الجمعة 8 ذو الحجة 1440 هـ 

الموافق 9 أغسطس 2019 م

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولـو كـره المشركون، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينـا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: في السنة العاشرة من الهجرة النبوية كانت حجة الوداع وهي الحجة الوحيدة التي حجها المصطفى صلى الله عليه وسلم، وسميت بهذا الاسم لأنها كانت علامة واضحة على دنو أجله ولحاقه بالرفيق الأعلى سبحانه، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج بهذا، وقال: (هذا يوم الحج الأكبر)، فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم أشهد، وودع الناس)، فقالوا: (هذه حجة الوداع). وفي مثل هذا اليوم يوم الجمعة من السنة العاشرة، وقف صلى الله عليه وسلم يخطب في المسلمين فتكلم عن الكثير من الأمور التي تهم المسلم في دينه ودنياه وآخرته، فكانت هذه التعاليم بمثابة خطة إستراتيجية للمسلمين من بعده وطريق للفلاح والنجاة، ودستور للحياة السعيدة لأمته، كيف لا؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحرص على المسلمين والمؤمنين من أنفسهم، وكان يخاف عليهم بعد أن يودع هذه الحياة وينتقل إلى ربه من الوقوع فيما حذر منه، يقول سبحانه وتعالى: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) ولقد أجيبت دعوة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام حين هتف وهو يبني البيت العتيق:(رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ)  فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة لهذه الأمة ورحمةً للعالمين .. فما أحوجنا في المحن والشدائد، وفي الرخاء وعند نزول الفتن والمصائب، وفي اليسر والعسر إلى توجيهات هذا الرسول العظيم والنبي الكريم، لتستقيم الحياة ويسعد الإنسان، ويعم الخير على المجتمع .. وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وقد تجمع حوله في ذلك الزمان مائة الف أو يزيدون في صعيدٍ واحد يسمعون هذه التوجيهات من المعجزات التي حصلت: أن الخطبة سمعها جميع من كان في الحج بدون مكبر صوت، فعن عبد الرحمن بن معاذ التيمي رضي الله عنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  بمنى، ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول، ونحن في منازلنا) فكان مما قاله : أيها الناس اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلِّي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً، أيها الناس: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت .. فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وإنَّ كل رباً موضوع، ولكن لكم رؤوس أموالكم، لا تَظلمون ولا تُظلمون .. قضى الله أنه لا رباً، وإن ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله، أيها الناس: إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه أبداً، ولكنه إن يُطع فيما سوى ذلك فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم!. أيها الناس: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ) .. وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متوالية، ( ذو القعدة وذو الحجة والمحرم) ورجب الفرد، ثم أخذ صلى الله عليه وسلم يوصي بحسن معاملة النساء وحسن معاشرتهن بالمعروف وعدم غمط شيء من حقوقهن وأوصى بهن خيراً.  وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: (ألا وإني فرطكم على الحوض، وأكاثر بكم الأمم. فلا تسودوا وجهي، ألا وإني مستنقذِ أناساً، ومستنقَذ مني أناس، فأقول: يا رب! أصحابي فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) وفي رواية بلفظ:(ألا هل بلغت؟ فقالوا: نعم. قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)

أيها المؤمنون:  ما أعظم هذه المبادئ التي أرساها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، فكان أول ما تكلم به حرمة الدماء والأعراض والأموال، وخطورة أن يكون  فعل المسلم أو عمله  او قوله سبباً لسفك دم انسان من أي بلاد أو جنس أو لون بدون حق، والله تعالى قد حذر من ذلك فقال:(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) وجعل سبحانه وتعالى التعدي على حياة هذا الإنسان من أكبر الكبائر وأعظم الجرائم والذنوب التي تورد صاحبها المهالك في الدنيا والآخرة، يقول النبى صلى الله عليه وسلم: ( لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) ويقول عليه الصلاة والسلام: ( كل ذنب عسى اللـه أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً) بل جعل سبحانه وتعالى قتل المسلم وسفك دمه من عظائم الأمور يقول عليه الصلاة والسلام:( قتل المؤمن أعظم عند اللـه من زوال الدنيا ). و قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)، وما تجرأ أحد من الناس على الدماء المعصومة في بلد أو دولة أو مجتمع من المجتمعات، إلا كان نذير شؤم على ذلك المجتمع وتلك الدولة، فتفسد العلاقات، وتقطع الأرحام، وينتشر الخوف، ويذهب الأمن، وتقل البركة، ويحل القحط، وتنتشر الأحقاد والضغائن والثارات، وتتفكك الأسر ويخسر المرء دينه ودنياه وآخرته .. لذلك شدد صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر وحذر منه حتى لا تفسد حياة أمته من بعده والمسلم الحق هو من سلم المسلمون من لسانه ويده، فيحفظ دمائهم، ويصون أعراضهم، ولا يعتدي على أموالهم، أو شيء من حقوقهم..

عباد الله: ثم تحدث صلى الله عليه وسلم عن الربا وتحريمه وخطورته على الأفراد والأمة في المجال الاقتصادي والمعاملات المالية وأن البركة المنزوعة من أموالنا وأعمالنا سببها المال الحرام الذي يؤدي إلى الظلم والجشع والطمع والفقر وتعطيل مصالح الناس والبطالة، وغير ذلك والله عز وجل يقول:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)

عبـــاد الله: وكان مما ظهر من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة حجة الوداع مدى حرصه ورحمته وشفقته بأمته رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، حكاماً ومحكومين وكان يخاف أن يبدلوا أو يغيروا شيئاً من دينه أو يتركوا شيئاً من شريعته فيسقطوا من عين الله ولا يستطيع بعد ذلك أن يدافع عنهم عند الله أو يشفع لهم فخاطبهم بقوله (ألا وإني فرطكم على الحوض، وأكاثر بكم الأمم، فلا تسودوا وجهي) يا الله ما أعظمها من كلمة .. يا لله ما أشدها من كلمة، ماذا نقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه أعمالنا تشهد علينا بالتقصير والتفريط في عبادتنا وسلوكنا ومعاملاتنا، وتخيلوا الموقف العجيب والمنظر الرهيب والرسول صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى حوضه الشريفة لنشرب منها وإذا بالملائكة تدفع أناس وتمنعهم فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم  (يا رب! أصحابي فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) لا تدري ما أحدثوا بعدك تركوا الدين، وغرتهم الدنيا وتركوا الطاعات والعبادات، وانشغلوا بالشهوات واللذات، وتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورضوا بالسكوت، ومداهنة الباطل، إيثاراً للسلامة الزائفة، وقصروا في واجباتهم الدينية والدنيوية، فأصبحوا عالة على أمم الأرض بعد أن كانوا سادة الأمم وأساتذة الحضارة .. وتركوا الكثير من آوامر الشرع واستبدلوها باتباع الهوى وطاعة الشيطان وإتباع خطواته وتزيينه للباطل والحرام والمنكر في كل شؤون الحياة، فقال صلى الله عليه وسلم (أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه أبداً، ولكنه إن يُطع فيما سوى ذلك فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم) والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) ولكن مالذي حدث؟ اتبع كثير من المسلمين في بقاع الأرض خطوات الشيطان وزين لهم أعمالهم حتى أشركوا بالله وعبدوا غيره من بشر وحجر وشجر وطلاسم وأوراد وشعوذة وسحر وادعاء الغيبيات والكرامات والطواف حول القبور والأضرحة والحج إليها فما كان إلا أن زادت تعاستهم وزاد شقاؤهم .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم  بِنَعْمان- يعني عرفة- وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذّر، ثم كلمهم قِبَلا، قال: (ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون).. واتبع كثير من المسلمين خطوات الشيطان فامتلأت القلوب بالحقد والحسد والضغائن وسوء الظن وضعفت الأخوة الإسلامية وحلت مكانها العصبيات الجاهلية للأشخاص والأحزاب والجماعات والطوائف والدول واستطاع الشيطان أن يغري بينهم العداوة والبغضاء وانظروا إلى المسلمين في هذا العالم الفسيح فلا تجد حروباً ولا صراعات ودماء تسفك، ولا مخيمات لاجئين ولا بلاد مدمرة إلا في بلاد المسلمين، وما ذاك إلا لأننا خرجنا عن الإستراتيجية والخطة التي وضعها لنا رسول الله صل الله عليه وسلم وهو يودع الدنيا وكررها في حجة الوداع وطلب من الحاضر أن يبلغ الغائب لتقام الحجة على كل مسلم حتى قال لأصحابه:  وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: (نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت)، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: (اللهم أشهد، اللهم أشهد، اللهم أشهد) ثلاث مرات.. ونحن نشهد يا رسول الله أنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت للأمة .. وإنما الخلل والتقصير من نفوسنا وبسبب ضعف إيماننا وتعلقنا بالدنيا وإنه لا بد لنا من توبة صادقة وعبادة خالصة وعمل صالح لنستقيم على الصراط، عندها فقط ينظر الله إلينا بعين الرحمة والمغفرة والسعادة والفوز والنجاة ..

فاللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ولي الصالحين، نحمده سبحانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، إمام المرسلين وقائد الغرِّ المحجَّلِين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: إننا في هذه الأيام نعيش أياماً عظيمة من أيام الله تبارك وتعالى، يلتقي فيها الحجيج في البقاع المقدسة، تتضرع قلوبهم إلى رب البرية وتلهج ألسنتهم بالذكر والتلبية، وتسمو نفوسهم تطهيراً وتزكية، يباهي بهم الرحمن ملائكته، وينزل عليهم رحمته وسكينته، فيا له من مغنم عظيم، وفضل كبير، يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟) أي: ما أرادوا إلا ابتغاء مرضاتي، وامتثال أمري، ورجاء رحمتي ورضواني.. فظاهر الحديث أنه أكثر يوم في العام يعتق الله تعالى فيه خلقاً من النار. والظاهر أن العتق من النار ليس خاصاً بأهل عرفة، وإنما هو عام لهم ولغيرهم، وإن كان يرجى لأهل عرفة أكثر من غيرهم كما ذكر ذلك اهل العلم.

عباد الله: إن يوم عرفة هو يوم من أيام الأشهر المحرمة وهو من أيام العشر المفضلة وهو من الأيام المعلومات المذكورة في قوله تعالى (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) وقد أقسم الله تعالى به في كتابه الكريم مما يدل على فضله وعظمته فقال:(وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) قال أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي هَذِهِ الْآيَةِ: (الشَّاهِدُ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالْمَوْعُودُ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ)

وهو يوم كمال الدين، وتمام النعمة؛ كما في حديث عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً مِنَ اليَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تقرؤونها، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ، لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيداً. قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: (اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) قَالَ عُمَرُ: (قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ) وهو كذلك يوم عيد للمسلمين؛ كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) وهو ركن الحج الأعظم، فمن فاته الوقوف بعرفة فاته الحج معذوراً كان أم غير معذور؛ لحديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ الدِّيلِيَّ قال: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، وَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ الْحَجُّ؟ فَقَالَ: الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ …) وهو يوم الدعاء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ)

والظاهر أن فضل الدعاء ليس خاصاً بالواقفين بعرفة فقط، وإن كان القبول منهم أرجى من غيرهم؛ لتلبسهم بالإحرام، ووجودهم في أطهر البقاع، وكذلك الدعاء بكلمة التوحيد الواردة في الحديث ليست خاصة بأهل عرفة، بل ينبغي أن يكثر من قولها أهل الأمصار في ذلك اليوم العظيم. وإذا كان أهل الموسم قد ظفروا بالوقوف في عرفة ركن الحج الأعظم، فإن لأهل الأمصار صوم ذلك اليوم العظيم، وصومه يكفر سنتين كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)

نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومن المسلمين صالح الأعمال، وأن يكتب لنا جميعاً الرحمة والمغفرة والعتق من النار، إنه سميع مجيب الدعاء.

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أبقيتنا، واجعله اللهم الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، واغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير… اللهم آمنا في وطننا، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا ذا الجلال والإكرام…اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم يا ناصِر المُستضعَفين ومُنجِي المؤمنين، انتصِر لإخوانِنا المُستضعَفين المظلُومين في فلسطين، وفي سُوريا، ، وفي اليمن، وفي كل مكان، اللهم قد مسَّهم الضُّرُّ، وحلَّ بهم الكربُ، واشتدَّ عليهم الأمر، اللهم فانتصِر لهم، وتولَّ أمرَهم، واكشِف كربَهم، وارفع ضُرَّهم، وعجِّل فرَجَهم، وارحم شهدائهم، وشافي جرحاهم، وألّف بين قلوبهم، واجمع كلمتَهم، اللهم مُدَّهم بمددك، وأيِّدهم بجُندك، وانصُرهم بنصرِك.

اللهم إنا نسألُك لهم نصراً مُؤزَّراً، وفرَجاً ورحمةً وثباتاً، اللهم سدِّد رأيَهم، وصوِّب رميَهم، وقوِّ عزائِمَهم..اللهم عليك بأعداء الإسلام والمسلمين، فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم وأنزِل بهم بأسَك الذي لا يُردُّ عن القومِ المُجرمِين، اللهم إنا ندرأُ بك في نُحورِهم، ونعوذُ بك من شُرورهم.. اللهم وفِّقنا للتوبةِ والإنابة، وافتَح لنا أبوابَ القَبول والإجابة. (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سُبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله رب العالمين.

خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين