الجمعة 18 ربيع الأول 1441 هـ

الموافق 15 نوفمبر 2019 م

الحمد لله الذي لا يُحيط بحمده حامد، ولا يُحصِي نعماءه مُحصٍ، ولا يُحيط بها راصِد، أنعمَ على خلقه فجعلهم ما بين مولودٍ ووالد، وهو الغني بذاته، فلم يتخذ صاحبةً ولا ولداً ولم يكن له فيما مضى والد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن ونبينا محمداً عبده ورسوله، أكرمُ نبيٌّ وأكرمُ عابد، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فاتّقوا الله رحِمكم الله، فاللّبيب من تفكّر في مآله، والحازمُ من تزوّد لارتِحاله، والعاقلُ من جدّ في أعمالِه، نظر في المصِير، وجانَب التّقصير، ترك الحُطام، واجتنَب الحرام، فخُذوا بالأحزم مِن أموركم رحمكم الله، فأمامَكم يومٌ لا ينفع فيه النّدم، ولا يُفيد فيه الأسَف إذا زلّت القدم، يوم تُبعثون، يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)

معاشر المسلمين: الأطفال هم زهرة الحياة الدنيا وزينتها، وهم بهجة النفوس وقُرَّة الأعين، وهم شباب الغد ورجال المستقبل. الطفولة عباد الله كهفٌ يأوي إليه الكبارُ فيغسِلوا همومهم في براءة أطفالهم، ويجتلوا جمال الحياة في بَسَمات صبيانهم، أفصحُ تعبيرٍ يستمطِر الحنان تأتأةُ طفل، وأبلغُ نداءٍ يستجيشُ الحب لثغةُ صغير، وصدق الله العظيم: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) وهم نعمٌ بين أيدينا سانِحة، ومِنَنٌ غاديةٌ علينا ورائِحة، ولقد جاءت شريعة الله راعيةً للطفولة حقَّها، مُحيطةً بحقوق الطفل المعنوية والحِسِّيَّة، من حين كونه جنيناً إلى أن يبلغ مبلغ الرجال. وبرزت العناية بالجانب النفسي والمعنوي بالطفل في سيرة نبينا محمد  صلى الله عليه وسلم  وتوجيهاته؛ فقد كان يُمازِح الصبيان، ويُؤاكِل الأيتام، ويمسح على رؤوسهم، وقال: (أنا وكافلُ اليتيمِ في الجنَّةِ كهاتينِ وجمَع بينَ السَّبَّابةِ والوسطى) وقال: (مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا ، دَخَلْتُ أَنَا وَهُوَ الْجَنَّةَ كَهَاتَيْنِ وَأَشَارَ بِأَصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالَّتِي تَلِيهَا) وقال: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا..) وأمر بكفِّ الصبيان عن اللعب في جنح الليل حين انتشار الشياطين، واستعجَل في صلاته حين سمِع بكاء طفل، بل وسِعَت شريعته  صلى الله عليه وسلم – حتى أولاد البهائم؛ فأمَر من أخذ فراخَ طائرٍ أن يرُدَّها، وقال: (من فجِعَ هذه بولدها)، كما ورد النهي عن التفريق بين الشاة وولدها. حتى إنه صلى الله عليه وسلم  حفِظ حق الجنين وإن كان نطفةً حراماً، فأمر المرأة التي زَنَت أن تذهب حتى تضعَ طفلَها، وأخَّر إقامة الحدِّ عليها، حفظًاً لحق الوليد حين وضَعَتْ ولدَها؛ فأمَرها أن تعود حتى تستكمِل سنتَيْ رضاعته. بل وفي أهم فروض الدين وأشدها تعظيماً كان  عليه الصلاة والسلام يُصلِّي وهو حاملٌ أُمامة ابنة بنته زينب رضي الله عنهما، ويُصلِّي وهو حاملٌ الحسن بن علي ابن ابنته فاطمة رضي الله عنهما وحين سجد  عليه الصلاة والسلام فركِبَ الحسن على ظهره أطال لأجله السجود وحين سُئِل عن ذلك قال:(إن ابني هذا ارتحَلَني فكرهتُ أن أُعجِلَه حتى يقضي حاجتَه فلم تمنعه خشيتُه لربه ولا وقوفه بين يديه من ملاطفة الصغار ومراعاة مشاعرهم.

أيها المسلمون: وهل الطفولة والأطفال في حاجةٍ للتذكير بحقهم، واستثارة المشاعر نحوهم؛ رغم أن الفطرة داعية لذلك، والطبع مُنساقٌ وميَّالٌ كذلك؟! يقال  بكل أسى وأسف: نعم؛ فرغم كثرة ما أنتَجَتْه المدنيَّةُ الحديثة من خيرٍ، إلا أن ثمَّةَ أنماطًاً سلوكية، وظواهر لم تعُد خفيَّة أصبَحنا نتبيَّنُها في مجتمعاتنا، وما كانت فيها من قبل… فتحت ضغوط الحياة اليومية، وكثرة الأمراض النفسية، والجرأة على تعاطي المُؤثِّرات العقلية؛ وُجِد فئةٌ من الآباء والأمهات، غاضَ نبعُ الحب في قلوبهم، وأسقطَ خريفُ القسوة أوراق الحنان من نفوسهم، فاستُلِبَت من بين جوانحهم إنسانيتهم، وكانت أول ضحايا ذلك الاستلاب هم الأطفال. فكم بين جُدران البيوت وأسوار المدارس من طفولةٍ مُنتَهَكة، وبراءةٍ مُغتالة، يتعرَّضُ الأطفال في صورها للضغط النفسي، والعنف البدني، والتعذيب الجسدي، ترى ذا الخمسة أعوام يُقلِّب عينين ماؤهما الطُّهْر، وبريقُهما البراءة، يُقلِّبُها في أبيه القادم إليه، ويخفِقُ فؤادُه الغضُّ لمرأى أبيه، مُنتظراً منه ضمَّةً أو قُبلة، فإذا لسعُ النار يفجَئهُ، أو الضرب العنيف يتلقَّفُه، وسلاحُ الطفل – ويا لسلاحه – أنَّاتٌ متقطِّعة، وزَفَراتٌ مُتحشرِجة، وقد غابَ المُعين والناصر..

إنها مصيبة وأي مصيبة أن يتحول أقرب الناس إلى الطفل إلى وحش كاسر، لا يرحم ولا يشفق، ولا تجد الرحمة في قلبه مكاناً. ويا للعجب كيف يتحول قلب الوالد أو الوالدة إلى حجر بل أشد من الحجر تجاه من؟ تجاه هؤلاء الأطفال الصغار الذين لا حول لهم ولا قوة.. واستعِن أيها السامع بخيال شاعرٍ أو سُبُحات أديب لتتصوَّر ما الذي يُحسُّه ذلك الطفل ويشعُر به، وكيف تُوأدُ في نفسه كل مباهِج الحياة، ويغيضُ في مُخيِّلته كل جميلٍ يبلُغه خيالُه الحالِم.. وثمَّة طفل لم تجد أمُّه المُضطربة نفسيًّاً، ما تُفرِغُ فيه اضطرابها إلا جسد طفلها، وكم يحدث في المجتمع من أمثال هذه الانتهاكات، وكم تُمارَسُ هذه الوحشية داخل البيوت، ولا يشعر بها جيرانٌ ولا أهل؛ فقد أساء آباء لأطفالهم، وأدَّبَت زوجاتٌ أولادَ أزواجهن، ولم يسلَم الأطفال حتى من أذيَّة عاملات وخادمات المنازل، وعاش من عاش منهم مُشوَّه الإنسانية مُتَّشِحاً بالعدوانية، له مستقبلٌ قاتِم، وربما احترف الجريمة والانحراف، فخسِر نفسه ثم خسِرَه المجتمع.

أيها المسلمون: إن هذه المظاهر ليست  بحمد الله عامةً ولا شائعة في مجتمعاتنا، ولكنها توجد بقدرٍ غير قليل، وإن من أعظم أنواع الاحتساب: أن يحتسِب المجتمع في رفع الظلم عن هذه الفِئة المستضعفة خصوصاً إذا كان الظلم واقعاً من ذوي القُربى، ولله در القائل:

وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَـةً

عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّـدِ

يجب التفطُّن لصغارِ من ابتُلُوا بمرضٍ نفسيّ، أو تورَّطوا بمُؤثِّر عقليّ؛ خصوصاً وأن الطفل المُعنَّف والمُعذَّب حين تصادفه قد لا تسمع منه تعبيراً يكشِف ما أصابه، وقد حفَرَت تلك الاعتداءاتُ في نفسه أخاديدها، وإن الطفل المُعذَّب وإن عجِز لسانُ مقاله عن الشكوى فإن لسان حاله سينطِقُ بالكثير، والصغير لا يَنسى، وجراحُ الطفولة لا تندمِل، وإن لم يتدارَكها المصلحون فيُوشِك أن تنتهي إلى مقتل.

وإنها لظاهرةٌ حسنةٌ في مجتمعنا، تلك المراكز والدُّور التي تُعنى بحماية الطفل ورعايته وتوعية الآباء والأمهات، والقائمون عليها على خيرٍ عظيم ينبغي دعمُهم والتواصُل معهم والإشادة بهم.

عباد الله: وثمَّة صفحةٌ أخرى من كتاب مآسي الطفل، عنوانها: الخلافات الزوجية؛ فعندما يحضر الشيطان بين زوجين، ويتقصَّدُ كلٌّ منهما الإساءة إلى الآخر، وعيون الأطفال تُشاهد وتترقَّب، ونفوسهم تتوجَّد وتنزِف، ويرَون إساءةً لفظيةً من الأب لأمهم، أو إهانةً معنويةً من الأم لأبيهم، أو اعتداءً جسديًّاً من أحدهما على الآخر؛ فإن الطفولة – حينئذٍ – في هباء، وثمَّةَ ساعتها عُقدٌ نفسية تنمو في خفاء، ويخبُو وهَجُ الحياة لدى الطفل، وينسحِبُ ذلك على عدمِ مُبالاته بالتعليم فلا يعنيه، ويُعتِم المستقبل في ناظرَيْه؛ فلا حُلم يُداعبُه ولا أمل يُلاغيه.

شاهَت الأيام في عينيه، وساءت معاني الأمومة والأُبُوَّة في ناظرَيْه، والوالدان غيرُ مُبالِيَيْن، يتنافسان أيهما الأسوأ، وأيهما الذي ينكأُ جُرح طفلهما فلا يبرأ.

يا أيها الأزواج المُتخاصِمون المتشاحنون: إن الله  عز وجل حدَّد أوقاتًاً لا يدخل فيها الأولاد على والديهم حتى لا تقع أعيُنهم على ما لا يُدرِكون من المُباح؛ أفليس من باب أَوْلَى أن نُشيحَ بأبصار الصغار ونصرِف علمهم عن العلاقة السلبية بين والديهم، فيعيشوا في بيئةٍ نقية، ونفسيةٍ رضيَّة… إن الخلاف له آداب، والخصومة لها حدود، ولا ضحية هنا للتجاوُز إلا المتجاوِز نفسه وأسرته ومستقبلهم جميعاً.

أما بعد الطلاق والانفصال فتثور مسألة نفقة الأطفال، وزيارتهم لأحد الوالدين، وكم في هذه المسألة من صورٍ مِدادُها الأسى والحزن، وألوانها العناء والتعب؛ مع أن الله تعالى يقول: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) وكم طفلٍ غُيِّب عن أمه ولا ذنب له إلا خلافٌ لم يكن طرفًاً فيه، ولكنه عُوقِب به، والنبي  صلى الله عليه وسلم  يقول: (مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا  فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فبأيِّ ذنبٍ يُحرَم الطفل حنان أمه أو لقاء أبيه وهو بَضعةٌ منهما، ولا غِنى له بأحدهما عن الآخر مهما فعل الأول، يجب أن يُمكَّن الطفل من رؤية والدَيْه، ومن الاتصال بهما متى أراد دون مُحاسبةٍ أو مُضايقة، ولا يجوز بحالٍ أن يكون الانفصالُ بين الوالدين داعياً لأن يُربَّى الطفل على عقوق أحدهما أو عدم الإحسان إلى الآخر وكرهه وبغضه.

أيها الأخوة والأخوات في الله: يا من وقع الطلاق بينهم من الآباء والأمهات! لا تنسوا الفضل بينكم، واتقوا الله في أولادكم، إن خلافاتكم حبلٌ ممدود طرفاه بأيديكم، وفي وسطه عقدةٌ مُلتفَّةٌ على عنق الطفل، فكلما اشتدَّ أحدُ الأبَوَيْن في الجذب استحكَمَت العُقدة على عنق الطفل، مع أن خلافات الأبوين في الغالب يكون المغلوب فيها خيراً من الغالب.

كم من أبٍ يتحايلُ في تقليل نفقة أولاده، أو الهروب منها، لا لشيء إلا ليغيظ أمهم؛ فكيف يرجو برَّ أولاده بعد ذلك، ويتأمَّل دعاءهم وصدقتهم عنه حين يكبرون؟!

أيها المسلمون:ومن صور الإساءة المنتشرة: الصياحُ والصراخُ في وجه الطفل، وتهديده وتخويفه، وكثرةُ مُعاتبته وتعنيفُه، وهذا مما يتساهلُ فيه الآباء والأمهات، والمُربُّون والمُربِّيات، ويتصرَّفون بمشاعرهم الغاضبة دون إدراكٍ للعواقب المُدمِّرة لنفسية الطفل. والتعنيفُ والتخويفُ يُورِث شخصيةً مهزوزة، ونفسيةً مُضطربة، ألا فاتقوا الله في وصيته لكم: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ) وليتق الله كلٌّ في رعيَّته؛ فكلٌّ مسئول ومُحاسَب.

نسال الله سبحانه وتعالى أن يهدينا لأحسن الأخلاق والأعمال، وأن يجعلنا مجتمعاً متراحماً متعاطفًاً متكاتفًاً، إنه سميع مجيب…

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله المنعم على عباده بعظيم آلائه، نحمده سبحانه على تعاقُبِ نعمائه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، أفضل رسله وخاتم أنبيائه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه أجمعين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: خطأ الأطفال مغفور، وذنبهم معفوٌّ عنه، فالله تعالى قد رفع عنهم قلم التكليف، فارفعوا أنتم عنهم أساليب التعنيف، قِفُوا بين العنف والضعف في موقف الحزم، واقدُرُوا لحداثة السن ومحبة اللهو قدرَها، وإذا كان الطفل لا يُضرَبُ على الصلاة وهي عمود الدين، إلا وهو في العاشرة من عمره وبعد أن يُؤمَر بها مئات المرات؛ فكيف يُضربُ ابنُ سنتين وثلاث، وابنُ خمسٍ وسبع على شقاوةٍ فطرية، أو لهوٍ بريء؟ ولكم في هدي النبي صلى الله عليه وسلم  قدوةٌ وأُسوة فعن أنس رضي الله عنه قال: (خَدَمْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَما قالَ لِي: أُفٍّ ولَا: لِمَ صَنَعْتَ؟ ولَا: ألَّا صَنَعْتَ)

عباد الله: إنه لا خلاف في مبدأ تصحيح خطأ الطفل إذا أخطأ، ولكن يجب أن يكون التصحيح بأسلوبٍ يبني ولا يهدِم، ويؤدِّبُ ولا يُثرِّب، ولنا في رسول الله  صلى الله عليه وسلم أُسوة؛ فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: (كُنْتُ غُلَاماً في حَجْرِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ، فَقالَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وكُلْ بيَمِينِكَ، وكُلْ ممَّا يَلِيكَ قال: فَما زَالَتْ تِلكَ طِعْمَتي بَعْدُ.)

وأخذ الحسن بن علي رضي الله عنه تمرةً من تمر الصدقة فجعلها في فِيْه، فقال النبي  صلى الله عليه وسلم: كِخْ كِخْ؛ أما تعرف أنَّا لا نأكل الصدقة) وعن محمود بن الربيع رضي الله عنه قال: عقلتُ من النبي  صلى الله عليه وسلم  مجَّةً مجَّها في وجهي وأنا ابنُ خمس سنين من دلوٍ في دارِنا) فانظر كيف علَّمَ النبي صلى الله عليه وسلم عمرَ بن أبي سلمة آداب الطعام، وعلَّم الحسنَ بن علي الورع، ومزح مع الصغير محمود بن الربيع فمج في وجهه،  وتأمَّل كيف كان التعليمُ بأسلوبٍ يفهمُه الصغار، بكلمةٍ واحدة، أو جُملٍ صغيرةٍ مختصرة واضحةٍ، يسهُلُ حِفظُها وفهمُها، بلا إهانةٍ ولا تجريح، ولا لومٍ ولا توبيخ، ولا تقطيبٍ ولا تثريب؛ فضلاً عن ضرب الصغير أو الدعاء عليه، وهذا أمرٌ خطير؛ فقد توافقُ الدعوةُ ساعة إجابة فيندمُ الداعي حين لا ينفع الندم والنبي صلى الله عليه وسلم:  يقول: لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ)

وهذا أدبُه صلى الله عليه وسلم حتى مع الكبار؛ قال معاوية بن الحكم رضي الله عنه،  وكان قد تكلَّم في الصلاة: فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي ؛ مَا رَأَيْتُ مُعَلِّماً قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيماً مِنْهُ ؛ فَوَ اللَّهِ : مَا كَهَرَنِي ، وَلَا ضَرَبَنِي ، وَلَا شَتَمَنِي، وإنما قَالَ لي ( إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ)

وجاء أعرابيٌّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان لا يُقبِّل أولاده فقال متعجباً: تُقبِّلون صبيانكم فنحن لا نُقبِّلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَو َأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ) وعن أنس رضي الله عنه قال: (ما رَأَيْتُ أَحَداً كانَ أَرْحَمَ بالعِيَالِ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، كان ينطلق ونحن معه إلى أبنائه وأحفاده، فيضمهم ويقبلهم ثم يرجع)

هذا هو الهدي يا عباد الله فاستنُّوا به، وهذا هو الرسول صلى الله عليه وسلم فاقتدوا به..اللهم اجعلنا ممن يقتدون بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ويسيرون على نهجه وسنته، ويتخلقون بأخلاقه، ويموتون على ملته، ويحشرون في زمرته.

اللهم أحفظ لنا أولادنا وأصلحهم ووفّقهم لطاعتك، وبارك لنا فيهم.. اللهم اجعلهم هداةً مهتدين، غير ضالين ولا مضلّين، اللهم حبّب إليهم الإيمان وزيّنهُ في قلوبهم، وكرّه إليهم الكُفر والفسوق والعصيان، واجعلهم من الراشدين. اللهم اغفر ذنوبهم وطهّر قلوبهم، وحصّن فروجهم، وحسّن أخلاقهم، وأملأ قلوبهم نوراً وحكمةً، وأهلّهم لقبول كلّ نعمةٍ.

اللهم اجعلهم من صالح عبادك، وحفظة كتابك، ومن أحسن الناس ديناً وعبادة وأخلاقاً، ومن أسعدهم حياة وأرغدهم عيشة، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم اجعل بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في وطننا، ووفق ولاة أمورنا وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين..

اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، ناصراً ومؤيداً، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان. اللهم ولي عليهم خيارهم، واصرف عنهم شرارهم، ووحد صفوفهم، واحقن دمائهم، وآمن روعاتهم، واحرسهم بعينك التي لا تنام، واجعل دائرة السوء على عدوك وعدوهم يا سميع الدعاء… اللهم أنقذ المسجد الأقصى من عدوان الصهاينة المعتدين، ومن احتلال الغاصبين، اللهم اجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين. اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين…

الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ، وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ، الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

عِبَادَ الْلَّهِ: إِنَّ الْلَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِيْ الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ،. فَاذْكُرُوْا الْلَّهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيْمُ الْجَلِيْلِ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَىَ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ الْلَّهِ أَكْبَرُ، وَالْلَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُوْنَ وَيَغْفِرْ الْلَّهَ لِيَ وَلَكُمْ.

         خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين