الجمعة 6 ربيع الأول 1439 هـ
الموافق 24 نوفمبر 2017م

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وبعثه إلى الناس بشيراً ونذيراً، فهداهم إلى الحق والصراط المستقيم بقوله وفعله، نحمده سبحانه ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله،بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين،وأصحابه الغر الميامين،والتابعين ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
أما بعد : فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فبالتقوى ترفع الدرجات، وتقال العثرات، وتغفر الزلات، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
معاشر المسلمين: إنَّ الحديثَ عن الحبيب المصطَفى، والرسول المجتبى، والخاتم المقتَفَى صلواتُ ربي وسلامه عليه،في كل وقت وحين، لهو حديثٌ عَذبُ المذاق، مُجرٍ لدموع المآق، بَلسَمٌ لجفوة القلوبِ ولقَسوَتها تِرياق، كيف لا، وهو رسولُ الملِك العلام، وحامِلُ ألوية العدلِ والسّلام، ومُخرجُ البشريّة بإذن ربِّها من دياجير الانحطاطِ والوثنية والظلام، ووِهاد الأرجاس والآثام، إلى أنوار التوحيدِ والإيمان والمحبة والوئام؟! لا يتمّ دينُ المرءِ إلاّ بإجلاله والانقيادِ له وحبِّه، ومن صعَّر خدَّه هدم دينَه، واتُّهِم في لُبِّه، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا يُؤمِنُ أحَدُكُم حَتّى أكونَ أحَبَّ إلَيهِ مِن نفسه وولِدِهِ ووَالدِهِ وَ النّاسِ أجمَعينَ). تِلكم هي المحبّةُ الصادقة التي أفضَت إلى أصلِ الطّاعة والتسليم، الذي دلَّ عليه قول الحقّ تبارك وتعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). أحبَّه مولاه واجتبَاه، وميَّزه على سائر الخليقة واصطفاه… نبيٌّ تقيّ، ورسول نقيٌّ، زكَّى الباري لسانه فقال: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى) وزكَّى بصره فقال: (مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى)، وزكَّى صدره فقال: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) وزكَّى فؤادَه فقال: (مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى)، وزكَّى جليسَه فقال: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى) وزكّاه كلَّه فجاءت الشهادة الكبرى التي شرُف بها الوجود، وانزَوَت لها كلُّ الحدود، إذ يقول البَرّ الودود: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وشعار المحِبّ دائماً يعلو ويرنو للحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
خيالُك في ذهني وذِكراك في فمي
ومَثواك في قلبي فأين تغيب؟!
مَلَكتْ سَجايَاه القلوبَ محبَّةً
إنَّ الرسول إلى القلوبِ حَبيبُ
يا أحباب المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: هذه وقفاتٌ ومقتطفات، مع جانب من أهم جوانب السنة العطرة، والسيرة المباركة، ذلكم هو جانب الشمائل النبوية، والسجايا والآداب المحمدية، فهي معينٌ ثرٌّ، وينبوع صافٍ متدفق، يرتوي من نميره، كلُّ من أراد السلامة من لوثات الوثنية، والنجاة من أكدار الجاهلية، بل هي المنظومة المتألقة، والكوكبة المتلألئة، والشمس الساطعة، والسنا المشرق، والمشعل الوضاء، الذي يبدّد ركام الظُّلْم والظُّلَم، ولئن فات كثيرين رؤيته بأبصارهم، فإن في تأمُّلِ شمائله لعزاءً وسلواناً، فالمطبقون لشمائله إن لم يصحَبوا نفسه أنفاسَه صحِبوا.
أيها المؤمنون: إننا بحاجة إلى تجديد المسار على ضوء السنة المطهرة، وتصحيح المواقف على ضوء السيرة العطرة، والوقوف طويلاً للمحاسبة والمراجعة.
عباد الله: نريد من مطالعة السنة النبوية، والسيرة العطرة، ما يزيد الإيمان، ويزكي السريرة، ويعلو بالأخلاق ويقوِّم المسيرة.
يخطئ كثيرون حينما ينظرون إلى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وسيرته، كما ينظر الآخرون إلى عظمائهم في نواحٍ قاصرة، محدودة بعلمٍ أو عبقرية أو حِنكة. فرسولنا صلى الله عليه وسلم قد جمع نواحي العظمة الإنسانية كلها في ذاته وشمائله وجميع أحواله، لكنه مع ذلك ليس رباً فيقصَد، ولا إلهًا فيُعبَد، وإنما هو نبي يُطاع، ورسول يُتَّبع، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى عيسى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ)
إن من المؤسف حقاً أن بعض أهل الإسلام لم يقدروا رسولهم حقَّ قدره، حتى وهم يتوجهون إليه بالحب والتعظيم، ذلك أنه حبٌّ سلبي، لا صدى له في واقع الحياة، ولا أثر له في السلوك والامتثال. يقول تبارك وتعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
أيها المسلمون: تأملوا هديه وشمائله ـ بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام ـ في جوانب الدين والدنيا بأسرها… ففي مجال توحيده لربه، صدَع بالتوحيد ودعا إليه ثلاث عشرة سنة بمكة، وعشراً بالمدينة، كيف لا وهو المنزَّل عليه قوله سبحانه: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ) وإن أول واجب على محبيه أن يُعنَوا بأمر الدعوة إلى توحيد الله التي قامت عليها رسالته عليه الصلاة والسلام، ومحاذرة كل ما يخدش صحيح المعتقد وصفو المتابعة، من ضروب الشركيات والبدع والمحدثات.
وفي مجال عبوديته لربه قام من الليل حتى تفطرت قدماه، فيقال له: تفعل هذا يارسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فيقول: (أفلا أكون عبداً شكوراً؟!)
وفي مجال الأخلاق تجده مثال الكمال في رقة القلب، وسماحة اليد، وكفِّ الأذى، وبذل الندى، وعفة النفس، واستقامة السيرة. كان عليه الصلاة والسلام دائم البشر، سهل الطبع، ليّن الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح.
وصدق الله العظيم حيث يقول في وصفه: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم)،ويقول: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لانْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) يقول أنس رضي الله عنه: ما مسست ديباجاً ولا حريراً ألينَ من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا شممت رائحة قط أحسنَ من رائحة رسول الله ، ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي: أفٍ قط، ولا قال لشيء فعلتُه: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا… تلك لعمرو الحق عراقةُ الخلال، وسمو الخصال، وكريم الشمائل، وعظيم الفضائل، فسبحان من رفع قدره، وشرح صدره، وأعلى في العالمين ذكره.
وشقَّ له من اسمه ليجلَّه
فذو العرش محمود وهذا محمد
فهل من يتغنون اليوم بسيرته، يقتفون أثره في هديه وشمائله؟! وفي أفعاله وفي أخلاقه وفي نهجه صلوات ربي وسلامه عليه.
يا أحباب الحبيب المصطفى: وهناك صفحة أخرى في معاملاته لأصحابه وأهل بيته وزوجاته، يقول صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم) (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)… وهكذا في سياسة الدولة الإسلامية وفي عبادته لربه، وفي نفقته وبذله، وفي قوته وجهاده، وحرصه على أداء رسالة الله وتبليغ دعوة ربه تبارك وتعالى.
وهاكم ـ رعاكم الله ـ أنموذجاً على حكمته في الدعوة، ورفقه بالمدعوين ورحمته بالناس أجمعين، مسلمين وغير مسلمين، (وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ)، ومراعاته لحقوق الإنسان، بل ورفقه حتى بالحيوان، في وقت تتغنى فيه حضارة اليوم بدوس كرامة الإنسان ورعاية أحطِّ حيوان، فالله المستعان… ويتجلى هذا الأنموذج الرائع في قصة الأعرابي الذي بال (أجلكم الله) في ناحية المسجد، حين نهره الصحابة رضي الله عنهم، فقال صلى الله عليه وسلم : (دعوه، لا تزرموه)،أي: لا تقطعوا عليه بوله، فقال لهم: (إنَّما بُعِثتم مُبَشِرين ، ولم تُبعَثوا معسرين، صُبّوا على بوله دلواً من الماء). وأرشده برفق وحكمة، وكانت النتيجة أن قال الأعرابي: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً.. وفي قصة ثمامة بن أثال حينما أُسر ورُبط بسارية المسجد وهو مشرك وسيد قومه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمر به ويقول: (ماذا عندك يا ثمامة؟) فيقول: عندي خير يا محمد، إن تقتلْ تقتلْ ذا دم، وإن تنعمْ تُنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فيقول بعد أن أكرمه ورفق به وأحسن معاملته: (أطلقوا ثمامة)، فانطلق ثمامة فاغتسل ثم دخل المسجد، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، والله يا محمد، ما كان على وجه الأرض وجهٌ أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك اليوم أحبَّ الوجوه كلها إليَّ، وما كان من دين أبغض إليَّ من دينك، فأصبح دينك اليوم أحبَّ الدين كله إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبَّ البلاد كلها إليَّ.. الله أكبر، تلك آثار الدعوة بالرفق والرحمة والحسنى، والبعد عن مسالك العنف والغلظة والفظاظة، وهو درس بليغ للدعاة إلى الله إلى قيام الساعة.
ولما قيل له عليه الصلاة والسلام: ألا تدعو على المشركين؟! قال: (إني لم أُبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة للعالمين) وقال لهم: (ما تظنوني أني فاعلٌ بكم؟) قالوا: خيراً، أخٌ كريم وابن أخ كريم، قال: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، اذهبوا فأنتم الطلقاء).
ألا فلتعلم الإنسانية قاطبة، والبشرية جمعاء هذه الصفحات الناصعة من رحمة الإسلام، ورسول الإسلام والسلام، عليه الصلاة والسلام، الذي يجدون ذكر شمائله في توراة موسى وفي بشارة عيسى عليهم السلام، وليعلم من يقفُ وراء الحملات المغرضة ضد الإسلام ورسول الإسلام وأهل الإسلام ما يتمتع به الإسلام من مكارم وفضائل، ومحاسن وشمائل، ومدى البون الشاسع بين عالميته السامية، وعولمتهم المأفونة في إهدارٍ للقيم الإنسانية، وإزراءٍ بالمثل الأخلاقية… وهل تدرك الأمة الإسلامية اليوم الطريقةَ المثلى للدعوة إلى دينها وإحياء سنة رسولها إحياءً عملياً حقيقياً، لا صوريا وشكلياً؟! وإن الأمة اليوم بأمس الحاجة في هذه اللحظات الحاسمة من تاريخها إلى التمسك الصحيح بدينها وهدي رسولها ، في محبة وتآلف واعتصام، وفي سماحة ويسر ووئام، وبذلك تتحقق وحدة الصف، وجمع الشمل، وتوحيد الكلمة، على منهج كتاب الله وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، فلن يصلح أمرُ آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وبذلك تنكشف الغمة عن هذه الأمة، وما ذلك على الله بعزيز. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً)
اللهم إنا نسألك حبك، وحب رسولك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك يارب العالمين.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أبان الطريق وأوضح المحجة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أرسل رسله مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة، ونشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، كساه من حُلل النبوة ما زاده مهابةً وبهجة، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه الذين فدوه بكل ما لديهم من نفسٍ ومهجة، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلَموا أنَّ من مقتضَى محبّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، محبّةَ آله الأطهار، وصَحبه الأخيار المهاجرين منهم والأنصار، ووُدَّ أهل بيته الطيّبين الطاهرين، وزَوجاته الطاهرات أمّهات المؤمنين، وصحابَتِه الغرِّ الميامين، فلَيس في الأمّة كالآل والأزواج والأصحاب في الفضلِ والمعروف والإصابة؛ أبرُّ الناس إيماناً، وأهدَاهم قلوباً، وأجفَاهم للهِ جنوباً، انتَهَوا في محبَّتِهم لخير البريّة، إلى تفديَتِه بالآباء والأمّهات، وإلى أعالي الدّرجات، وسامي الغايات، التي تمتنِع إلاّ على النفوسِ المشرقة باليقين.
أَحْيَا بِكَ الْلَّهُ أَرْوَاحَاً قَدْ انْدَثَرَتْ
فِيْ تُرْبَةِ الْوَهْمِ بَيْنَ الْكَأْسِ وَالْصَّنَم
نَفَضَتَ عَنْهَا غُبَارَ الذُّلِّ فَاتَّقَدْت
وَأَبْدَعَتْ وَرَوَتْ مَا قُلْت لِلْأُمَمِ
ربِّيَتْ جِيْلاً أَبِيَاً مُؤْمِنَاً يَقِظَاً
حَسَوِ شَرِيْعَتَكَ الْغَرَّاءِ فِيْ نَهَمِ
فَمَنْ أَبُوْ بَكْرٍ قِبَلَ الْوَحْيِ مِنْ عُمَرُ
وَمَنْ عَلِيٌّ وَمَنْ عُثْمَانَ ذُوْ الْرَّحِمِ ؟
نعم والله: فمن أحبَّهم وأثنى عليهم برِئ من النّفاق، وكان له من منازل الإيمان على قدرِ محبّتِه لهم والإقتداء بهم، يقول سبحانه: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)،ويقول جل وعلا في صحابة نبيه الأخيار:(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم) ويقول تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)، ويقول سبحانه: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ، تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً، سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ، فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ، يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)
وفي صحيحِ الخبَر عن سيِّدِ البشَر في بيان فضل القرابة والصحابة وحقِّهم، وعظيمِ قدرِهم: (لا يحبُّهم إلا مؤمِن، ولا يبغِضهم إلاّ منافق، ومن أحبَّهم أحبَّه الله، ومن أبغضَهم أبغضه الله). ويقول صلى الله عليه وسلم: (أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ، فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ وَأَهْلُ بَيْتِي: أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ) ،ويقول : (خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي ، لا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضاً مِنْ بَعْدِي ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي ، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ)

أولئك أَحبـابِي وصَحبِي ومَعشَري
وقومي وإخواني وأعلامُ أمّتي
حب الصحابة والقرابة سنة
ألقى بها ربي إذا أحياني
فمَن تطاول عليهم وافترى، فقد ظلَم واجترى، وجاء بأعظمِ الفِرى، فيحرم تنقصهم أو الوقيعة بهم أو طعنهم وسبهم ولعنهم ؛ فإن ذلك والله أمارة الخسران، والكف عما شجر بينهم؛ فإن ذلك علامة الإيمان، (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) بل ينبغي الترضي عنهم، والترحم عليهم، فهم – وأيمُ الله- لا يذكَرُون إلاّ بالجميل، ومَن ذكرهم بغير الجميل فهو على غير السّبيل.
اللّهمّ إنّا نسألك حبَّك، وحبَّ رسولك محمّد، وحب آل بيته الطاهرين، وحب أزواجه أمهات المؤمنين،وحب أصحابه الغر الميامين، وحبَّ كل عمل يقرّبنا إلى حبّك. اللهم اجعل حبَّك وحبَّ رسولك أحبَّ إلينا من أنفسنا ووالدينا والناس أجمعين… اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين،اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين،اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أُمُوْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، الْلَّهُمَّ وفق مَلِكِنَا حَمِدَ بْنِ عِيْسَىْ وَرَئِيْسَ وُزَرَائِهِ خليفة بن سلمان، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ سلمان بن حمد، الْلَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَخُذْ بِنَوَاصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ، وَسَدِّدْ عَلَىَ طَرِيْقِ الْخَيْرِ خُطَاهُمْ وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَارَبْ الْعَالَمِيْنَ.. اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء… اللهم أصلح شبابنا وفتياتنا و نساءنا وأولادنا وبناتِنا، وأهدنا سبل السلام.. اللهم ارفع وادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين يا حي يا قيوم ياذا الجلال والإكرام.
اللهم كن لإخواننا المستضعفين المضطهدين في دينهم وأوطانهم، كن لهم ناصراً ومؤيداً في فلسطين وفي بلاد الشام وفي اليمن وفي بورما وفي كل مكان، ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلاً.. اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ،وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ… اللهم صل وسلم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
عِبَادَ الْلَّهِ:إِنَّ الْلَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِيْ الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ، فَاذْكُرُوْا الْلَّهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيْمُ الْجَلِيْلِ يَذْكُرْكُمْ،وَاشْكُرُوهُ عَلَىَ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ الْلَّهِ أكبروالله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُوْنَ وَيَغْفِرْ الْلَّهَ لِيَ وَلَكُمْ.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين