الجمعة 18 شوال 1440 هـ

الموافق 21 يونيو 2019 م

الحمد لله المدبر للملك والملكوت، المتفرد بالعزة والجبروت، الرافع للسماء بغير عماد،  المقدّر فيها أرزاق العباد، الذي صرف قلوب أوليائه عن ملاحظة  الوسائل والأسباب إلى مسبب الأسباب، فلم يعبدوا إلا إياه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ما من ذرة إلا إليه خلقها، وما من دابة إلا عليه رزقها، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، حفظه وكفاه فهو به كفيل ، وهو حسبه ونعم الوكيل، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه المهتدين إلى سواء السبيل.

أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: يعيش المؤمن في هذه الحياة رغم ابتلاءاتها ومغرياتها؛ قرير العين هادئ البال، مطمئن النفس سليم القلب، مرتاح الضمير عالي الهمة، نقي السيرة صافي السريرة، لا يعرف الوهن إلى نفسه سبيلاً، ولا يجد الهلع عليه مدخلاً وطريقاً، يواجه أعباء الحياة بقوة إيمان، وثبات جنان، ومضاء عزيمة، ورباطة جأش، ومعنوية عالية، لا يخاف من المجهول ولا يهتم مما يخبئه المستقبل؛ لأنه متوكل على ربه ومولاه، مؤمن بقضاء الله وقدره، يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، شعاره قول الحق تبارك وتعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) حياته حياة الواثق بنصر الله، المطمئن لوعد الله، المستقيم على منهج الله، الراضي بقضاء الله، لا يستسلم للشبهات والأوهام، ولا يرضخ لمقولات أهل الزيغ والضلال، يعتقد يقيناً أن المتصرف في الكون إله واحد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، هو سبحانه الذي بيده أزمّة الأمور، يخفض ويرفع، ويصل ويقطع، ويفرق ويجمع، يغني ويقني، يضحك ويبكي، يميت ويحيي، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا راد لما قضى، لا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره، لا إله غيره ولا رب سواه، بهذه العقيدة يا عباد الله يجب أن يواجه المسلم جميع المخالفات والمنكرات، ويثبت أمام سيل التجاوزات والضلالات والخرافات.

روى الترمذي وغيره في وصية المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمته، ممثلة في ابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قوله عليه الصلاة والسلام: (يَا غُلَامُ, إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: أحفظ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، أحفظ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ)   فيا لها يا عباد الله من وصايا عظيمة، وقواعد كلية من أهم أمور الدين وأجلها!

أيها المؤمنون: إنه عند حلول الفتن، ووقوع المحن، يظهر توجه المتوكلين، وتضييع المتواكلين، وما ذاك –عباد الله – إلا لأنها معايير دقيقة، ومقاييس منضبطة لسبر أغوار الناس، وإظهارهم على حقائقهم، وامتحان عقائدهم، وصدق توكلهم، والموفق الملهم من كان مع الله في كل أحواله، وعرف ربه في سرائه وضرائه، وسار في كل أموره متوكلاً على الله، معتصماً به (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)

أيها المسلمون: التوكل على الله مقام عظيم جليل القدر، كبير الأثر، أمر الله به عباده وحثهم عليه، وندبهم إليه في مواضع كثيرة من كتابه، فقال سبحانه: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) وأمر به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم فقال: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ) وقال عن رسله عليهم الصلاة والسلام: (وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا) وجعله سبحانه من مقتضيات الإيمان، فقال تعالى وتقدس: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) كما جعله سبحانه سبباً لنيل محبته ورضاه، فقال جلَّ وعلا: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) فيا له من مقام عظيم! يحضى صاحبه بمحبة الرحمن، ويتحقق به كمال الإيمان.

أيها الإخوة والأخوات في الله: قد جعل الله التوكل عليه شعاراً لأهل الإيمان، يتميزون به عمن سواهم، فقال في صفاتهم: (وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) وضمن سبحانه وتعالى لمن توكل عليه كفايته ما أهمه، والقيام بأمره وإصلاح شأنه، فقال سبحانه: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) أي: كافيه ما أهمه من أمور الدنيا والآخرة، قرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية على أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وقال له: (لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم) وقال ابن القيم رحمه الله: التوكل نصف الإيمان والنصف الثاني الإنابة) وقد وعد الله المتوكلين عليه الأجر العظيم والثواب الجزيل، ففي الصحيحين في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتكلون) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم توكلون على الله حق توكله؛ لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً).

يقول ابن رجب رحمه الله: (وحقيقة التوكل هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح، ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها، أي: أن تكل الأمور كلها إليه سبحانه وتعالى وتحقق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا ينفع سواه) وقال الحسن البصري رحمه الله: التوكل لا ينافي السعي في الأسباب، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) وقال سبحانه: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) والواجب على العبد أن يبذل الأسباب دون الاتكال عليها في تحقيق مراده، بل يتوكل على الله وحده مالك الأمر كله، وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو إمام المتوكلين، يحث على بذل السبب والسعي في الرزق، وهكذا كان أصحابه رضي الله عنهم.

أيها المسلمون: لقد ربى الإسلام أتباعه على سلامة التوحيد، وصحة العقيدة، وقوة اليقين، والتوكل على الله وحده، وابتعد بهم عن الأوهام والظنون والخيالات والخرافات التي تعبث بعقولهم، وتجعلهم يتصورون الأمور على خلاف حقائقها، ونهى عن كل ما يخدش سلامة التوحيد وصحة العقيدة؛ من التشاؤم والتطير بالأيام والشهور، والحيوانات والطيور، وأصحاب العاهات ونحوهم، وحارب الذهاب إلى الدجالين والمشعوذين، والسحرة والمنجمين، وتصديق الكهنة والعرافين، وأدعياء علم الغيب والرمالين، ونحوهم من الدجاجلة الكذابين؛ لخطرهم على الدين والعقيدة، والأخلاق والسلوك، وأمن المجتمع، ولتلاعبهم بعقول الناس، وابتزازهم أموالهم، وأبطل كل مسالك الجاهلية واعتقاداتها الباطلة، وترك الناس على دين الطهر والصفاء، والخير والنقاء.

عباد الله: إن التوكل على الله وحده، وتفويض الأمور إليه دون غيره، واعتقاد أنه وحده مالك النفع والضر دون سواه، والبعد عن التطير والتشاؤم؛ أمور يجب على المسلم أن يعتقدها ديناً لله الواحد القهار؛ لا يشركه فيها أحد من الخلق، قال تعالى موجهاً نبيه صلى الله عليه وسلم للتعلق به وحده: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) وقال عز وجل: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وقال سبحانه: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)

أخوة الإيمان: لقد أعز الله هذه الأمة بهذا الدين؛ عقيدة وشريعة، وجعلها متميزة بثوابتها ومبادئها، وألغى جميع مسالك الجاهلية، وما تتعلق به من أوهام وضلالات، وإنه لما فرط بعض المسلمين هداهم الله في عقيدتهم، وضعف عندهم جانب التوكل؛ أصبحت تلمس كثيراً من المظاهر المخالفة للعقيدة الصحيحة، حتى نسي بعضهم خالقه وبارئه، وتعلقوا بأنواع من الأوهام الباطلة، فهذا يتعلق بالمطالع ويرتب عليها نصيبه وحظه، ويسمي هذا طالع سعد وهذا طالع نحس، وذاك مترقب للأبراج يعلق عليها نجاحه وفوزه، وآخر بالشهور والأيام، ورابع بالأعداد والألوان وهلم جرا.. حتى إنه قد لا يسافر ولا يتزوج وقد يعطل بعض أعماله تطيراً وتشاؤماً، فسبحان الله! عباد الله! جلَّ الله وتعالى عما يشرك به المشركون علواً كبيراً… أبعد هذا -أيها الإخوة في الله- يبقى مستمسك لأولئك الجهلة ومتعلق للمتخبطين في فهم العقيدة! أي دين بل أي عقل عند من يحادَّ الله في علمه وقدرته وتصرفه، بل أي إيمان وفهم ومسكة عقل عند من يذهب إلى الأفاكين ويصدق المضللين؟! أين الدين والعقيدة؟! أين العقول والأفكار؟! لقد كان أهل الجاهلية يكفون عن القتال في الأشهر الحرم، فإذا حل شهر صفر كثر القتال وانتهكت الحرمات، فيتشاءمون من هذا الشهر، وهذا وإن كان ليس غريباً على عُبَّاد الأوثان، فإن الغرابة كل الغرابة أن يوجد هذا الأمر عند أدعياء الإيمان بعد أن أبطله الإسلام… عجيبٌ -يا أمة العقيدة! وغريب يا أهل الشريعة! ويا أرباب الحجى والعقول والأفهام- أن تعبث الخيالات والأوهام والخرافات ببعض أبناء الإسلام، فماذا تغني الشهور والأيام من يوم الثلاثاء وشهر صفر وعدد ثلاثة عشر، وما ذنب الحيوانات والطيور من الغراب والبوم وماذا تملك الزهرة وزحل؟! ولكنها أوهام الجاهلين وألاعيب الشياطين، فأفيقوا -أيها المسلمون- من الغفلة عن هذه القضايا المهمة وقووا يقينكم بالله عز وجل، وحققوا التوكل عليه سبحانه، واحذروا التطير والتشاؤم؛ ففي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ)… أيها المؤمنون: إنه حينما نذكر بهذه الأمور، فإن ذلك يأتي من منطلق الحرص على صفاء العقيدة، والنصح لله ولعبادة، وما لهذه الأشياء من انتشار ورواج في بعض المجتمعات، ويخشى أن ينخدع بها بعض ضعاف الإيمان، ومع أننا في عصر تفتق العقل البشري، ونمو الفهم المادي، والتفجر المعلوماتي، إلا أنه لا تزال مثل هذه الأوهام موجودة في بعض الأوساط والمجتمعات، مما يعقد المسئولية على حملة الشريعة وعلماء الأمة الموثوقين في انتشال الغارقين في لجج هذه الأوهام الباطلة إلى ساحة الإيمان، وبر الأمان وشاطئ الخير والعقيدة والسلام. (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين، وثبتنا وإياكم على الصراط المستقيم، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، من توكل عليه كفاه، ومن لاذ بحماه حفظه ووقاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، ومن سار على نهجه واهتدى بهداه.

أما بعد فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، وتوكلوا على الله حق توكله، يكفكم وينصركم ويرزقكم. واعلموا أن التوكل شعور ويقين بعظمة الله وربوبيته وهيمنته على الحياة والوجود والأفلاك والأكوان، التوكل قَطْع القلب عن العلائق، ورَفْض التعلق بالخلائق، وإعلان الافتقار إلى محوّل الأحوال ومقدّر الأقدار، إنه صِدْق اعتماد القلب على الله -عز وجل- في استجلاب المصالح ودفع المضار، إنه صدق وإيمان وسكينة واطمئنان، ثقة بالله في الله، وأمل يصحب العمل، وعزيمة لا ينطفئ وَهَجُها مهما ترادفت المتاعب، وتتابعت المصاعب.. التوكل إيمان بالغيب، وتصديق بموعود الله بعد استنفاد الوسائل المشروعة في عالم الشهادة واستكمالها، إنه تسليم لله بعد أداء كل ما يرتبط بالنفس من مطلوبات وواجبات، ما كان تواكلاً ولا اتكالية ولا تضييعاً للسنن ولا إهمالاً للأسباب، بل إن المتوكلين في كتاب الله هم العاملون: (نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).. وإمام المتوكلين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- قد اختفى في الغار عن الكفار، وظاهر في بعض غزواته بين درعين، وقال: (من يحرسنا الليلة؟!)، وتعاطى الدواء، وأمر بإغلاق الباب وإطفاء النار عند المبيت، وقال لصاحب الناقة: (أعقلها وتوكل)، وقال سبحانه لنبيه لوط -عليه السلام-: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) وأوحى إلى نبيه موسى عليه السلام: (أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) ونادى أهل الإيمان فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) فليس التوكل بإهمال العواقب واطراح التحفظ، بل إن ذلك عند العقلاء والعلماء عجز وتفريط، يستحق صاحبه التوبيخ والاستهجان.

أيها المسلمون: من كان بالله وصفاته أعلم وأعرف كان توكله أصح وأكمل وأقوى، ومن لم يكن كذلك فهو يظن أن حظوظًاً عمياءَ هي التي تقرر مصائر الحياة والأحياء.. وإن من الجهل الذريع بالله وصفاته أن يتوقع المرء الخذلان وهو مرتبط بربه معتمد عليه، أو يخاف غير الله والله تعالى يقول: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ) وإن من ضعف الإيمان بوعد الله ووعيده أن يظن جاهل أنه لن ينصر الله الإسلام والمسلمين ويكفيهم شر أعدائهم، وإن من سوء الظن بالله -جل وعلا- أن يعتقد أحد أنه لن ينصر دينه ويعلي كلمته، وهو الذي (أَرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ)، ألا فإن الله يقول: (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ) وقال عن أصحاب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ، إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)

ألا فاتقوا الله عباد الله وحققوا التوكل، تحقِّقوا التوحيد وتنصروا، واصدقوا مع الله، وقووا علاقتكم به، فإن من صدق مع الله وقاه الله، ومن توكل على الله كفاه الله، (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ)

اللهم قد انسدت الطرق إلا إليك، وانقطع الاعتماد إلا عليك، وضاع الأمل إلا منك، وخاب الرجاء إلا فيك، وأغلقت الأبواب إلا بابك، وانقطعت الأسباب إلا أسبابك، وضاق كل جناب إلا جنابك، اللهم فلا تجعل اعتمادنا وتوكلنا إلا عليك، ولا مفرّنا إلا منك، ولا رجاءنا إلا فيك، ولا رضانا إلا عنك، ولا اعتصامنا إلا بك، ولا إخلاصنا إلا لوجهك الكريم. اللهم من أعتز بك فلن يذل، ومن اهتدى بك فلن يضل، ومن استكثر بك فلن يقل، ومن استقوى بك فلن يضعف، ومن استغنى بك فلن يفتقر، ومن استنصر بك فلن يخذل، ومن استعان بك فلن يغلب، ومن توكل عليك فلن يخيب، ومن جعلك ملاذه فلن يضيع، ومن أعتصم بك فقد هدي إلى صراط مستقيم… اللهم أطلق عقولنا من أسر التقليد، وأطلق قلوبنا من عبودية العبيد، وأطلق ألسنتنا من كل دعوة غير دعوة التوحيد.

اللهم إنا نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا،وتلم بها شعثنا، وتدفع بها الفتن والمحن عنا يا أرحم الراحمين.اللهم أحفظ بلادنا البحرين من كل سؤ ومكروه واجعله آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وأظله بظل الإسلام والإيمان، وبنعمة الأمن والأمان والاستقرار والوحدة وألف بين قلوبنا رعاة ورعية، وأهد الجميع للتي هي أقوم.

الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أُمُوْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، الْلَّهُمَّ أَيِّدِ بِالْحَقِّ مَلِكِنَا حَمِدَ بْنِ عِيْسَىْ وَرَئِيْسَ وُزَرَائِهِ خليفة بن سلمان وَوَلِيَّ عَهْدِهِ سلمان بن حمد، الْلَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَخُذْ بِنَوَاصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ وَسَدِّدْ عَلَىَ طَرِيْقِ الْخَيْرِ خُطَاهُمْ وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَارَبْ الْعَالَمِيْنَ..

خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين

اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوالهم في فلسطين وفي بلاد الشام وفي اليمن وفي الجزائر وفي السودان وفي ليبيا وفي كل مكان. اللهم ولي عليهم خيارهم ولا تسلط عليهم شرارهم،  ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلاً يا سميع الدعاء.

اللهم أصلح شبابنا وفتياتنا ونساءنا وأولادنا وبناتِنا، وأهدنا سبل السلام.

اللهم ارفع وادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين يا حي يا قيوم ياذا الجلال والإكرام.

اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم نور على أهل القبور من المسلمين قبورهم، واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم.

اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين