوا إليه، فقال أسامة للمرسَل: أخبرهم أنهم لو كانوا في شدق الأسد، لتمنيت أن أكون معهم إلا في هذا الأمر يعني في أمر القتل والقتال وتكفير الناس لأدنى شبهة، وهذا حال عامة الصحابة رضي الله عنهم…يقول أهل العلم من السلف الصالح رحمهم الله: والذي ينبغي الاحتراز عن تكفير المسلمين ما وجد إليه سبيلاً، فإن استباحة دماء المصلين المقرين بالتوحيد خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة، أهون من الخطأ في سفك دم لمسلم واحد).
الأمر الثالث عشر: لقد حرمت الشريعة الإسلامية أيضاً قتل النفس المعاهدة والمستأمنة من غير المسلمين الذي له عهد أو أمان مع المسلمين أو جاء إلى بلاد المسلمين بأمر منهم، وأذن منهم، فهذا له الحرمة حتى يرجع إلى بلده، وقد ورد الوعيد الشديد في ذلك، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَاماً)
ألا فاتقوا الله عباد الله، وحافظوا على دماء الناس وأموالهم وأعراضهم، وحاذروا الفتن وأسبابها، والكبائر وعظائمها، والدماء وورطاتها، تسلموا وتغنموا في الدنيا والآخرة…
نسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يحقن دمائنا، ويصون أعراضنا، ويحفظ أموالنا، وأمننا واستقرارنا ووحدتنا إنه على كل شيء قدير.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله أمام الأنبياء والمرسلين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين…
أما بعد فيا عباد الله: تتوالى الأحداث المفزعة والغريبة على بلاد العالم الإسلامي، بلداً تلو الآخر، تنشر فيها الفتن، وتحدث الاضطرابات، وتخلف قتلى وجرحى، وتصنع إحنًاً ومحنًاً، وتفرّق الصفوف،وتنشئ الفوضى. إن يد الغدر تضرب بقوة في بلاد المسلمين، ولا يفتأ الماكرون والحاقدون عن بثّ المكائد، وزرع الأحقاد، ونشر سموم الفتن، غير آبهين بدين ولا حرمة ولا دماء؛ وهناك أيادي مجرمة تسعى في خفاء، وتضرب في عمياء، وتنضح حقداً ومكراً، وتخلّف وراءها أهوالاً، وتدع العقلاء في حيرة، وتذهب بصفاء البلاد وهدوئها، وتعكر صفوها، وتبدّد شمل أهلها… وإن مكر أعداء الإسلام والمسلمين يمتلئ لؤمًاً وحقداً، لا يفتر عن زعزعة الأمن في المجتمعات الآمنة الهادئة، فيلجأ في خبث لبث سمومه وأحقاده، يريد أن تعم الفوضى، ويقوّض الأمن، وتضيع مقدرات المسلمين، ويذهب استقرارهم، لتصبح الأمة لقمة سائغة للطامعين والمتربصين.. وهذه آثار مكر الأعداء ظاهرة في قلب الأمة الإسلامية في بعض بلاد المسلمين، والمتابع لوسائل الإعلام يقف على أهوال ومصائب كبيرة، وما لا ينشره الإعلام كثير، والله من ورائهم محيط… إن المسلمين اليوم تعمل فيهم آلة هدم جبارة، وآلة تعمل على تمزيق صفّهم، وتشتيت شملهم، وإضعاف كلمتهم، تعمل بأسلوب ماكر خادع يستغل الجهلاء والسذج بدعاوى منحرفة، إلى مستنقع الفتنة والكيد، وهي مزالق متى استسلم لها شعب أهلكته، وما دخلت أي أمة إلا أهلكتها.
أيها المؤمنون: إن الجرائم المنكرة التي وقعت في مصر الحبيبة، بمحافظة شمال سيناء في الأسبوع الماضي، وما وقع في بعض الدول العربية، في الأيام الخالية، من تفجيرات للمساجد ودور العبادة، واعتداء على المصلين، وقتل للآمنين المطمئنين،الراكعين الساجدين، جرائم بشعة ومنكرة، يندى لها الجبين حياء وخجلاً… وإن المرء ليتعجب وتتملكه الحيرة والحزن والأسى، فالإرهاب والتطرف لا دين له، ونحن نقول: أي دين هذا الذي يدفع بإنسان، أن يفجر نفسه في مسجد يؤمه مصلون لصلاة الجمعة ؟! كيف يهجم إنسان على أناس غافلين متعبدين ؟! فيعمل فيهم القتل، والتفجير والترويع، وسفك الدماء ونشر الفتن، إن هذا والله إجرام وكبيرة من أعظم كبائر الذنوب،لا يقوم بها إلا وحش كاسر، نزع الله الرحمة من قلبه، فالحذر الحذر من هؤلاء الأغرار الضالين،فالله تبارك وتعالى يقول محذرا من القتل العمد (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) إن القتل العشوائي، والتفجير والتدمير والتخريب، فضلاً عن حرمته، وأنه من كبائر الذنوب، فإنه عمل خبيث خسيس، يشعل أوار الفتنة بين الآمنين، ويقطع حبال الود وحُسن الجوار بين المسلمين، ويؤدي بهم إلى اقتتال طائفي ونزاع مذهبي، تغرق فيه البلاد في مستنقع الفتن، وتتضرر منه البلاد والعباد…
وإننا على ثقة ويقين بأن تلك الدول بقادتها وحكوماتها وشعوبها، ستبقى بإذن الله محمية وعصية على مثل هذه الغايات والمؤامرات الخبيثة،والأحداث الإرهابية، وستظل شعوبها على مختلف مكوناتها على وعي وإدراك مما يدبر ويحاك ضدها، ولن تزيدها مثل هذه الأحداث والمصائب، إلا قوة ومنعة وصلابة وتكاتفاً ووحدة وطنية…
اللهم إنا نسألك أن تجعل أولئك الضحايا الذين قتلوا من جراء تلك العمليات الإرهابية، أن تجعلهم من الشهداء الأبرار،وأن تتغمدهم بواسع رحمتك،وتسكنهم فسيح جناتك، وتلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان، وأن تمنَّ ‏على المصابين والجرحى بسرعة الشفاء والعافية‎، إنك سميع مجيب الدعاء.
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، اللهم أحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا ،وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا ،ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واكنفنا بركنك الذي لا يرام، واغفر لنا بقدرتك علينا، فلا نهلك وأنت رجاؤنا يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنا نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا،وتلم بها شعثنا، وتدفع بها الفتن والمحن عنا وعن خليجنا وعن بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين.
اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا وأصلح ووفق ولاة أمورنا وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما فيه خيرُ وصلاحُ العباد والبلاد يا سميع الدعاء.
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال خليجنا وأحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوالهم وأحفظهم من الشرور والأخطار في فلسطين وفي سوريا وفي العراق وفي اليمن وفي مصر وفي ليبيا وفي بورما وفي كل مكان، اللهم فرج همهم ونفس كربهم، وأصلح أحوالهم، وألف بين قلوبهم،واحقن دمائهم، وولي عليهم خيارهم، واصرف عنهم شرارهم، ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلاً.. اللهم أدفع وارفع عنا الغلا والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يارب العالمين.
اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين…
اللهم أختم بالصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا.
الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ،وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين…
عِبَادَ الْلَّهِ:إِنَّ الْلَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِيْ الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ، فَاذْكُرُوْا الْلَّهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيْمُ الْجَلِيْلِ يَذْكُرْكُمْ،وَاشْكُرُوهُ عَلَىَ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ الْلَّهِ أكبروالله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُوْنَ وَيَغْفِرْ الْلَّهَ لِيَ وَلَكُمْ.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين