الجمعة 23 ربيع الآخر 1441هـ

الموافق 20 ديسمبر 2019 م

الحمد لله الذي خلق كلَّ شيء فقدره تقديراً؛ وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أنْ يذّكر أو أراد شكوراً؛ ونشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً؛ ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله أرسله ربه إلى العالمين بشيراً ونذيراً؛ وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً..

أما بعد فأُوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، اتقوا الله رحمكم الله؛ فربُّكم يزيدُ من شكرَه، ويذكُرُ من ذكرَه، ولا يَخيبُ من قصدَه، يجزِي بالإحسانِ إحساناً، وبالسيِّئات عفواً وغُفراناً، أصلِحوا ما مضَى بالنَّدم، وأصلِحوا ما حضرَ بحُسن العمل، وأصلِحوا ما أمامَكم بصادقِ الرَّجاء وعظيم الأمل.

(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)

معاشر المسلمين: أن ربَّكم الذي لا إله إلا هو ولا ربَّ سِواه، له الحكمةُ البالِغةُ، والقدرةُ النافذةُ، يقلِّبُ الليلَ والنهارَ، ويولجُ الليلَ في النهارِ، ويولجُ النهارَ في الليلِ: ﴿وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ) ومن بديعِ حكمتِه الباهرةِ، وعظيمِ مِنَّةِ اللهِ تعالى على عبادِهِ، ورحمتِه بهِم، أن نوَّعَ لهم الفصولَ في العامِ الواحدِ، بين صَيْفٍ وشتاءٍ، وبين ربيعٍ وخريفٍ، لِتَتِمَّ بذلك مصالحُهُم، ويستقِيمَ معاشُهم، ويُستِويَ أمرُهُم، فالحمدُ للهِ الذي لا إله إلا هو، على بِرِّه وإِحسانِه، ولُطْفِه ورحمتِهِ وحكمتِهِ وامتنانِهِ.

أيها المؤمنون: لقد أظلَّكُم فصْلُ الشتاءِ، وهو فَصْلٌ كانَ يَكتُبُ فيه الفاروق عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه لعُمَّالِه: (إنَّ الشِّتاءَ قد حضَرَ، فتأهَّبُوا له أُهْبَتَه، من الصُّوفِ والخِفافِ والجَوارِبِ، واتَّخِذُوا الصوفَ شِعاراً ودِثاراً)  وذلك من تمام نصيحته وحسن نظره وشفقته وحياطته لرعيته رضي الله عنه..

أيها المسلمون: إنَّ من نعمةِ اللهِ عَلَيْنا بتنويعِ الفصولِ أن يحصلَ بذلك تَذَكُّرُ جَهنمَ، فإن شِدَّةَ الحرِّ وشِدَّةَ البردِ يُذكِّرانِ الناسَ بما في جهنمَ، من الحرِّ والزَّمْهريرِ أي شدة البرد، ففي الصحيحين يقول رسولِ اللهِ  صلى الله عليه وسلم: (اشْتَكَتِ النَّارُ إلى رَبِّهَا فَقالَتْ: رَبِّ أكَلَ بَعْضِي بَعْضاً، فأذِنَ لَهَا بنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ في الشِّتَاءِ، ونَفَسٍ في الصَّيْفِ، فَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ بَرْدٍ، أَوْ زَمْهَرِيرٍ( أي شدة البرد) فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ، وَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ حَرٍّ، فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ) فتذكر يا عبد الله عذاب ربك وشدته فإن ذلك يوقظ قلبك ويقصر أملك.

عباد الله: لقد كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم يفرحون بدخول الشتاء؛ إذ يجدونه مُعيناً لهم على طاعة ربهم؛ إذ إن فيه من المزايا ما ليس في غيره. فمن ذلك طول ليله بحيث ينامون فيه بُغْيتهم، ثم يقومون لمناجاة ربهم وتهجدهم، قد اطمأنت نفوسهم، وأخذت مقدارها من النوم، مع بقاء وقت كاف للتهجد والقيام ومناجاة الحي القيوم.. ومن مزايا هذا الموسم قصر نهاره وبرودته، مما يعين على صيامه، يقول صلى الله عليه وسلم: (الشِّتاءُ ربيعُ المُؤمن، طالَ ليلُه فقامَه، وقصُرَ نهارُه فصامَه) ويقول: (الغنيمةُ البارِدةُ الصومُ في الشِّتاء) فالمتعبدون لله، يستفيدون من قصر النهار، فيصومونه لقلة ساعاته وعدم حاجة الجسم إلى الطعام والشراب، أما ليل الشتاء؛ فلطوله كان فرصة ثمينة للقيام والتهجد والدعاء والاستغفار؛ حيث يتسنى للبدن أن يأخذ حظه الوافي من النوم، ثم يقوم بعد ذلك إلى الصلاة فيناجي ربه، ويدعوه سبحانه وتعالى.

أيها المسلمون: إنَّنا نعِيشُ هذا الفصْلَ، ويَعيشُ معنا إخوانٌ لنا، ضاقت عَلَيهِم أرزاقُهم، وقَصُرَت بهم النَّفَقةُ، وهم بأمسِّ الحاجةِ إلى العوْنِ والمساعدةِ في إِقبالِ الشِّتاءِ، فقَدِّموا لأَنفُسِكم، وَتَفَقَّدُوا إخوانَكم المحتاجين، وابدؤُوا بأقارِبِكم، وذوي أرحامِكُم، ثم جِيرانِكم، وأهلِ بلدِكُم، ثم الأقربِ منكُم فالأقربِ، ولا يحقِرَنْ أحدُكم من المعرُوفِ شيئاً، فقد قال النبيُّ  صلى الله عليه وسلم : ( اتقِ النَّارَ، ولو بِشِقِّ تمرة)

ومن أولئك الفقراء المحتاجين كثير من العمال الذين يعملون لدينا ويعيشون قريباً منا من أصحاب الرواتب الزهيدة، فلا يدري أحدهم هل ينفق راتبه على نفسه أم يبعث به إلى أسرته. تَفَقَّدُوا هَؤُلَاءِ رحمكم الله وَأَغِيثُوهُمْ وَأَعِينُوهُمْ؛ (فَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ)

أيها المؤمنون: ولما كان فصل الشتاء معروفاً بشدة البرد وهبوب الرياح القارسة في غالب وقته، وموسماً لنزول الأمطار وانخفاض درجات الحرارة، مع حاجة الناس للألبسة الثقيلة، ولا يخفى ما يجدونه من مشقة في مثل هذه الظروف والأحوال؛ فقد شرع من الأحكام ما يتناسب وهذه المشاق. وهذه عباد الله جملة من الأحكام والآداب المتعلقة بالشتاء، فمنها: التيمم، فمن أراد الوضوء أو الغسل ولم يجد الماء، أو وجده ولكنه شديد البرودة – مع مراعاة عدم التساهل في تهيئة ما يسخن به الماء – أو كان البرد قارساً وخاف على نفسه الهلاك أو ضرراً في جسده إن هو استعمل الماء: شرع له التيمم؛  يقول الله تعالى: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّاً غَفُوراً) وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لأحدى الغزوات، قَالَ: فَاحْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلَكَ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي صَلَاةَ الصُّبْحِ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ  ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: (يَا عَمْرُو: صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟) قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلَكَ، وَذَكَرْتُ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً) فأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على فعله، ولم يعنفه.

أيها الأخوة والأخوات في الله: ومن الأحكام التي فيها تخفيف من الله تعالى على عباده، ورحمته عز وجل بهم، ويحتاجها المسلم والمسلمة وخاصة في هذا الفصل: أن شرع سبحانه لهم المسح على الخفين والجوربين بدلا من غسل الرجلين إذا كانتا مستورتين بخف أو جورب ونحوهما وذلك بشرط أن يكونا قد لبسا على طهارة، وأن يكون المسح عليها في حدث أصغر، لا في الجنابة ولا في ما يوجب الغسل، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فتوضأ، فأهويت لأنزع خفيه فقال: دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين) فمسح عليهما، فيجوز المسح عليها للمقيم يوماً وليلة- أي أربعاً وعشرين ساعة- وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن- أي اثنتان وسبعون ساعة – فعن شريح بن هانئ رضي الله عنه قال: أتيت عائشة رضي الله عنها أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بعلي ابن أبي طالب، فسله فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه فقال: (جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم)، إلا إذا أصابته جنابة فيلزمه خلعهما وغسل القدمين مع سائر الجسد؛ لما رواه صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم) وتبدأ مدة المسح من أول حدث بعد اللبس على طهارة، عند أكثر العلماء. وكيفية المسح: أن يبل المتوضئ يديه بالماء ثم يمرهما على ظاهر قدميه فقط، اليد اليمنى على القدم اليمنى واليسرى على اليسرى مرة واحدة عند كل وضوء من أطراف أصابع القدمين إلى بداية الساق) يقول الإمام علي رضي الله عنه : (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه) وكذا يشرع المسح على الجوربين؛ لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (توضأ ومسح على الجوربين…) والجورب: ما يلبس في الرجل لدفع البرد ونحوه، ويجب أن يكون الجوربان سميكين ساترين لمحل غسل الفرض من القدمين ليصح المسح عليهما.

عباد الله: ولما كان الشتاء موسماً لنزول الأمطار وهي نعمة الله عز وجل، وخير للبلاد والعباد، تستحق منا الشكر، ووقت نزول المطر هو من أوقات الاستجابة للدعاء، ومما ورد من الأذكار والأدعية عند نزول المطر أن يقول المسلم: (مطرنا بفضل الله ورحمته)، وكذلك أن يقول: (اللهم اجعله صيباً نافعاً) وإذا كثر المطر يقول: (اللهم حوالينا ولا علينا) وغير ذلك من الأدعية والسنن… ومما يباح فعله عند نزول الأمطار الجمع بين الصلاتين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في وقت إحداهما، خاصة إذا تبللت الثياب وحصل معها المشقة والحرج، كما ذهب إلى ذلك كثير من العلماء، وهذه الرخصة لمن يصلي جماعة في مسجد يتأذى في طريقه إليه، على تفصيل عند أهل العلم في مسائل الجمع في المطر وغيره، فقد جاء في الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء  بالمدينة في غير خوف ولا مطر. قيل لابن عباس : ما أراد إلى ذلك ؟ قال : أراد أن لا يحرج أمته). وروي (أن أهل المدينة كانوا يجمعون في الليلة المطيرة بين المغرب والعشاء، ويجمع معهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لا يعيب عليهم ذلك). فالجمع بين الصلاتين لأجل المطر رخصة من الله عز وجل والله يحب أن تؤتى رخصه، ولكن لا ينبغي التساهل في هذا الجمع،  بل يكون الجمع مقيّداً بالمسوغ الشرعي للجمع من مطر أو وحل شديد أو ريح شديدة باردة ونحوه من الأعذار التي ذكرها أهل العلم.

عباد الله: ويشرع للمؤذن أن يقول عند شدة المطر أو الريح أو البرد: (صلوا في رحالكم) أي: منازلكم؛ لما رواه نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه نادى بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ومطر، فقال في اخر ندائه: ألا صلوا في رحالكم، ألا صلوا في رحالكم ، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في السفر أن يقول: (ألا صلوا في رحالكم) نسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، ويعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا إنه سميع الدعاء.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: في فصل الشتاء والبرد يكثر خروج الناس للبرِّ في رحلات خلوية، للاستجمام والراحة والمبيت، وكل ذلك محبب للنفس، وفيه ترويح ومتعة، وفيه إنعاش وتحريك وكسر لرتابة الحياة اليومية، وتخلُّص من ضجيج المدن وزحامها، وفيه ابتعاد عن الهموم والمشاغل، وفيه استمتاع بالهواء العليل والجو الصافي، وفيه اتعاظ واعتبار بالسماء الصافية، والنجوم المضيئة، والجبال الراسية، والأرض المبسوطة، والشمس المشرقة، والقمر المنير..

أيها الأخوة والأخوات في الله: وللخروج للبر والنزهة آداب وأحكام ينبغي للناس أن يراعوها ويأخذوا بها؛ لتكون رحلاتهم عبادة لربِّهم جل وعلا قال  تعالى (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ومن هذه الآداب ما يأتي: ذكر الدعاء في المكان الذي تخيم فيه، يقول صلَّى الله عليه وسلَّم: (مَن نَزَلَ مَنْزِلًا، ثُمَّ قالَ: أَعُوذُ بكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِن شَرِّ ما خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شيءٌ، حتَّى يَرْتَحِلَ مِن مَنْزِلِهِ ذلكَ) ومنها: الحرص على أداء الصلوات ورفع الأذان  في وقته، ومن وجبت عليه الجمعة وأدركها وهو في البر، فينبغي أن يحرص على  إقامتها في أقرب جامع من مكان التخييم.. كما ينبغي للمتنزهين أن يبتعدوا عن السهر الذي يضرهم، ويمنعهم من الاستيقاظ لأداء صلاة الفجر في وقتها.. ومن الآداب إطفاء النار عند النوم، يقول صلَّى الله عليه وسلَّم: (إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ)

عباد الله: ومن الآداب: عدم ترك الفضلات في المكان الذي يجلس فيه المتنزه؛ لأن هذا المكان مشترك لك ولغيرك، فاحذر من توسيخه وتقذيره؛ لأنك تسيء إلى نفسك وتضر غيرك،  ويدخل في ذلك رمي مخلفات الورق والمناديل والقوارير وغيرها، ولعل أنسب شيء وضعها في المكان المخصص لها، قبل أن يرتحل المتنزه من مكانه.. ومن الآداب التي ينبغي مراعاتها عدم إيذاء الناس، ومزاحمتهم، وخصوصاً ما يقع من بعض الشباب هداهم الله من إزعاج وإسراع ومسابقات بالسيارات والدراجات النارية وإيذاء للناس وتعريضهم للخطر في حلهم وترحالهم.. ومن الآداب إعطاء الجيران حقوقهم، فقد يكون بجوارك أناس خرجوا لمثل ما خرجت له، فاحرص على عدم إزعاجهم، وإن كان لهم حاجة من خدمة فقدمها لهم، وإن كان معك فضل طعام فأعطهم، ففي ذلك تآلف وتعاون وتراحم، وتكاتف وتحقيق لوصية حبيبنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم حيث أوصى عند طبخ اللحم من إكثار المرق، وإعطاء الجيران منه. كما ينبغي الحرص على الصحبة الطيبة التي تُعِين على الخير وتدل عليه وتشجِّع عليه، وتبعد المسلم عن الشر وأهله، ولعل من أعظم البلايا ضياع الوقت في الغيبة والنميمة، والسخرية والاستهزاء، واللهو المحرم، وذلك فعل كثير من الناس في البلد وفي البر عافانا الله وإياكم من هذا البلاء، وجعلنا وإياكم مباركين أينما كنَّا، ورزقنا وإياكم كثرة الاستغفار في الليل والنهار.

اللهم ارزقنا الفقه في الدين، وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وارزقنا العمل بما علمنا، إنك على كل شيء قدير..  اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في وطننا، ووفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.. اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء.

اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوالهم واحقن دمائهم، وولي عليهم خيارهم، ولا تسلط عليهم من لا يخافك ولا يرحمهم يا ذا الجلال والإكرام. اللهم أحفظ فلسطين والأقصى المبارك، وأهلهما من كيد الصهاينة المعتدين، اللهم كن معهم وثبتهم وانصرهم على من عاداهم، اللهم ارزقنا صلاة طيبة في المسجد الأقصى قبل الممات يارب العلمين. اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، واجعل الموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ..

اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين… اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: (إِنَّ الْلَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِيْ الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ، فَاذْكُرُوْا الْلَّهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيْم الْجَلِيْلِ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَىَ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ الْلَّهِ أَكْبَرُ، وَالْلَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُوْنَ وَيَغْفِرْ الْلَّهَ لِيَ وَلَكُمْ.

     خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين