الجمعة 1 جمادى الأولى 1441 هـ

الموافق 27 ديسمبر 2019 م

 

الحمد لله مجيب الدعاء، جزيل العطاء، نحمده سبحانه على الهدى، ونشكره على النعماء، ونسأله للجميع اللطف في القضاء، والعافية من البلاء. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، إمام المرسلين، وخاتم النبيين، وخيرة الله من خلقه أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأئمة المهديين، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فيا عباد، الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)

معاشر المسلمين: إن في تقلب الدهر عجائب، وفي تغير الأحوال مواعظ، توالت العقبات، وتكاثرت النكبات، وطغت الماديات على كثير من الخلق، فتنكروا لربهم، ووهنت صلتهم به، اعتمدوا على الأسباب المادية البحتة، فسادت موجات القلق والاضطراب، والضعف والهوان، وعم الهلع والخوف من المستقبل، وخافوا على المستقبل، تخلوا عن ربهم فتخلى الله عنهم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).

جميعُ الخلق مفتقرون إلى الله، في كل شؤونِهم وأحوالِهم، وفي كلِ كبيرةٍ وصغيره، وفي هذا العصر تعلقَ الناسُ بالناسِ، وشكا الناسُ إلى الناس، ولا بأس أن يُستعان بالناس في ما يقدرون عليه، لكن أن يكونَ المُعتمَدُ عليهم، والسؤال إليهم، والتعلقُ بهم، فهذا والله هو الهلاكُ بعينه، فإن من تعلق بشيٍء وكلَ إليه…. نعتمدُ على أنفسِنا وذكائِنا بكل غرورٍ وعجب وصلف، أما أن نسأل اللهَ العونَ والتوفيق، ونلحَ عليه بالدعاء، ونحرِص على دوام الصلة باللهِ في كلِ الأشياء، وفي الشدةِ والرخاء، فهذا آخرُ ما يفكرُ به بعض الناس، إلا من رحم الله.

عباد الله: إن الفرار إلى الله تعالى، واللجوء إليه في كلِ حالٍ وفي كل كربٍ وهمَ، هو السبيلُ للتخلص من ضعفنا وفتورنا وذلنا و هواننا… إن في هذه الدنيا مصائبَ ورزايا، ومحناً وبلايا، آلامُ تضيقُ بها النفوس، ومزعجاتٌ تورث الخوفَ والجزع، كم في الدنيا من عينٍ باكيةٍ ؟ وكم فيها من قلب حزين؟ وكم فيها ممن تسلط عليهم الأعداء من الطغاة والمجرمين؟ بسبب هويتهم ودينهم، فساموهم سوء العذاب سجناً وتعذيباً وتقتيلاً وتشريداً وتهجيراً؟ وكم فيها من الضعفاءِ والمنكوبين والمعدمين، قلوبُهم تشتعل، ودموعُهم تسيل ؟ هذا يشكُو ظلماً وطغياناً وحرماناً ؟ وآخر يشكو  علةً وسقماً، وذاك حاجةً وعملاً وفقراً، وآخر هماً وقلقاً، عزيزٌ قد ذل، وغنيٌ قد افتقر، وصحيحٌ قد مرض، رجلٌ أو امرأةُ يتبرم من زوجه وولده، وآخرُ يشكُو ويئنُ من ظلمِ مسئوله، وثالثٌ كسدت وبارت تجارته، شابٌ يبحثُ عن عروس، وفتاة ترغب في زوج صالح، وطالبٌ يشكو كثرة الامتحانات والدروس، هذا مسحورٌ وذاك مدين، وآخرُ ابتليَ بالإدمان بشرب الخمور وتعاطي المخدرات، وذاك أصابه الخوفُ ووسوسةُ الشياطين…

تلك هي الدنيا يا عباد الله،  تضحكُ وتبكي، وتجمعُ وتشتت، شدةُ ورخاءُ، وسراءٌ وضراءُ. وصدق الله العظيم حيث يقول : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ).

أيها الأخوة والأخوات في الله: السؤال الذي يجب أن يطرح هنا، هؤلاء إلى من  يشكون، و أيديَهم إلى من يمدون؟ يجيبك واقعُ الحال على بشرٍ مثلُهم يترددون، وللعبيدِ يتملقون، يسألون ويلحون، وفي المديح والثناء يتقلبون، وربما على السحرة والكهنة والمشعوذين يتهافتون، نعم والله تألمنا شكاوى المستضعفين، وزفراتُ المساكين، وصرخاتُ المنكوبين، وتدمعُ أعُينَنا – يعلم الله- أهات المتوجعين، وأناتُ المظلومين، وانكسارُ الملذوعين، لكن أليس إلى اللهِ وحدَه المشتكى؟ أين الإيمان بالله ؟ أين التوكلُ على الله ؟ أين الثقةُ و اليقينُ بالله تبارك وتعالى؟ يا أصحابَ الحاجات، أيها المرضى، أيها المدينون، أيها العاطلون، أيها المكروبون والمظلومون، أيها المُعسرُون والمهمومون،أيها الفقراء والمحرومون…

يا من يبحث عن السعادة الزوجية، يا من يشكو العقم ويبحث عن الذرية، يا من يريد التوفيق بالدراسة والوظيفة، يا من يهتم لأمر المسلمين،يا من حلت ببلادهم المحن والخطوب والحروب،وتسلط عليهم الطغاة والجبابرة، يا من يرجو الناس لرفع ما به من مصائب وكروب، يا كل محتاج، يا من ضاقت عليه الأرضُ بما رحبت، لماذا لا نشكوُ إلى اللهِ أمرنا وهو القائل:(ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ).  لماذا لا نرفعُ أكفَ الضراعة إلى الله وهو القائل: ( فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ). لماذا ضَعفُ الصلةِ بالله، وقلةُ الاعتمادِ على الله، وهو القائل: ( قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ ). نعم لولا دعاؤكم.

أيها المؤمنون: أيها المسلمون يا أصحابَ الحاجات، ألم نقرأ في القرآنِ قول الحق عز وجل: ( فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ) لماذا ؟ ( لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ). فأين نحن من الشكوى لله، أين نحن من الإلحاح والتضرعِ لله تعالى؟ سبحان الله عباد الله ألسنا بحاجةٍ إلى ربنا؟ أنعتمدُ على قوتنا وحولِنا، والله ثم واللهِ  لا حول لنا ولا قوةَ إلا بالله، و لا ناصر على الأعداء إلا الله،ولا قاصم للطغاة والجبابرة إلا الله، واللهِ لا شفاء من الأمراض والأسقام  إلا بيد الله، ولا كاشفَ للبلوى إلا الله، لا توفيق ولا فلاح ولا سعادةَ ولا نجاح إلا من الله سبحانه وتعالى… العجيبُ والغريب أيها الأخوةُ أن كلَ مسلمٍ يعلمُ ذلك، ويعترفُ بهذا بل ويقسمُ على هذا، فلماذا إذاً تتعلقُ القلوبُ بالضعفاء العاجزين ؟ ولماذا نشكو إلى الناسِ ونلجأَ للمخلوقين أو المقبورين؟ يا من نزلت به نازلة، أو حلت به كارثة.. يا من بليت بمصيبةٍ أو بلاءٍ، ارفع يديك إلى السماء وأكثر الدمعَ والبكاء، وألحَ على اللهِ بالدعاء وقل: (يا سامعاً لكلِ شكوى).

إذا استعنت يا عبد الله فأستعن بالله، وإذا سألت فأسأل الله، وقل يا سامعاً لكل شكوى. توكل على الله وحده، وأعلن بصدقٍ أنك عبده واسجد لله بخشوع، وردد بصوتٍ مسموع: (يا سامعاً لكلِ شكوى)… إن الأنبياء والرسلَ، وهم خيرُ الخلق، وأحبُ الناسِ إلى الله،  نزل بهم البلاء، واشتدَ بهم الكرب، فماذا فعلوا وإلى من لجئوا. أخي الحبيب، أختصرُ لك الإجابة، إنه التضرعُ والدعاء، والافتقارُ لربِ الأرضِ والسماء، إنها الشكايةُ لله وحده وحُسنُ الصلةِ به… فهذا نوحٌ عليه السلام يشكو أمرَه إلى الله ويلجأُ لمولاه: يقول تعالى: (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ، وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ). كانتِ المناداة، وكانتِ المناجاة، فكانتِ الإجابةُ من  الرحمن الرحيم. ويقول تعالى: ( وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ). ويقول عز من قائل: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ، فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ). وهذا أيوبُ عليه السلام، ابتلاهُ اللهُ بالمرضِ ثمانيةَ عشر عاماً حتى أن الناسَ ملوا زيارته لطولِ المدة، فلم يبق معه إلا رجلانِ من إخوانهِ يزورانه، لكنه لم ييئس عليه السلام، بل صبرَ واحتسب، وأثنى الله عليه: ( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)، أواب أي رجاعٌ منيبٌ إلى ربه، ظل على صلتِه بربِه وثقتِه به، ورضِاهُ بما قُسم الله له، توجه إلى ربه بالشكوى ليرفع عنه الضراء والبلوى، قال تعالى:(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). فماذا كانتَ النتيجة ؟ قال الحقُ عز وجل ، العليمُ البصيرُ بعباده، الرحمنُ الرحيم قالَ: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)… وهذا يونسُ عليه السلام، رفع الشكاية لله فلم ينادِ ولم يناجِ إلا الله، قال تعالى: ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ (أي لن نضيق عليه) فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ). فماذا كانتَ النتيجة ؟  (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ). وزكريا عليه السلام قال الحق عز وجل عنه: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ). ماذا كانت النتيجة؟ فليسمع الذين يشكون العقم وقلة الولد، (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ). إذاً لماذا استجاب الله دعاءهم؟ لأنهم كانوا يسارعون في الخيرات، وكانوا لا يملون الدعاء، بل كان القلب متصل متعلق بالله، لذلك قال الله عنهم: (وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ). خاشعين متذللين، معترفين بالتقصير، فالشكاية تخرج من القلب قبل اللسان… ويعقوبُ عليه السلام قال: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)، انظروا لليقين، انظروا للمعرفة برب العالمين: (وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)، فاستجاب اللهُ دعائَه وشكواه وردَ عليه يوسفَ وأخاه… وهذا يوسف عليه السلام ابتلاه الله بكيد النساء، فلجأ إلى الله تعالى، وشكى إليه ودعاه فقال: ( وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)، إنه التضرع والدعاء، والافتقار لرب الأرض والسماء، إنها الشكاية لله، وحسن الصلة بالله. (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

وأخبر الله تعالى عن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه فقال تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ). استغاثة ولجأٌ إلى الله، شكوى وصلة بالله سبحانه وتعالى.

وهكذا أيها الإخوة الأحبةِ حينما نستعرضُ حياةَ الرسلِ جميعاً، كما قصها علينا القرآن الكريم، نرى أن الابتلاء والامتحان كان مادتُها وماُئها، وأن الصبرَ وحسن الصلةِ بالله ودوام الالتجاءِ وكثرة الدعاءِ وحلاوة الشكوى كان قوَامُها.. إنها آياتُ بينات وبراهينُ واضحات، تقول بل وتعلن أن من توكلَ واعتمد على الله، وأحسن الصلة بمولاه وترك ما حرم الله، استجاب الله دعاه، وحفظه ورعاه، فإن لم يكن ذلك في الدنيا كان في الآخرة: (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ)… فعليكم عباد الله بالتضرع والدعاء فإنّه السلاح الذي لا يُهزَم، والسهام التي لا تخطي، (ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ،وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا، وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مّنَ ٱلْمُحْسِنِين).. اللهم يا سامعاً لكل شكوى، ويا عالماً بكل نجوى، يا كاشف كربتنا، ويا سامع دعوتنا، ويا راحم عبرتنا، ويا مقيل عثرتنا. يا رب البيت العتيق، أكشف عنا وعن المسلمين كل بلاء وشدة وضيق، واكفنا والمسلمين ما نطيق وما لا نطيق، اللهم فرج عنا وعن المسلمين كل هم وغم، وأخرجنا والمسلمين من كل حزن وكرب، برحمتك يا أرحم الراحمين.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه،والشكر له على توفيقه وامتنانه،ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه سبحانه،ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى سبيل الله ورضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه،وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون : لقد امتلأت كتبُ الحديث النبوي الشريف، بأنواعٍ من الدعاءِ الصحيح، تجعلُ المسلمَ على صلةٍ بربه، وفي حرزٍ من عدوه، يُقضى أمره ويُكفى همه.

في كلِ مناسبةٍ دعاء، في اليقظةِ والمنام، والحركة والسكون، قياماً وقعوداً، وعلى الجنوب، ابتهالٌ وتضرعٌ في كل ما أهم العبد، وهل إلى غيرِ الله مفر، أم هل إلى غيره ملاذ.

ففي المرض مثلاً،  عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا اشتكى (مرضاً) يقرأ على نفسه المعوذات، وينفث، فلما أشتد وجعه كنت اقرأ عليه، وأمسح عليه رجاء بركتها. وتقول رضي لله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه ثم قال: (اللَّهُمَّ ربَّ النَّاسِ، أَذْهِب الْبَأسَ، واشْفِ أَنْتَ الشَّافي لا شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ، شِفاءً لا يُغَادِرُ سقَماً)  أي لا يترك مرضاً… وفي قضاء الدين، قال صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه، ممن كان يشكوا كثرة الديون والهموم والغموم، (قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي، وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي) ومن الأدعية المأثورة عند الهم والقلق والحزن، يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ: أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي. إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجاً) فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: (بَلَىٰ. يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا)..

ومن الأدعية المأثورة عند النوازل والفتن والخوف، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم  كان إذا خاف قوماً وعدواً قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم… ومن الأدعية في المصيبة والكرب والشدة والضيق،فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب وإذا حزبه أمر: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ، وَرَبُّ الْأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: دعوات المكروب، اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت.. وقال: دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط، إلا استجاب الله له… وعن أُمَّ سَلَمَةَ زَوْج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  يَقُولُ : (مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْراً مِنْهَا، إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ، وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْراً مِنْهَا ، قَالَتْ : فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْراً مِنْهُ، رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذاً فالاسترجاع ملجأ وملاذ لذوي المصائب والكروب والابتلاءات.

اللهم إنا نسألك إيماناً ثابتاً، ويقيناً صادقاً حتى نعلم أنه لن يصيبنا إلا ما كتبت لنا، اللهم لا نهلك وأنت رجائنا، احرسنا بعينك التي لا تنام، وبركنك الذي لا يرام.

اللهم اكشف عنا كل غمة وكربة،واعصمنا من مضلات الفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن، وجنبنا المهالك والمصائب والشرور، واحفظنا وبلادنا من كل سوء ومكروه، اللهم يا ولي كل مؤمن ومؤمنة، اقض لنا الحاجات، واقبل التوبات، وفرج الكربات، واستجب الدعوات، وارفع الدرجات، واقل العثرات، وأغث اللهفات، واستر الخطيئات، وتجاوز عن السيئات، سبحانك لا نرجو غيرك ولا نلوذ بأحد سواك.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين،  الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أُمُوْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، الْلَّهُمَّ وفق مَلِكِنَا حَمِدَ بْنَ عِيْسَىْ، وَرَئِيْسَ وُزَرَائِهِ خليفة بن سلمان، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ سلمان بن حمد،  الْلَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، وَخُذْ بِنَوَاصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ، وَسَدِّدْ عَلَىَ طَرِيْقِ الْخَيْرِ خُطَاهُمْ، وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَارَبْ الْعَالَمِيْنَ..

اللهم انصر عبادك المظلومين في كل مكان، اللهم كن معهم ناصراً ومؤيداً، اللهم كن للأقليات المسلمة المضطهدة المنسية في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عنهم، اللهم احقن دماءهم، وأحفظ أعراضهم، وأطفالهم ونساءهم ورجالهم وشيوخهم، ولا تسلط عليهم من لا يخافك ولا يرحمهم..

اللهم أنقذ المسجد الأقصى من عدوان المعتدين، ومن احتلال الغاصبين، اللهم اجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين.

اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين… اللهم نور على أهل القبور من المسلمين قبورهم، واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم.

اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وإيتآء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.

       خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين