الجمعة 28 صفر 1439 هـ
الموافق 17 نوفمبر 2017م

الحمد لله رب العالمين، مَنَّ على من شاء من عباده بهدايتهم للإيمان، وكرَّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، تفرد بالكمال والجلال والعظمة والسلطان، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، المبعوث إلى كافة الإنس والجان، فبلغ رسالة ربه وبين غاية البيان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، الذين جاهدوا في الله حق جهاده حتى نشروا العدل والأمن والإيمان وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، فاتقوا الله رحمكم الله، (فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ) النعيم في هذه الدار لا يدوم، والأجل فيها على الخلائق محتوم، انظروا مصارعَ المنايا، وتأمّلوا قوارعَ الرزايا، ورحم الله أمرأً عمّر بالطاعة لياليَه وأيامَه، وأعدّ العدّة للحساب يوم القيامَة، قدّم صالحَ الأعمال، وحاسب نفسَه في جميع الأحوال، (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
معاشر المسلمين: اتّفَقتِ الشرائعُ والملَل علَى حِفظ حقوقِ الإنسَان، وتقريرِ كرامته، فالخلقُ سواسيَة في التكاليفِ والمسؤوليات،يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ، إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) بَنُو آدَم كلُّهم أهلٌ للتّكريم والاحترام والتّفضيل، كما قال تعالى:(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) دينُ الله تعالى الذي جاءَت به الرّسُل عليهم السلام، دعَا إلى ترابُط البشَر فيما بينهم، وتعاوُنهم على الخيرِ والبرّ والعدلِ والصلاح، يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)
و في دين الإسلام تأتي السماحةَ والرحمةَ في أصولِه ومبادئه وتعاليمه، وفي روحِ أحكامه وتشريعاته، فرحمةُ ربّنا وسِعت كلَّ شيء، وهي قريبٌ من المحسنين، ومحمّد صلى الله عليه وسلم، هو رحمةُ الله للعالمين أجمعين، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) وتأمّلوا رحمكم الله كيف جاء الاقترانَ بين النّهيِ عن الفساد في الأرض، وأمَلِ الحُصول على رحمةِ الله عزّ وجلّ: يقول تعالى: (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا، وَادْعُوهُ خَوْفًاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ) كَما تتميَّز تعاليمُ دين الإسلام، بإِعطاء الطابَع الإنسانيّ منزلةً متميّزة في قِيَم أخلاقيّة عالية،يقول جل وعلا: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) ويقول سبحانه: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)
أيها المؤمنون: كلُّ هذه المبادِئ والمثُل وأمثالها لتكونَ الحياةُ طيّبَة، ولتُعمَرَ الأرض، ويسودَ الصّلاح والإصلاح، وذلكم هو سبيلُ التقوى والتّكريم،يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) وكلُّ هذه المبادئ والمثُل ليأمَن الناس على أنفسِهم مِن أنفسهم، وليتَّقوا شرورَ أنفسِهم وسيّئات أعمالهم، وليحذَروا نزغاتِ شياطين الإنسِ والجنّ ووسواسِهم، (شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً)
عباد الله: بنُو الإنسان هم خُلَفاء الله في الأرضِ ليبنُوا ويعمُروا ويتنافَسوا في الإصلاح فيها،يقول سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ، إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)
أيّها المسلمون: ولترسيخِ هذه المبادئِ، وليسودَ الصلاح والإعمار فقد اشتدَّ النكير على من سَعَى في الأرض فساداً ليهلِكَ حرثَها ونسلَها، يقول تعالى: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ) ومِن أجل ذلك كذلك، فإنَّ من أعظم الذنوب، وأكبرِ الكبائر، سفكَ الدم الحرام، وقصدَ المعصومين، بالتخويفِ والتّرويع والإيذاءِ والقتل، ناهيكم عن استخدامِ وسائل التفجيرِ والتخريب والهدم والتدمير، فكلّ ذلك من أشدِّ أنواع الفساد في الأرض والإفسادِ في الخَلق.. وإنَّ من الحكمةِ والتعقّل، النظرَ في آثار مِثل هذه التصرُّفات السيئة، ونتائجِ مثل هذه المسالك المعوجة، ولا سيّما على أهل الإسلام وديارِ الإسلام… لا بدَّ من وقفةِ حِساب، وموقفِ محاسبةٍ، مِن أجل النظر في المكاسِب والخسائر، ماذا جرّت تلك الأعمال الإرهابية العبثية على بلاد المسلمين؟ وماذا جرى لأهلِ الإسلام بسبب تلك التصرفات؟ لقد تغلغَلَ الأعداء المتربصون في كثيرٍ مِن ديار المسلمين، واستطالوا عليهم بألسنَتِهم وأسلِحتِهم وإعلامهم وأقلامهم، واستنفَروا دولاً وجمعيّاتٍ ومنظَّمات وهيئاتٍ، حتى جعَلوا المظلومَ ظالماً، وصاحبَ الحقِّ باغياً، متذرعين بمثلِ هذه التصرّفات الرَّعناء، وهذه المسالِك الهوجاء.. لقد أوشكَت أن تضمحلَّ قضايا المسلمين الكبرى، وتتوارَى مشكلاتٌ أخرَى يرادُ لها أن تأخذَ المسارَ نفسَه… إنَّ مثلَ هذه التصرفات الحمقاء، قدَّمت الذرائعَ والمسوِّغات لمزيدٍ من التدخّل والتسلُّط، ومزيدٍ من الإثارات والثارات على الإسلام وأهلِه ودياره… ألم يدرِكوا أنه لم يستفد من ذلك إلا الحاقِدون والموتورون الذينَ يسرُّهم أن يختلطَ أمرُ الأمة ويختلَّ أمنها ويضربَ بعضها بعضاً؟! لقد أصبحَ المسلمون بعلمائهم ورِجالهم وساستِهم ودعاتهم، بل وشبابهم مادّةً يلوكها الإعلامُ والقنوات الفضائية، وكم من ساخطٍ وحاقد تدخَّل فيما لا يعنيه بسببِ هذه التصرفات الرعناء… هؤلاء المتطرفون الإرهابيون هاجموا بلادَهم، وفجروا الأماكن الحيوية فيها، وحاولوا قتل مواطنيهم، بل قتَّلوا أهليهم ورجال أمنهم، وخفروا ذمّةَ ولاةَ أمورهم، وروَّعوا الآمنين، وفتحوا الأبوابَ لتمكين المتربِّصين. ويحَهم، هل يريدون جرَّ البلاد والعباد إلى ويلاتٍ تحلق الدينَ، وتزعزع الأمنَ، وتشيع الفوضَى، وتحبِط النفوس، وتعطِّل مشاريعَ الخير ومسيرةَ الإصلاح؟! هل يريدون أن يكثرَ القتل ويتقاتل الناس، وتنتهَكَ الحرُمات، وتتفرّقَ الناس في الولاءات، وتتعدَّد في المرجعيات، حتى يغبط الأحياءُ الأمواتَ كما هو واقعٌ ـ وللأسف ـ في بعض الديار التي عمَّتها الفوضى والثورات وافترَسها الأعداء؟! يريدون إثارةَ فِتن وقودُها الناس والأموال والثّمرات، ونِتاجُها نَقص الدّين ونشر الخوفِ والجوع والفُرقة…ألا يعلَم هؤلاء المتطرفون المخربون، أنّه على طولِ التاريخ لم تنجَح حركةٌ تتَّخِذ من العنف والإرهاب مسلكاً؟! ألم يعلَموا أنه لا يمكِن أن يؤدّيَ الإرهاب إلى تحقيقِ هدَفٍ أو مكسب؟! ناهيكم إذا لم يكُن له هدفٌ واضح أو قضيّة بيّنة، فضلاً أن يكونَ له هدف مشروعٌ أو حقّ ظاهر. كم من شابّ غرٍّ أقدم على اغتيالٍ وتفجير وتدميرٍ، قتل نفسَه وقتل أهله وقتل رجال الأمن وقتل الأبرياء ؟ دونَ مسوِّغ شرعيٍّ عياذًا بالله… ألا يعلم هؤلاء المتطرفون المفسدون أنّه لا يوجَد أحَدٌ مِن العلماء الثقات الذين يخافون الله ويُعتَدّ بعلمهم، أجازَ مِثلَ هذه الأعمالِ والتصرّفات… وليحذَر مَن يتّقي اللهَ ربَّه، وينصَح لدينه وأهلِه ووطنه، أن يسوِّغ ويبرر لمثل هذه الأعمالِ الإرهابية، أو يفرَحَ بها، أو يتردَّد في إنكارها وشجبها.
أيّها المسلمون: إنَّ المخاطر والتحديات كثيرة، وإنَّ مكرَ الأعداء كبير، وهذا كلُّه يستوجِب يقظةَ الجميعِ في مواجهةِ كلِّ فكرٍ ضالّ أو تصرُّف عنيف أو سلوكٍ إرهابيّ.
عباد الله: إنَّ هذا الإفسادَ في البلاد والعباد، يستهدِف الجميعَ، وتهدِّد نتائجُه وآثارُه الجميع. يجب توعيةُ النّاشئة وتذكيرهم ليعظِّموا أوامرَ الله وحرماتِه، ويحذَروا سخطَه ونواهيَه،يقول تعالى: (فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) ويقول (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) ويقول: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)
ويقول بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام: (لزَوال الدّنيا أهونُ عند الله من إراقة دمِ مسلمٍ)، ويقول:(من خرَج على أمتي بسيفِه يضرِب برَّها وفاجرها فليس منّي ولست منه) ويقول: (مَن رفَع علينا السلاح فليسَ منّا).
إنّنا بحاجةٍ يا عباد الله إلى المواجهةِ بكلِمة الحقِّ الصادِعة، والقولِ السّديد، ينهضُ به العالمُ والمعلّم والواعظ والخطيب والمفكِّر والكاتب… إنَّ على العلماء والمفكِّرين، وأصحابِ الرأي والقلم، وهم حُرّاس الدّين والدّيار والقِيَم والمكتسَبات، عليهم مسؤوليّة كبرى في توجيهِ الشّباب وتثقيفِهم وتوعيَتِهم وحمايَتِهم من الانسياق وراءَ أصحاب الأفكارِ الشاذّة والمنحرفة، وأصحابِ الأغراضِ والأهواء، لا بدّ من حسن التوظيف للمنابر ووسائل الإعلام والنشر والمناهج والسعي الجادِّ نحو حِفظ الدين والبلاد والعباد والأمّةِ، يجب التوجُّه نحوَ حِفظ الحقوق، وبِناء القوّة، والسعي الجادّ في حِفظ جمعِ الكَلِمة، والمحافظَة على وحدةِ الصفِّ،ونبذ الطائفية، ومعرفةِ فِقهِ الخِلاف، وأدَبِ الاختلاف، وحسنِ الدعوة إلى الله، والجِدال بالتي هي أحسَن لا بالتي هي أخشن، والحوارِ الهادِئ والنّقد البنّاء الهادف.
أيّها المسلمون: ومع هذا كلِّه، فإنّ هذه البلاد الطيبة المسالمة بجميع مكوناتها وطوائفها، مطمئنّة إلى قادتها وأهلها ورجالها ونسائها وصِغارها وكِبارها، شبابِها وعلمائها، ساستِها وأهلِ الرأي فيها، كلُّهم على منهجٍ وسَط،ينبذ العنف والإرهاب ويحب السلام، شهد لهم كل من خالطهم وعاش معهم، فللَّه الحمد والمنّة…تلكم حقيقةٌ راسخة ثابِتة، لا يمكن تغييرُها والخروجُ عليها بإذن الله، تربَّوا عليها وفقهوها وعياً، وتمثَّلوها مسؤوليّةً وسلوكاً، فهم لا يشُقّون الطاعة، ولا يفرِّقون الجماعة، ولا ينازِعون الأمرَ أهلَه، ولا يضخِّمون الأخطاءَ، ولا يخفُونَ الحسَنات، ولا يقطَعون ما أمَرَ الله به أن يوصَل، ولا يفسِدون في الأرض، ولا يثيرُونَ الفتَن، ولا يعتدُون على مؤمِنٍ ولا مستَأمَن، ولا يغدِرون بذمّة، ولا يروِّعون آمناً، ويتّقون اللهَ ما استطاعوا، يأمُرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويسارِعون في الخيرات بإذن الله. هذا عندهم منهجٌ ودِين ومسلَك وعقيدةٌ، والتّقصير البشريّ وارِد، بل واقع، والنّقدُ الهادِف مُتاح، وكلّ ابنِ آدم خطّاء، وخيرُ الخطّائين التّوّابون… وبعد: عباد الله، فالسّعيد من أدركته منيّتُه، وهو ثابتٌ على دين الإسلام، ليس في رقَبَته شيءٌ من حقوقِ العباد، ملازِمٌ لجماعة المسلِمين، متّقٍ للفِتَن، يحذَر فِتنًاً لا تصيب الذين ظلَموا خاصّة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ، رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم وبهدي سيد المرسلين، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد فيا أيها المسلمون: إنه لمن المؤسف والمحزن حقًاً، أن يسمع ويرى المواطن في هذه البلاد الآمنة المسالمة، بين وقت وآخر ما تهتز له النفوس حزناً، وترتجف له القلوب أسفًاً، وما يتأثر به المسلم حيثما كان وأينما كان، من استمرار مسلسل تلك التفجيرات الإرهابية الآثمة، وتلك الاعتداءات الظالمة، واستهداف المواطنين ورجال الشرطة والأمن،واستهداف أمن واستقرار مملكة البحرين،والتي تقوم بها فئة ضلت الطريق، فظلمت نفسها وأهلها، وظلمت غيرها، وأجرمت في حق وطنها، ورهنت نفسها لإيران وغيرها من الأحزاب، وارتبطت بهم ونفذت أوامرهم، فاعتدت وبغت وأزهقت الأرواح، وسفكت الدماء، ومارست العنف والإرهاب، وأفسدت في البلاد فساداً عظيماً، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم… هذا وقد آلمنا وأحزننا التفجير الإرهابي الذي وقع بالأمس القريب بأحد أنابيب النفط، بهدف زعزعة الأمن والاستقرار والإضرار بالمصالح العليا لوطننا وسلامة الناس، وهذا مدعاة لإثارة الفتن والطائفية في المجتمع، وتهديد السلم والأمن بالمنطقة.
عباد الله: إن هذا العمل الإرهابي مستنكر ومدان من جميع مكونات المجتمع البحريني ودول العالم، لأنه غدر فظيع، وجرم مروع، وفعل دنيء، لا يقدم عليه عاقل يحترم نفسه، ولا يقدم عليه خيِّر يخاف الله ويرجوه، ولا مواطن صالح وفيٌّ، يحس بأمن الجماعة، ويتحرك بما ينفع الناس، إن من أقدم على هذا العمل، مريض قلبه، وضعيف دينه، عدو لنفسه أولاً، ثم عدو لأهله وقومه وجيرانه وأبناء وطنه، لأنه حاول تفجير المواطنين وقتلهم لولا لطف الله تعالى وحفظه…
وإننا لنبرأ إلى الله تعالى من أن يرضى بهذا العمل مسلم في قلبه مثقال ذرة من إيمان. وهو يسمع قول الله تعالى: (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)،وقوله (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) وقوله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) وقول نبيه صلى الله عليه وسلم: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ)… لذا فإننا نطالب مع من طالب من المخلصين المحبين لهذا الوطن وقيادته وشعبه، نطالب بتطبيق الشرع والقانون بكل حزم، والاحتكام إلى العدالة الرادعة، وتغليظ العقوبات على الفاعلين والمحرضين والمدبرين لهذه الأفعال الإجرامية التي تهدد الأمن والسلم الوطني، وتروع الآمنين في ديارهم وممتلكاتهم،وتثير الصراعات والفتن الطائفية… ولا يفوتنا في هذا المقام أن نتقدم بالشكر والتقدير لمعالي وزير الداخلية ولإدارة المطافئ، ولرجال الدفاع المدني ورجال الأمن البواسل، ولشركة بابكو والمسئولين فيها،ولأهل المنطقة من المواطنين والمقيمين، على تفاعلهم السريع مع الحادث، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحفظ سلامة المواطنين والمقيمين، كما نشكر كل من أسهم في التفاعل مع الحدث والتعاون في مساعدة أهالي المنطقة، جزا الله الجميع خير الجزاء… نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا أمننا وإيماننا، وأن يحفظ بلادنا البحرين، وولاة أمورنا وشعبنا، وبلاد المسلمين، من كل سؤ ومكروه.. اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك،وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك،وجميع سخطك، اللهم أهدي ضال المسلمين وشبابهم،اللهم بصر جاهلهم، وأيقظ غافلهم،ودلهم على الخير والهدى يا سميع الدعاء. اللهم ألف بين قلوبنا رعاةً ورعية، ووحد كلمتنا وصفوفنا، وأحفظ علينا مودتنا وأُخوتنا، وطهر قلوبنا من الحقد والحسد والبغضاء، وجنبنا الخلاف والنزاع والشقاق والخصام، واصرف عنا شر الأشرار وكيد الفجار ياذا الجلال والإكرام. اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، اللهم وفق ملكنا حمد بن عيسى، ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان، وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وسدد على طريق الخير خطاهم وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين… اللهم من أرادنا وأراد بلادنا وخليجنا وأمننا ورجال أمننا وجيشنا، بسوءٍ أو فُرقة فرُدَّ كيدَه في نحره، واجعل تدبيرَه دماراً عليه… الْلَّهُمَّ كُنْ لإخْوَانِنَا الْمُسْتَضْعَفِيْنَ الْمُضْطَهَدِيْنَ فِيْ كُلِّ مَكَانٍ ناصراً ومؤيداً، اللهم انصرهم في فلسطين وفي بلاد الشام وفي اليمن وفي بورما وفي كل مكان يارب العالمين….
اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين. الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ،وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ، الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.. عِبَادَ الْلَّهِ: (إِنَّ الْلَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِيْ الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ). فَاذْكُرُوْا الْلَّهَ الْعَلِيَّ الْجَلِيْلِ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَىَ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ الْلَّهِ أَكْبَرُ، وَالْلَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُوْنَ وَيَغْفِرْ الْلَّهَ لِيَ وَلَكُمْ.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين