الجمعة 19 رمضان 1440 هـ

الموافق 24 مايو 2019 م

الحمد لله الذي أمر بالدعاء، ووعد عليه الإجابة، وحث على أفعال الخير كلها، وجعل جزاءها القبول والإثابة، الحمد لله مجيب الدعوات، وكاشف الكربات، فسبحانه من كريم جواد، رءوف بالعباد، يأمر عباده بالتقرب إليه بالدعاء، ويخبرهم أن خزائنه ليس لها نفاد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند ولا مضاد، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، سيد الرسل وخلاصة العباد، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه العلماء العبّاد، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: عندما تنزل الحاجة بالعبد، فإنه ينزلها بأهلها الذين يقضونها، وحاجات العباد لا تنتهي، يسألون قضاءها المخلوقين؛ فيجابون تارة ويردون أخرى، وقد يعجز من أنزلت به الحاجة عن قضائها، لكن العباد يغفلون عن سؤال من يقضي الحاجات كلها؛ بل لا تقضى حاجة دونه، ولا يعجزه شيء، غني عن العالمين وهم مفتقرون إليه، إليه ترفع الشكوى، وهو منتهى كل نجوى، خزائنه ملأى، لا تغيضها نفقة، يقول لعباده:(ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ويقول (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) كل الخزائن عنده، والملك بيده: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)، يخاطب عباده في حديث قدسي فيقول: (يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُــلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ) ،وصدق الله العظيم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ) لا تنقص خزائنه من كثرة العطايا، ولا ينفد ما عنده، وهو يعطي العطاء الجزيل: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ)،ويقول عليه الصلاة والسلام:(يَدُ اللَّهِ مَلأَى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَقَالَ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ) أيها الإخوة والأخوات في الله: هذا غنى الله، وهذا عطاؤه، وهذه خزائنه، يعطي العطاء الكثير، ويجود في هذا الشهر العظيم، لكن أين السائلون؟! وأين من يحولون حاجاتهم من المخلوقين إلى الخالق؟! أين من طرقوا الأبواب فأوصدت دونهم؟! وأين من سألوا المخلوقين فرُدوا؟! أين هم؟! دونكم يا عباد الله أبواب الخالق مفتوحة، يحب السائلين فلماذا لا تسألون؟! ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا (نزولاً يليق بجلاله) حين يبقى ثلثُ الليل الآخر، ينادي في عباده:مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟) كما صح ذلك في الحديث…

ونحن يا عباد الله نستقبل في هذه الأيام أفضل الليالي من رمضان، ليالٍ العشر الأخيرة، التي تَعْظُم فيها الهبات، وتنزل الرحمات، وتقال العثرات، وترفع الدرجات، فهل يعقل أن تقضى تلك الليالي في مجالس الجهل واللغو واللهو والزور، وربُ العالمين ينزل فيها (نزولا يليق بجلاله) ليقضي الحوائج، يطلع على المصلين في محاريبهم، قانتين خاشعين، مستغفرين سائلين، داعين مخلصين، يُلحُّون في المسألة، ويرددون دعاءَهم: ربنا ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.

لانت قلوبهم مع سماع القرآن، واشرأبت نفوسهم إلى لقاء الملك العلام، واغرورقت عيونهم من خشية الرحمن، فهل هؤلاء أقرب إلى رحمة الله تعالى وأجدر بعطاياه، أم قوم قضوا ليلهم فيما حرم الله، وفي أذية عباد الله، وغفلوا عن دعائه وسؤاله؟! كم يخسرون زمن الأرباح!! وساء ما عملوا، ما أضعف هممهم، وما أحط نفوسَهم، لا يستطيعون الصبر لياليَ معدودات!!

أيها الإخوة المؤمنون: هذا زمن الربح، وفي تلك الليالي تقضى الحوائج، فعلِّقوا حوائجكم بالله العظيم، فالدعاء من أجلِّ العبادات وأشرفها، والله لا يخيب من دعاه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ * وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ) وآيات الصيام جاء عقبها ذكرُ الدعاء: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) يقول بعض المفسرين: (وفي هذه الآية إيماءٌ إلى أن الصائم مرجو الإجابة، وإلى أن شهر رمضان مرجوة دعواته، وإلى مشروعية الدعاء عند انتهاء كل يوم من رمضان).

والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الدُّعَاءِ)بل إن الله تعالى يغضب إذا لم يُسأل؛ كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (من لم يسأل الله يغضب عليه). ومهما سأل العبد فالله يعطيه أكثر، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاَثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِى الآخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا) قَالُوا: إِذاً نُكْثِرُ. قَالَ: (اللَّهُ أَكْثَرُ). (أَيْ أن اللَّه أَكْثَرُ إِجَابَة مِنْ دُعَائِكُمْ) وإذا دعا العبد ربه استحيا الله منه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن ربكم تبارك وتعالى حييٌ كريم؛ يستحي من العَبْد الْمُسلم إِذا دَعَاهُ أَن يرد يَدَيْهِ صفراً لَيْسَ فيهمَا شَيْء) والدعاء عباد الله يرد القضاء كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر) وفي حديث آخر قال: (الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم -عباد الله- بالدعاء)

أيها الإخوة والأخوات في الله: هذا بعض ما يقال في الدعاء، ونحن في أيام الدعاء، وإن كان الدعاء في كل وقت؛ لكنه في هذه الأيام العشر الأخيرة من رمضان أشد تأكيداً ؛ لشرف الزمان، وكثرة القيام، فاجتهدوا في هذه الأيام الفاضلة؛ فلقد كان نبيكم -صلى الله عليه وسلم- يشد فيها مئزره،(أي يشمّر للعبادة ويجتهد بالسهر في الليل للذكر والصلاة)،  ويُحيي ليله، ويوقظ أهله، كان يقضيها في طاعة الله تعالى؛ إذ فيها ليلة القدر، لو أحيا العبد السنة كلها من أجل إدراكها لما كان ذلك غريباً أو كثيراً؛ لشرفها وفضلها، فكيف لا يُصبِّر العبد نفسه لياليَ معدودة؟  عباد الله: إن أمة الإسلام اليوم في كرب شديد، وضائقة عظيمة، وشدة كبيرة، تمر بأصعب مراحلها وأشق أيامها، تكالبت عليها الأمم، وتداعت عليها الدول، وتآمر عليها الأعداء من كل مكان، أجمعوا كيدهم وأمرهم عليها، إن الكرب في ازدياد، والخطر في اشتعال، والمكر في اجتهاد، وليس لها من دون الله كاشفة، وإن من أمضى الأسلحة، وأقوى أسباب الدفاع، وأحدّ سيوف الفتك هو الدعاء، فليس لنا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه، فيجب علينا كثرة الدعاء، واللجوء إلى الله تعالى مع البعد عن موانع الإجابة. ولنعلم أن الله تعالى مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وإذا كان الله معنا فلو اجتمعت أمم الأرض بأمضى أسلحتها، وأحدث آلاتها، فإن النصر حليفنا، والتوفيق نصيبنا،(إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مّنْ بَعْدِهِ وَعَلَىٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ).. إن أمتنا اليوم يا عباد الله بحاجة شديدة إلى الدعاء، خاصة لأولئك المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها الذين تسلط عليهم الأعداء والطغاة والصهاينة والكفرة والجبابرة والمستكبرون فساموهم سوء العذاب والنكال، وقتلوا رجالهم وشبابهم وأطفالهم ونساءهم، فالله الله أن تلحوا بالدعاء، وتتحروا أوقات الإجابة بالدعاء لهم بالنصر والثبات، كما يجب الدعاء لجنودنا البواسل الذين يرابطون على الحدود ويجاهدون ويقاتلون الأعداء مع أشقائهم في دول مجلس التعاون ودول التحالف العربي،  ونسأل الله تعالى لهم الثبات والنصر على البغاة المعتدين، ولجرحاهم الشفاء، ولمن مات منهم الشهادة. وهذا أقل ما نقدمه لأبنائنا وإخواننا أن نواسيهم بدعائنا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.  فاحرصوا رحمكم الله على الدعاء لأنفسكم وأولادكم وأزواجكم ووالديكم وإخوانكم ووطنكم وولاة أموركم وجنودكم وجيشكم، وللمسلمين جميعاً، أحرصوا على اغتنام هذه العشر، بالطاعة والعبادة والأعمال الصالحة، وأروا الله تعالى من أنفسكم خيراً، فلربما جاهد العبدُ نفسه في هذه الأيام القلائل، فقبل الله تعالى منه، وكتب له سعادة لا يشقى بعدها أبداً، وهي تمرُّ على المجتهدين واللاهين سواءً بسواء؛ لكن أعمالهم تختلف، كما أن المدون في صحائفهم يختلف، فلا يغرنكم الشيطان فتضيع هذه الأيام كما ضاعت مثيلاتها من قبل. اللهم إنا نسألك أن تتقبل منا ما عملناه في هذا الشهر الفضيل من كل فعل جليل، وأن تحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأن تجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وأن تكفر عنا السيئات وتجزل لنا الحسنات، وتجعل حظنا فيه موفوراً وسعينا مشكوراً وأن تجعلنا من الموفقين الذين فرغوا أوقاتهم لعبادتك وطاعتك وهيأت لهم لذيذ المناجاة بصالح الدعوات وخالص الركعات والسجدات برحمتك يا أرحم الراحمين.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، أمر بالدعاء ووعد المؤمنين بالإجابة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.

أما بعد فيا أيها المسلمون: الدعاء دليل إيمان العبد وقوة يقينه بالله تبارك وتعالى ، ودليل على مدى استشعاره لقول ربه، (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ولقول نبيه صلى الله عليه وسلم:(إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ, وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ)وان الدعاء عباد الله كغيره من العبادات، له آداب وشروط وموانع تمنع من حصول أثره، وهنا نذكر بعض الآداب المتعلقة بالدعاء، ونسأل الله تعالى التوفيق والسداد والقبول:أولاً- ليعلم المسلم والمسلمة أن الدعاء شرعه الله تعالى ليعلم عباده أنهم مفتقرون إليه ، محتاجون إلى رحمته وفضله ومنته سبحانه، فإذا صادف الدعاء خشوعاً في القلب، وانكساراً بين يدي الرب، وافتقاراً إليه وتضرعاً ورقة ، كان له عظيم الأثر والنفع… ثانياً- من آداب الدعاء، التماس سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء، فلقد كان عليه الصلاة والسلام، يثني على ربه في الدعاء، وقال لرجل يَدْعُو في صَلاَتِهِ ولَمْ يُمَجِّدِ الله تَعَالَى، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال له:(إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ) ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي في دعائه بجوامع الأدعية التي تجمع بين خيري الدنيا والآخرة فكان يقول : (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وارْحَمْنِي وأهدني وعَافِنِي وارْزُقْنِي وسَدِّدْنِي) وسمعه الصحابة مرة يدعو بدعاء كثير ولم يحفظوه فقالوا يا رَسُولَ اللَّهِ دعوت بِدُعاءٍ كَثِيرٍ لم نَحْفَظ منْهُ شَيْئاً، فقَالَ : (أَلا أَدُلُّكُم على ما يَجْمَعُ ذَلكَ كُلَّهُ ؟ تَقُولُوا : (اللَّهُمَّ إِنِّانسْأَلُك مِن خَيرِ ما سأَلَكَ مِنْهُ نبيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، ونعُوذُ بِكَ من شَرِّ ما اسْتَعاذَك مِنْهُ نَبيُّكَ مُحمَّدٌ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وَأَنْتَ المُسْتَعَانُ، وعليْكَ البلاغُ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ). ثالثاً: من الأمور المؤثرة في الدعاء، طيب المطعم! نعم طيب المطعم.فقد روي أن الصحابي سعد بن أبي وقاص  رضي الله عنه: جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أدع لي أن تجاب دعوتي، فقال صلى الله عليه وسلم: ياسعد أطب مطعمك تجب دعوتك ، أطب مطعمك تجب دعوتك… وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ، فَقَالَ : (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) وَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ : يَا رَبِّ يَا رَبِّ ؛ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ؛ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ؟! فاحذروا الحرام عباد الله، وطيّبوا مكاسبكم،تستجب دعواتكم.

رابعاً: ومن الآداب، الإلحاح في الدعاء وعدم استعجال الإجابة، وليعلم المسلم أنه رابح في جميع الحالات، فإما إجابة الدعاء، أو دفع السوء والبلاء، أو ادخارها عند الرب الكريم الواسع العطاء..يقول عليه الصلاة والسلام:(لا يَزالُ يُسْتَجَابُ لِلعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ، أَوْ قَطيعَةِ رحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ،قيل : يَا رسولَ اللهِ مَا الاستعجال ؟ قَالَ:( يقول :قَدْ دَعوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أرَ يسْتَجِب لي، فَيَسْتحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ) يستحسر :أي ينقطع عن الدعاء… خامساً: اغتنم أيها المسلم، أوقات إجابة الدعاء، في الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبة، وآخر ساعة بعد العصر يوم الجمعة ،وفي شهر رمضان وفي الأوتار من لياليه وفي ليلة القدر خاصة، وغيرها من الأوقات الفاضلة…

أَلا فاتقوا الله عباد الله وادعُوا اللهَ مُوقِنِينَ، والجئوا إِلى الرَّحِيمِ مُستَسلِمِينَ، وَارغَبُوا إِلى الكَرِيمِ مُخلِصِينَ، اُدعُوا دُعَاءَ المُضطَّرِّينَ، وَأَلِحُّوا إِلحَاحَ المُحتَاجِينَ، فَوَاللهِ لا غِنى لَكُم عَن رَبِّكُم طَرفَةَ عَينٍ! (أَمَّن يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكشِفُ السُّوءَ وَيَجعَلُكُم خُلَفَاءَ الأَرضِ، أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ، قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)

اللهم إنا نسألك في هذا اليوم المبارك أن لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، وَلاَ غَائِباً إِلاَّ حَفِظْتَهُ وَرَدَدْتَّهُ، وَلاَ عَدُوّاً إِلاَّ أَهْلَكْتَهُ، وَلاَ طَاغِيَةً إِلاَّ قَصَمْتَهُ، وَلاَ مَظْلُوماً إِلاَّ أَيَّدْتَهُ، وَلاَ ظَالِماً إِلاَّ خَذَلْتَهُ، وَلاَ عَسِيراً إِلاَّ يَسَّرْتَهُ، وَلاَ وَلَداً إِلاَّ أَصْلَحْتَهُ،ولا والداً إلا رحمته،  وَلاَ عَيْباً إِلاَّ سَتَرْتَهُ،ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا وذرية صالحة وهبته، وَلاَ حَاجَةً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ هِيَ لَكَ رِضاً وَلَنا فِيها صَلاَحٌ إِلاَّ أَعَنْتَنا عَلَى قَضَائِهَا وَيَسَّرْتَهَا لَنا، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللهم أطفأ نار الفتن والمصائب والخلافات والمنازعات بين المسلمين وأخرجهم من هذه المحن والنكبات، وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم، وردنا وإياهم إليك رداً صحيحاً جميلاً يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم آمنا في وطننا، وأجعله آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين. اللهم جنبنا الشرور والفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن، وأنعم علينا بالأمن والأمان والخير والرخاء والعزة والمنعة يا رب العالمين. اللهم وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا ذا الجلال والإكرام.. اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء…اللهم أحفظ بلادنا البحرين من كل سوء ومكروه،  وأدم علينا نعمة الأمن والإيمان والاستقرار،وألف بين قلوبنا رعاة ورعية، وجنبنا كل ما يؤدي إلى تباعد القلوب وتباغضها، اللهم اجمع كلمتنا على الحق، وأطفئ مشاعل الفتنة، وسد مسارب الفوضى، واجعلنا صفاً واحداً على كل من أراد الشر لبلادنا يا أرحم الراحمين.اللهم كن لإخواننا المستضعفين ناصراً ومؤيداً، اللهم كن لهم في فلسطين وفي  سوريا، وفي اليمن وفي العراق وفي كل مكان، اللهم أصلح أحوالهم، وفرج همهم ونفس كربهم،واحقن دمائهم،وحقق آمالهم، وألف بين قلوبهم، ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلا. اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير..

اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين… عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.

خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين