الجمعة 5 رمضان 1440 هـ

الموافق 10 مايو 2019 م

الحمد لله الذي فاضلَ بين الأيام والشهور، وجعلَ شهرَ رمضانَ محلاًّ لأعظم العبادات ومربَحاً لأجزَل الأجور، نحمدُه تعالى ونشكرُه، ونتوبُ إليه ونستغفِرُه، فهو الرحيمُ العفوُّ الغفور، وهو الكريمُ الجوَادُ الشَّكور، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً نرجو بها النجاةَ يوم النُّشور، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبدُ الله ورسولُه خيرُ البرية في كل العُصور، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأزواجه وأصحابِه والتابعين لهم بإحسان، ما هلَّت أهِلَّةٌ واستدارَت بُدور.

أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)

معاشر المسلمين: في دينِنا الإسلامي الحنيف، شرائِعُ مُحكَمة، لتحقيقِ التكافُل بين أبناءِ الأمة، وتنشِئةِ النفوسِ على فعلِ الخير، وإسداءِ المعروف، والوعد على ذلك بعظيمِ الأجر وجزيلِ الثوابِ. وشهرُ رمضان المُبارَك، هو شهرُ البذل والجُود والكرم والمُواساة. والحديثُ عن الجُود في شهرِ الجُود حديثٌ لا ينقضِي منه العجَب وكيف ينقضِي منه العجَب ونبيُّ الجُود عليه الصلاة والسلام  جُودُه كالريحِ المُرسَلة وهو أجوَدُ ما يكونُ في شهرِ رمضان.

إن هديه صلى الله عليه وسلم أكمل الهدي وأزكاه في كل شيء، يقول أهل العلم رحمهم الله، وهم يصفون هديه صلى الله عليه وسلم، في الصدقة والإحسان والجود والكرم: كَانَ  صلى الله عليه وسلم  أَعْظَمَ النَّاسِ صَدَقَةً بِمَا مَلَكَتْ يَدُهُ، وَكَانَ لَا يَسْتَكْثِرُ شَيْئاً أَعْطَاهُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَسْتَقِلُّهُ، وَكَانَ لَا يَسْأَلُهُ أَحَدٌ شَيْئاً عِنْدَهُ إِلَّا أَعْطَاهُ، قَلِيلاً كَانَ أَوْ كَثِيراً، وَكَانَ عَطَاؤُهُ عَطَاءَ مَنْ لَا يَخَافُ الْفَقْرَ، وَكَانَ الْعَطَاءُ وَالصَّدَقَةُ أَحَبَّ شَيْءٍ إِلَيْهِ، وَكَانَ سُرُورُهُ وَفَرَحُهُ بِمَا يُعْطِيهِ أَعْظَمَ مِنْ سُرُورِ الْآخِذِ بِمَا يَأْخُذُهُ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، يَمِينُهُ كَالرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ، وَكَانَ إِذَا عَرَضَ لَهُ مُحْتَاجٌ آثَرَهُ عَلَى نَفْسِهِ، تَارَةً بِطَعَامِهِ، وَتَارَةً بِلِبَاسِهِ، وَكَانَ يُنَوِّعُ فِي أَصْنَافِ عَطَائِهِ وَصَدَقَتِهِ فَتَارَةً بِالْهِبَةِ وَتَارَةً بِالصَّدَقَةِ، وَتَارَةً بِالْهَدِيَّةِ، وَتَارَةً بِشِرَاءِ الشَّيْءِ ثُمَّ يُعْطِي الْبَائِعَ الثَّمَنَ وَالسِّلْعَةَ جَمِيعاً، وَتَارَةً كَانَ يَقْتَرِضُ الشَّيْءَ فَيَرُدُّ أَكْثَرَ مِنْهُ وَأَفْضَلَ وَأَكْبَرَ، وكان َيَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ، وَيَحُضُّ عَلَيْهَا وَيَدْعُو إِلَيْهَا بِحَالِهِ وَقَوْلِهِ، فَإِذَا رَآهُ الْبَخِيلُ الشَّحِيحُ دَعَاهُ حَالُهُ إِلَى الْبَذْلِ وَالْعَطَاءِ، إلى أن قالوا رحمهم الله: إذا فهمم ما تقدم من أخلاقه صلى الله عليه وسلم فينبغي على الأمة التأسي والاقتداء به صلى الله عليه وسلم في  الصدقة والسخاء والكرم والجود والإكثارُ من ذلك في شهر رمضان لحاجة الناس فيه إلى البر والإحسان ولشرف الزمان ومضاعفة أجر العامل فيه)

أيها المؤمنون: ليس الجُودُ بذلَ المال فحسب؛ بل هو أوسعُ وأشملُ؛ فالجُودُ والكرمُ والسخاءُ كلماتٌ يُفسِّرُ بعضُها بعضاً، ويدلُّ بعضُها على بعضٍ. كلماتٌ كريماتٌ تُطلَقُ على كل ما يُحمَدُ من أنواعِ الخير والشرفِ والعطاءِ.. يقول بعضُ أهل العلم: (الكرمُ اسمٌ واقعٌ على كل أنواعِ الفضائل، ولفظٌ جامعٌ لمعاني السماحةِ والبذلِ والنوائِلِ)… الكرمُ  أيها الصائِمون الكرام، والجُودُ  أيها القائِمون الأجواد، مفهومٌ واسِع، يكونُ العبدُ كريماً مع ربِّه بصلاحِ العقيدةِ، وإحسانِ العبادة،وتجريدِ الإخلاص… وكريماً مع نبيِّه محمدٍ  صلى الله عليه وسلم  بحُسن الاقتِداء والمُتابعَة والحبِّ والتوقيرِ، وكريماً مع نفسِه، يضعُها في مواضِع النُّبلِ والشرفِ والعزَّة، وإبعادِها عن مواطِنِ الذلِّ والمهانة، وكريماً مع أهلِه وأقارِبِه ومع الناسِ أجمعين، يُحسِنُ المعاملةَ والبذلَ والبرَّ والتحمُّل؛ فمن ضحَّى براحةِ جسمِه وبذلَها في مصالِح الناسِ ومصالِحِ إخوانِه، فقد بذلَ غايةَ الكرم. ومن صرفَ الأوقاتَ في خدمةِ الفقراء والمساكين والمُحتاجِين فهو الجوادُ الكريم… ومن بذلَ جاهَهُ في سبيلِ الخير، والشفاعة الحسنة، ونُصرة المظلُوم، ورفعِ المظالِم، وإعانةِ الضعيفِ، ومشَى مع الضُّعفاءِ لذوِي السلطان والجاهِ فهو الكريم. ومن أسقطَ دَينَه الذي على أخيه، وأبرأَ ذمَّتَه، فهذا غايةُ الجُود. ناهِيكم بسخاءِ النفسِ، بسُمُوِّ أخلاقها بِشراً وتبسُّماً، وصبراً، ورفقًاً، وعفواً، وتحمُّلاً، وبُعداً عن الحسَد والغلِّ والشَّحناء. شِعارُه ودِثارُه: حبَّ لأخيكَ ما تُحبُّ لنفسِك. يفرحُ لفرح إخوانه، ويحزَنُ لحزنهم، ويتعفَّفُ عما في أيدِيهم.

كرمٌ في المال وبذلِه، وكرمٌ في العلم ونشرِه، وكرمٌ في النصيحةِ وتقديمِها، وكرمٌ في النفسِ وجاهِها، وأكرمُ الكرمِ حُسن الخُلُق.

معاشر الصائِمين القائِمين: الكرمُ والجُودُ والسخاءُ صفاتٌ تحمِلُ صاحبَها على بذلِ الخير من غيرِ منٍّ، يقول الإمام جعفرُ بن محمد الصادقُ رضي الله عنه وعن آبائِه: (إن لله وُجوهاً من خلقِه، خلقَهم لقضاءِ حوائِجِ عبادِه، يرَون الجُودَ مجداً، والإفضالَ مغنَماً، والله يُحبُّ مكارِمَ الأخلاق)

أيها الأخوة والأخوات في الله: الكرمُ والجُودُ والبذلُ والعطاءُ من حُسن إسلامِ المرء، ومن كمالِ إيمانِه، ودليلٌ على حُسن الظنِّ بالله.

ومن فقهِ بعضِ الصالِحين قولُه: (إنني أسألُ الجنةَ لإخوانِي في صلاتِي، أفأبخلُ عليهم في صِلاتي؟. ويقول الإمام عبدُ الله بن جعفر رضي الله عنه: (أمطِر المعروفَ مطراً؛ فإن أصابَ الكرامَ كانوا له أهلاً، وإن أصابَ اللِّئامَ كنتَ له أهلاً، ومن أكرمكَ فأكرِمه، ومن استخفَّ بك فأكرِم نفسَك بالكفِّ عنه).

ويقولُ الإمام عليٌّ  رضي الله عنه: (إذا أقبلَت عليك الدنيا فأنفِق، فإنها لا تفنَى، وإذا أدبرَت فأنفِق، فإنها لا تبقَى، وأنت للمالِ إذا أمسكتَه، والمالُ لك إذا أنفقتَه، وكرمُ الرجلِ يُحبِّبُه إلى عُبَّاده، وبُخلُه يُبغِّضُه إلى أولادِه، ومن جادَ سادَ، والجُودُ حارِسُ الأعراض).

أيها المؤمنون: ويتجلَّى الكرمُ والجود ويتبيَّنُ في الهيئةِ والحالِ التي يكونُ عليها الكريمُ، من الحِرصِ على السريَّة في الإنفاق، واستِصغارِ ما يبذُل، والمُبادرةِ وعدم التباطؤ، وتجنُّب المنِّ، مع ما تقرُّ به النفسُ من التلذُّذ بالإعطاءِ والسهولةِ في البذل، مع التواضُع وفتح الأبواب أمام أصحابِ الحوائِج، وتخيُّر الألفاظ والأساليبِ التي تحفظُ الكرامةَ للسائلِين. ناهِيكم بمن تسمُو به نفسُه، ويرقَى به سخاؤُه وكرمُه، ليرى أن الفضلَ والمنَّ لصاحبِ الحاجة وطالِبِ المعروف، فهذا من نوادِر الرجال وغرائِبِ الكرام، ثم يترقَّى ويترقَّى ليصِلَ إلى مرتبة الإيثارِ وتقديمِ حاجةِ غيرِه على حاجةِ نفسِه، أولئك أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، الذين قال الله عنهم (ويُؤثِرُون على أنفُسِهم ولو كان بهم خصَاصَة،  وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)

وفي كلمةٍ جامعةٍ: السخاءُ أن تكون بمالِك مُتبرِّعاً، وعما في يدِ غيرِك مُتورِّعاً.

وفي المُقابِل  حفِظَكم الله، وبارَك لكم فيما آتاكم،  فليحذَر السخِيُّ النبيلُ أن تكون المهانةُ طريقًاً إلى سخائِه، والخوفُ سبيلاً إلى عطائِه، وليكُن جُودُه كرماً ورغبَة، لا لُؤماً ورهبَة. وقد قالوا: (لا تكُن مثلَ الصائِد يُلقِي الحَبَّ للطائِر وهو لا يُريدُ نفعَه، بل يُريدُ نفعَ نفسه. ولهذا قال الإمام عليٌّ رضي الله عنه: (السخاءُ ما كان ابتِداءً، فأما ما كان عن مسألةٍ فحياءٌ وتذمُّم).

أيها المسلمون والمسلمات: هذا الشهرُ الكريمُ هو شهرُ البذلِ والجُودِ والإحسانِ، فإن مشاهِدَ الفُقراءَ والمساكين والمُحتاجين واليتامَى والأيامَى تستثيرُ في نفسِ المُؤمن جَذوَة الإيمان، وتُثيرُ مشاعِرَ العطف فلا يهدَأُ بالُ المُؤمن ولا تستقِرُّ نفسُه حتى يذهبَ ما بهم من حاجة، ويرتفِعَ ما حلَّ بهم من عَوَز. وبمثلِ هذا كانت دعوةُ دينِنا إلى التنافُسِ في الخيرات والتسابُقِ إلى المكرُمات.

معاشر الصائِمين الكُرماء: عملُ الأجواد الأسخِياء هو بعَون الله، اليدُ الحانِية التي يسُوقُها المولَى  جل وعلا ، لتمتدّ بالعون والمساعدة والبذل للمحتاجين داخل الوطن أولاً، وتجُوبَ كل قُطر منكوب ثانياً، لتمسَحَ دموعَ اليتامَى، وتُبدِّدَ أحزانَ الثَّكالَى، وتُبدِّدَ مآسِي الأرامل، وترعَى الأطفال، وتحنُو على المُشرَّدين والمنكُوبين، وتُعالِجَ المرضَى، وتنشُرَ العلمَ في الجاهِلين، في فلسطين، وفي ديار الشام، وفي اليمَن، وفي أماكن أُخرى منكوبة خارج الوطن.

نعم، أيها الأجواد، أخلفَ الله عليكم ما زكيتم وتصدقتم  وأنفقتُم.. كم للحروب والمحن والفتن من ضحايا؟! وكم للصيفِ اللاهِبِ، أو الشتاء القارص من رزايا؟! وكم للفقرِ من أنيابِ؟! وكم للتشريدِ والتهجيرِ من مآسٍ؟! وكم للظُّلم من مُعدَمين؟! فيأتي الإخوةُ الخيِّرُون الكرام المُنتشِرون برجالِهم ونسائِهم ومُؤسَّساتهم وجمعياتهم الخيرية، ليحمِلُوا  بعون الله تعالى  الفرجَ بعد الشدَّة، والسُّرورَ بعد الحزَن، والبسمةَ بعد الدمعة، في لمسةٍ حانِية، ويدٍ مُشفِقة، وتصرُّفٍ كريمٍ، ليُنسُوهم قسوةَ الأيام الضارِية. فهنيئاً لهم ما بذَلُوا، وهنيئاً لهم ما يرجُون من البرِّ الكريم،  (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) وبعدُ، عباد الله، فالبذلُ مع السماحةِ دليلٌ على صفاء النفسِ، ونقاءِ السَّريرة، وطِيبِ المعدَن، والخلقُ كلُّهم عِيالُ الله، وأحبُّ الخلقِ إليه أنفعُهم لعِياله. ولا تستقِلَّ يا عبد الله إعطاءَ القليل، فالحِرمانُ أقلُّ منه، ولا تستكثِر إعطاءَ الكثير، فأنت أكثرُ منه.

والبذلُ واسعٌ حفِظَكم الله في إخلاصٍ ورحمةٍ، يغسِلُ الذنوبَ، ويمحُو الخطايا، وصنائِعُ المعروف تقِي مصارِعَ السُّوء، وصدقةُ السرِّ تُطفِئُ غضبَ الربِّ، وصِلةُ الرَّحِم تزيدُ العُمر، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) اللهم أخلف على المزكين والمتصدقين والمنفقين نفقاتهم، وأدخلهم الجنة مع الأبرار.

نفعَني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، وأقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل ذنبٍ فاستغفِروه، إنه هو الغفورُ الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الكريم الودود، والملك المعبود، المعروف بالكرم والجود، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: إن الجود والإحسان والبر والصدقة، من خصائص هذا الشهر الكريم، فهو شهر المسارعة إلى الخيرات والجود والكرم والإنفاق والبذل والمواساة وسد الحاجات.. ولقد كان إمام الأئمة صلوات ربي وسلامه عليه، أولَ السابقين إلى تلك الأبواب بمعناها الشامل الذي لا يقتصر على بذل المال فقط.

وكان جوده صلى الله عليه وسلم يتضاعف في شهر رمضان على غيره من الشهور، كما أن جود ربه قبل ذلك يتضاعف فيه أيضاً.

وفي تضاعف جوده صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان بخصوصه فوائد كثيرة منها: شرف الزمان، ومضاعفة أجر العمل فيه، (فقد سُئل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أيُّ الصَّدقةِ أفضلُ؟ فقال صدقةٌ في رمضانَ)

ومنها إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعاتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم، ومنها أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، لاسيما في ليلة القدر والله تعالى يرحم من عباده الرحماء. فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل، ومنها أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة ومنها أن الصيام لا بد أن يقع فيه خلل أو نقص، وتكفير الصيام للذنوب مشروط بالتحفظ مما ينبغي التحفظ منه، ولهذا وجب في آخر شهر رمضان زكاة الفطر، طهرة للصائم من اللغو والرفث، وشكر الله على نعمه وإتمام الصيام.

(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)

أيها الأخوة والأخوات في الله: وإذا ما ذكرنا الجود والكرم، فإننا لا ننسى أن نشكر أهل الجود والكرم والإحسان،( فلا يشكر الناس من لا يشكر الله) لذا فإننا نتقدم بالشكر والتقدير والامتنان، لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، لتوجيهاته السديدة للمؤسسة الخيرية الملكية برئاسة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة رئيس مجلس أمناء المؤسسة، وأمره كعادته السنوية بصرف المكرمة الرمضانية للأيتام والأرامل وجميع الأسر المنتسبة إلى المؤسسة بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، وذلك حرصاً من جلالته للتخفيف من أعباء الحياة المعيشية على الأسر المحتاجة، وإعانتهم على مواجهة الأعباء المادية، وتوفير احتياجاتهم ومستلزماتهم للشهر الكريم، بما يضمن لهم حياة كريمة وآمنة ومستقرة.. والشكر موصول أيضاً  لسمو رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة لما يقدمه من عطاء وبر وإحسان لصالح الوطن والمواطنين، واهتمامه في هذه المناسبة الكريمة بتوزيع المعونات والاحتياجات الرمضانية للتخفيف عن الأسر المتعففة وذوي الدخل المحدود في هذا الشهر الفضيل.. نسأل الله عز وجل أن يجزيهم على ذلك خير الجزاء، وأن يجزي كل غني ومحسن، وكل من أنفق وتصدق وزكى من ماله خيراً، وأن يبارك لهم في أموالهم وفي صحتهم وفي أولادهم وفي أزواجهم وفي أعمارهم، وأن يوفقهم إلى مافيه الخير لوطنهم ومواطنيهم إنه سميع مجيب الدعاء. اللهم كما وفقتنا لإدراك شهر رمضان، فوفقنا فيه لاغتنام صالح الأعمال، واجعلنا فيه من المقبولين، ومن عتقائك من النار يارب العالمين، اللهم واجعلنا من المخصوصين فيه بالخيرات والبركات، وارفع لنا بصيامه وقيامه عندك الدرجات، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في وطننا، ووفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين..

اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا وأمننا وجيوشنا بسوء وشر وفتنة فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل اللهم تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء… اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، ناصراً ومؤيداً.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوالهم في فلسطين، وفي بلاد الشام، وفي اليمن، وفي مصر، وفي الجزائر وفي السودان وفي ليبيا وفي كل مكان، اللهم ألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم، ووحد صفوفهم، وولي عليهم خيارهم، وأصرف عنهم شرارهم، يا سميع الدعاء.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، وارحم الله موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين…

عِبَادَ الْلَّهِ: (إِنَّ الْلَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِيْ الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ). فَاذْكُرُوْا الْلَّهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيْمُ الْجَلِيْلِ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَىَ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ الْلَّهِ أَكْبَرُ، وَالْلَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُوْنَ وَيَغْفِرْ الْلَّهَ لِيَ وَلَكُمْ.

    خطبة جامع الفاتح الإسلامي- عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين