الجمعة 29 جمادى الأولى 1441 هـ

الموافق 24 يناير 2020 م

 

الحمد لله الذي فرض الصلاة على العباد رحمة بهم وإحسانا، وجعلها صلة بينهم وبينه ليزدادوا بذلك إيمانا، وكررها كل يوم وأجزل لهم ثوابها فضلا منه وامتنانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالقنا ومولانا ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله أخشى الناس لربه سرا وإعلانا، الذي جعل الله قرة عينه في الصلاة فنعم العمل لمن أراد من ربه فضلا ورضوانا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، اتقوا الله وكونوا بدينكم مستمسكين، وعلى عموده محافظين، وفيه خاشعين خاضعين، تسلكوا سبيل المفلحين.

معاشر المسلمين: تحل بالأمة حوادث وبلايا، وتصاب بكوارث ورزايا، تشغلها عن قضاياها الأصلية، وثوابتها الشرعية، وتمرّ بالأمة المناسبات والمواسم، فتأخذ حقَّها من التذكير والاهتمام، غير أن  حديث المناسبة وكلِّ مناسبة موسمٌ عظيم، ومنهل عذب كريم، يتكرر كلَّ يوم خمس مرات، وكثير من الناس في غفلة عن تحقيق آثاره، والتنويه بمكانته وأسراره، والعناية بحكمه وأحكامه، يقول صلى الله عليه وسلم : (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْراً غَمْراً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَىْ مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ،(أي وسخه)  ؟! قَالُوْا: لا يَبْقَىْ مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: (فَذَلِكَ مَثَلُ الْصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُوَ الْلَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا)

أيها المؤمنون: إنه نتيجةً لارتماء كثير من الناس في أحضان الدنيا، والتنافس في جمع حطامها، وانشغال القلوب والهمم بها، ونسيان الدار الحقيقية، والغفلة عن العمل لها، في هذه الدوامة تناسى بعضهم مكانة هذه العبادة العظيمة، فلم يبالوا بها، ولم يكترثوا بإقامتها، وصدق فيهم قول الحق تبارك وتعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَـوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوٰتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً)… وصنف آخر يؤديها ولكن مع الوقوع في الزلل، والاستمرار في الخلل، يصلُّون ولكن لا تُرى آثار الصلاة عليهم، لا يتأدبون بآدابها، ولا يلتزمون بأركانها وواجباتها، صلاتهم صورية عادية، لإخلالهم بلبها وروحها وخشوعها، يصلون جسداً بلا روح، وبدنًا بلا قلب، وحركاتٍ بلا مشاعر وأحاسيس، صلاتهم مرتعٌ للوساوس والهواجس، يأتي الشيطان أحدهم وهو في صلاته، فيجعله يصول ويجول بفكره في مجالات الدنيا، يتحرك ويتشاغل، يستطيل ويتثاقل، ويلتفت بقلبه وبصره إلى حيث يريد، فينفتل من صلاته ولم يعقل منها شيئًا، بل لعلَّ بعضهم لا يعقل منها إلا قليلاً، ثم لا تسأل عن الأحوال، وسيِّئ الفعال، وقبيح الخصال، بعد الصلاة، فحشٌ في القول، وإساءة في الفعل، وأكل للحرام، وتعسُّف في الأخلاق، واجتراح للسيئات، وإصرار على المعاصي والمنكرات، وربما تساءل بعضهم: ألم يقل الله عز وجل: (إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ) فأين نحن من هذه الآية؟! فنحن نؤدي الصلاة ولكن لا أثر لها في حياتنا، ولا ثمرة لها في واقعنا وتغيير أحوالنا، وتحسُّن مناهجنا وسلوكنا، وصلاح سائر جوانب حياتنا!!

أيها الإخوة والأخوات في الله: إن الصلاة التي يريدها الإسلام هي التي تمثل المعراج الروحي للمؤمن، حيث تعرج به روحه كلما قام مصليًا في فريضة أو نافلة، منتقلة من عالم المادة إلى عالم السمو والصفاء، والطهر والنقاء، وفي ذلك مصدر السعادة والسرور، ومبعث الطمأنينة والحبور، وكان ذلك ديدنَ الأنبياء جميعًا عليهم صلوات الله وسلامه، وهكذا كان الحبيب المصطفى القدوة الحسنة بأبي هو وأمي،(إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلَىَ الصَّلاةِ).

عباد الله: الصلاة غذاء القلوب، وزاد الأرواح، مناجاةٌ ودعاء، خضوع وثناء، تذلل وبكاء، وتوسل ورجاء، واعتصام والتجاء، وتواضع لكبرياء الله، وخضوع لعظمته، وانطراح بين يديه، وانكسار وافتقار إليه، تذللٌ وعبودية، تقرب وخشوع لجناب الربوبية والألوهية، إنها ملجأ المسلم، وملاذ المؤمن، فيها يجد البلسم الشافي، والدواء الكافي، والغذاء الوافي، إنها خير عدة وسلاح، وأفضل جُنَّة وكفاح، وأعظم وسيلة للصلاح والفلاح والنجاح، تنشئ في النفوس، وتذكي في الضمائر قوةً روحية، وإيمانًا راسخًا، ويقينًا عميقًا، ونورًا يبدد ظلمات الفتن، ويقاوم أعتى المغريات والمحن، وكم فيها من الأسرار والحكم، والمقاصد والغايات التي لا يعقلها كثير ممن يؤديها، فما أعظم الأجر وأوفر الحظ لمن أداها على الوجه الشرعي، قال صلى الله عليه وسلم: (خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ الْلَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ، وَأَتَمَ رُكُوْعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ عَلَىَ الْلَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ)

أيها المسلمون: لا يخفى على كل مسلم بحمد الله مكانة الصلاة في دين الله، ومنزلتها في شرع الله، فهي عمود الإسلام، والفاصل بين الكفر والإيمان، وإذا كان الأمر بهذه الأهمية والخطورة، فإن الذي يحز في النفس، ويؤلم القلب أنه لا يزال في عِداد المنتسبين إلى الإسلام من لا يرفع رأسا بها، فما بال أقوام يعيشون بين ظهراني المسلمين قد خفّ ميزان الصلاة عندهم، وطاش معيارها، بل لربما تعدّى الأمر إلى ما هو أفظع من ذلك، إلى الإستهزاء والسخرية ممن يصلي، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فهل ينتهي أولئك قبل أن يحلَّ بهم سخط الله، وتعاجلهم المنية،وتقبض أرواحهم، وهم على هذه الحال السيئة المزرية؟!

أيها الإخوة المصلون أيتها الأخوات المصليات: لِتَهْنِكُم الصلاة، ويا بشرى لكم ما شرح الله صدوركم لهذه الفريضة العظيمة، وهنيئًا لكم ثوابُ الله وفضله العاجل والآجل، لقيامكم بهذا الواجب الشرعي العظيم، ولكن ـ يا أيها المصلون ويا أيتها المصليات ـ لتعلموا أن للصلاة المقبولة شروطًا وأركانًا، وواجبات وآدابًا، لا بد من الوفاء بها، كما أن هناك مسائل مهمة وأخطاء شائعة في هذه الفريضة، يحتاج المصلون إلى معرفتها، وقد ورد في الأثر: (إِنَّ أَسْوَأَ الْنَّاسِ سَرِقَةً الَّذِيْ يَسْرِقُ مِنْ صَلاتِهِ)، وذلك بِعَدَم تمام ركوعها وسجودها وخشوعها، كما ورد: (إِنْ الْمُصَلِّيَ لَيَنْصَرِفُ مِنْ صَلاتِهِ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلا رُبْعُهَا، أَوْ خُمُسُهَا …)  حتى بلغ عشرَها، وهذا يدعو المسلم المصلي إلى أن يتنبه لشأن صلاته، حتى لا يخسر الثواب، ويبوء بالعقاب، متعهدًا طهارتها وشروطها وأركانها وواجباتها، مجتهدًا في الخشوع فيها، فهو لبها وروحها… أيها المؤمنون: لقد مدح الله المؤمنين وأثنى عليهم ووصفهم بالخشوع له في أجلّ عباداتهم، ورتب على ذلك الفوز والفلاح، فقال جل وعلا: (قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ  ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ) وقال صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوْبَةٌ، فَيُحْسِنُ وُضُوْءَهَا وَخُشُوْعَهَا وَرُكُوْعَهَا إِلا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الْذُّنُوبِ، مَا لَمْ تُؤْتَ كَبِيْرَةٌ، وَذَلِكَ الْدَّهْرَ كُلَّهُ)

أيها الإخوة والأخوات في الله: إن المصلي حقًاً من يقيم الصلاة كاملة الفرائض والأركان، مستوفيةَ الشروط والواجبات والآداب، يستغرق فيها القلب، ويتفاعل من خلالها الوجدان، ويحافظ عليها محافظة تامة قدر الطاقة، يبعثه على ذلك قلب يقظ، وشعور صادق، وإحساس مرهف، وضمير حيّ، فينصرف بكليته إلى الصلاة؛ لأن الخشوع فيها إنما يحصل لمن فرّغ قلبه لها، واشتغل بها عمّا عداها، وآثرها على غيرها.

ومنزلة الخشوع من الصلاة كمنزلة الرأس من الجسد، فالذي يجعل الصلاة مرتعاً للتفكير في أمور دنياه، ومحلاً للهواجس في مشاغله، قلبه في كل وادٍ، وهمه في كل مكان، يختلس الشيطان من صلاته بكثرة التفاته وعبثه بملابسه ويده وساعته ورجله وجوارحه، وربما أخلّ بطمأنينتها، ولم يع ما قرأ فيها، فيُخشى أن تُردَّ عليه صلاته، فقد ورد في الخبر: أن صلاة من هذه حاله تُلفّ كما يُلفّ الثوب الخَلِق، ثم يُرمى بها وجه صاحبها، والعياذ بالله.

أيها المسلمون: إنه لمَّا طال بالناس الأمد، وقست قلوبهم، وأساءوا فهم شعائر الإسلام، أصبحتَ ترى من يُخل ببعض شروط الصلاة وأركانها وواجباتها، فلم تعمل الصلاة عملها في قلوب الناس، ولم تؤثر في حياتهم، فهناك من يؤديها ولكن لا تنهاه عن الفحشاء والمنكر، ولا تمنعه مما يخدش العقيدة، أو يخالف هدي النبي ، أو يناقض مبادئ الإسلام، ولا تمنعه من تعاطي الربا، واقتراف الزنا والرشوة والغش والسرقة وشرب المسكرات وتعاطي المخدرات، والتساهل في حقوق العباد، والوقيعة في أعراضهم، وما إلى ذلك من المحرمات، هل أولئك قد أقاموا الصلاة وأدوا حقها؟! والله لو فعلوا ذلك لانتهوا عن كل محرم، وأقلعوا عن كل ما يخالف شرع الله، ولكنه إضاعة جوهر الصلاة، ولا حولا ولا قوة إلا بالله.

يا أمة محمد: ما هي حالنا اليوم مع هذه الفريضة العظيمة؟! أجساد تهوي إلى الأرض وقلوب غافلة، وأفئدة متعلقة بالدنيا إلا من رحم الله، فهل من عودة صادقة ـ أيها المسلمون المصلون ـ إلى ترسُّم خطى المصطفى  في هذه الفريضة العظيمة، وغيرها من فرائض الإسلام، لتعود للأمة قوتها وهيبتها بعد أن مُنيت بنكسة خطيرة، أفقدتها كثيرًا من مقوماتها التي تجعلها متماسكة قوية، ألا ما أحرى الأمة وهي تتجرع غصص الهزائم والنكبات والمصائب أن تتحرى الأسباب والدوافع لتقوم بالتغلب عليها، وإنها واجدة في شعائر الإسلام، وأعظمها الصلاة ما يكون سببًا في صقل الأفراد، وتهذيب المجتمعات وصلاح الأحوال، والقضاء على أسباب الضعف والهزيمة، وخُوار الروح المعنوية في الأمة… فلنتق الله ـ عباد الله ـ في أمورنا عامة، وفي صلاتنا خاصة، فإن حظ المرء من الإسلام على قدر حظه من الصلاة، ولنفكر في حالنا: ماذا جنينا من جراء التهاون بشعائر الإسلام كلها، لا سيما الصلاة؟! إن أمةً لا يقف أفرادها بين يدي الله في الصلاة لطلب الفضل والخير منه لجديرة ألا تقف ثابتة في مواقف الخير والوحدة والنصر والقوة، لأن هذه كلها من عند الله وحده، فإذا أصلحنا ما بيننا وبين الله أصلح الله ما بيننا وبين الناس، وإن أمة لا يُعفِّر أبناؤها وجوهَهم في التراب ويمرغون جباههم في الأرض تعظيمًا لخالقهم وإعلانًا للعبودية التامة له، لحرية أن لا تثبت أمام التحديات والمتغيرات، وأن تذوب في خضم المغريات والابتلاءات، وسيول المحن والبلايا، وأن تغرق في مستنقعات الفتن والرزايا، وإن مردّ تردِّي كثير من الأوضاع في شتى البقاع لتردّي أبنائها في أودية المخالفات، وعدم القيام بما هو من أوجب الواجبات، ألا وهو الصلاة، فإلى الله المشتكى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، ويرزقهم الفقه في دينه والبصيرة فيه، وأن يجعلهم محافظين على شعائر دينهم، معظمين لها، قائمين بعمودها على خير وجه إنه جواد كريم.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله أولاً وآخراً، والشكر له باطناً وظاهراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ المفروضة علينا هِيَ صِلَتُنا بِرَبِّنا، إِنَّهَا نُورُ وُجُوهِنا وَسَعَةُ أَرازَقِنا، (وَأْمُرْ أَهلَكَ بِالصلاةِ وَاصطَبِرْ عَلَيهَا لاَ نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى)، إِنَّهَا صَلاحُ أَبدَانِنا وَأَوطَانِنا، وَزَكَاءُ أَروَاحِنا وَمَصدَرُ فَلاحِنا، إِنَّهَا المَنهَاةُ لَنا عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ، إِنَّهَا عَونُنا عَلَى الشَّدَائِدِ وَقُوَّتُنا في النَّوَازِلِ،   (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، إِنَّهَا المَفزَعُ لَنا إِذَا حَزَبَتِ الأُمُورُ، وَالمَلجَأُ إِذَا مَسَّ اللُّغُوبُ، إِنَّهَا طُمَأنِينَةُ قُلُوبِنا وَشَرحُ صُدُورِنا،كَانَ نَبِيُّنا صلى الله عليه وسلم إِذَا حَزَبَهُ أَمرٌ صَلَّى، وَكَانَ يَقُولُ: (يَا بِلالُ، أَرِحْنا بها).

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: الصَّلاةُ لم يُرَخَّصْ في تَركِهَا لا في مَرَضٍ ولا في خَوفٍ، ولا في شَدِيدٍ مِنَ المَوَاقِفِ أو حَالِكٍ مِنَ الظُّرُوفِ، بَل أُمِرَ بِالمُحَافَظَةِ عَلَيهَا حَتى في حَالاتِ القِتَالِ وَتَرَاصِّ الصَّفِّ، وَأُكِّدَ عَلَيهَا حتى في أَوقَاتِ المَرَضِ وَلَحَظَاتِ الضَّعفِ، قَالَ سُبحَانَهُ: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ  فَإنْ خِفتُم فَرِجَالاً أَو رُكبَانًا فَإِذَا أَمِنتُم فَاذكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَا لم تَكُونُوا تَعلَمُونَ)، وَعَن عِمرَانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كَانَت بي بَوَاسِيرُ فَسَأَلتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلاةِ فَقَالَ: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لم تَستَطِعْ فَقَاعِداً، فَإِنْ لم تَستَطِعْ فَعَلَى جَنبٍ). اللهُ أَكبَرُ! يُصَلِّي المُسلِمُونَ رِجَالاً أَو رُكبَانًا، مُستَقبِلِي القِبلَةِ أَو غَيرَ مُستَقبِلِيهَا، وَالمَرِيضُ يُصَلِّي قَائِماً، فَإِنْ لم يَستَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لم يَستَطِعْ فَعَلَى جَنبِهِ. فعلى أيّ حالٍ لا بدّ أن يصليَ المسلم، حتى وإن عجز عن طهارةٍ أو ستر عورة أو غير ذلك صلّى على أيّ حال، وحتى وإن تعذرت الصلاة بركوعها وسجودها يصليها إيماء برأسه أو تحريكا بعينه أو بأصبعه، فإن لم يستطع فبقلبه، وإن تعذر الوضوء أو الغسل لفقدان الماء أو المرض شرع التيمم، وهذا كله حتى لا يترك المسلم صلاته لعظم قدرها عند الله عز وجل.

فَمَاذَا بَقِيَ بَعدُ يا عباد الله؟ لم يَبقَ إِلاَّ التَّشَاغُلُ عَنِ الصَّلاةِ وَالسَّهوُ عَنهَا، وَأَصحَابُ ذَلِكَ هُم المُتَوَعَّدُونَ بِقَولِ اللهِ جَلَّ وَعَلا: (فَوِيلٌ لِلمُصَلِّينَ  الَّذِينَ هُم عَن صَلاتِهِم سَاهُونَ)، لم يَبقَ إِلاَّ التَّكَاسُلُ وَقِلَّةُ الذِّكرِ وَنُدرَةُ الفِكرِ، وَتِلكَ مِن صِفَاتِ المُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَالَ فِيهِم سُبحَانَهُ: (إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُم وَإِذَا قَامُوا إِلى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً)، لم يَبقَ إِلاَّ تَركُ الصَّلاةِ وَإِضَاعَتُهَا، وَتِلكَ هِيَ مُصِيبَةُ أَهلِ النَّارِ وَقَاصِمَةُ ظُهُورِهِم؛ فَإِنَّهُم حِينَ يُسأَلُونَ: (مَا سَلَكَكُم في سَقَرَ  قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلّينَ)، (وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركَعُوا لاَ يَركَعُونَ  وَيلٌ يَومَئِذٍ للمُكَذِّبِينَ)، (فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا).وقال صلى الله عليه وسلم،متوعداً ومحذراً من ترك الصلاة: (أُوُلّ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ الْمَرْءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْصَّلاةُ، فَإِنِ صَلَحَتْ صَلَحَ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ)، وَقَالَ أَيْضاً : (الْعَهْدُ الَّذِيْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الْصَّلاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ)، وَقَالَ : (مَنْ تَرَكَ الَصَّلاةَ مُتَعَمِّداً فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ الْلَّهِ)، وَقَالَ عَلَيْهِ الْصَّلاةُ وَالْسَّلامُ : (لَيْسَ بَيْنَ الْرَّجُلِ وَالْكُفْرِ أَوْ الْشِّرْكِ إِلا تُرِكَ الصَّلاةَ).

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ عباد الله وَحَافِظُوا عَلَى الصَّلاةِ، وَاعرِفُوا قَدرَهَا وَلا تُضِيعُوهَا، فَإِنَّ مَن ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضيَعُ. وربوا أولادكم وبناتكم على طاعة الله وعلى الصلاة منذ الصغر، فإن في ذلك الخير لكم ولهم في الدنيا والآخرة. (وكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته)

نسأل الله تعالى أن يجعلَنا  وإيّاكم من المحافظين على الصلاة والمعتنِين بها والملازِمين لها، ربنا اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا، ربنا وتقبل دعاء.

اللهم اجعلنا من المفلحين الذين هم في صلاتهم خاشعون، واجعلنا من المخلصين المقبولين الذين أحسنوا صلاتهم فنهتهم عن الفحشاء والمنكر، اللهم أذقنا لذة المناجاة وحلاوة الإيمان، واشرح صدورنا لطاعتك، ونور بصائرنا بالإيمان والقرآن، يا ذا الجلال والإكرام… الْلَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِيْ بِهَا قُلُوْبَنَا ، وَتَجْمَعُ بِهَا شَمْلَنَا ، وَتَلُمُّ بِهَا شَعَثَنَا، وَتُرَدُّ بِهَا أُلْفَتِنَا، وَتُصْلِحَ بِهَا دِيْنَنَا  وَتَحْفَظُ بِهَا غَائِبَنَا، وَتَرْفَعُ بِهَا شَاهِدَنَا وَتُزَكِّيَ بِهَا عَمَلَنَا وَتُبَيِّض بِهَا وُجُوْهَنَا وَتُلْهِمُنَا بِهَا رُشْدَنَا وَتَعْصِمَنَا بِهَا مِنْ كُلِّ سُوَءٍ،اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنُا مُطْمَئِنّا،سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِر بِلاد الْمُسْلِمِيْنَ، الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أُمُوْرِنَا مَلِكِنَا حمد بن عيسى وَرَئِيْسَ وُزَرَاءه خليفة بن سلمان وَوَلِيَّ عَهْدِهِ سلمان بن حمد لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَارَبْ الْعَالَمِيْنَ. الْلَّهُمَّ كُنْ لإخْوَانِنَا الْمُسْتَضْعَفِيْنَ فِيْ كُلِّ مَكَانٍ، الْلَّهُمَّ كُنْ لَهُمْ نَاصِرَاً وَمُؤَيِّدَاً، الْلَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّهُمْ وَنَفِّسْ كَرْبَهُم،وَأَصْلَحَ أَحْوَالِهِمْ،وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوْبِهِمْ،وَلا تَجْعَلْ لْعَدُوِّ ولا طاغية عَلَيْهِمْ سَبِيْلا..

اللهم أنقذ المسجد الأقصى من عدوان المعتدين ومن احتلال الغاصبين، اللهم اجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين. الْلَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِيْنَنَا الَّذِيْ هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلَحَ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِيْ فِيْهَا مَعَاشُنَا،وَأَصْلَحَ لَنَا آَخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا،وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةَ لَنَا فِيْ كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْت رَاحَةُ لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.. .(رَبَّنَا آَتِنَا فِيْ الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِيْ الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ الْنَّارِ.) الْلَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ،وَالمِسَلِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأمْوَاتِ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ.الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ، عِبَادَ الْلَّهِ :إِنَّ الْلَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِيْ الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ،فَاذْكُرُوْا الْلَّهَ الْعَلِيَّ الْجَلِيْلِ يَذْكُرْكُمْ،وَاشْكُرُوهُ عَلَىَ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ الْلَّهِ أَكْبَرُ وَالْلَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُوْنَ ويغفر الله لي ولكم.

          خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان-  مملكة البحرين