الجمعة 29 رجب 1440 هـ

الموافق 5 أبريل 2019 م

الحمد لله الجواد الكريم الشكور الحليم، أسبغ على عباده النعم ودفع عنهم النقم وهو البر الرحيم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى الكريم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: الشائعات من وسائل الحروب والتدمير، قديماً وحديثاً، وهي من أخطر الأسلحة، ومن أقوى وسائل التدمير المعنوي والمادي، للأفراد والمجتمعات والجماعات والشعوب…  والشائعة هي نقل خبر مكذوب، أو فيه جزء من الصحة، فيضاف إليه ما ليس فيه، وقد تكون الشائعة عبارة عن تهويل الأحداث، وتضخيم الوقائع، واختلاق الأخبار، ونقلها بين الناس ونشرها بين أوساط المجتمع، بقصد نشر الفوضى، وإثارة الأحقاد، وتفريق الصف، أو الانتقام من شخص أو فئة أو جماعة، وقد يكون سبب نشرها تحطيم الروح المعنوية، وبث الرعب وزرع الخوف، والشائعة لا تنتشر في أمة من الأمم إلا مزقتها  وفرقت أبنائها، وقضت على مقدراتها، ولا في مجتمع إلا أضعفته، ولا في  بيت إلا دمرته، بسببها دُمِّرت الحياة الزوجية، وبسببها حلّت البغضاء والشحناء والعداوات بين الناس، وبسببها سُفِكَت الدماء وانتُهكَت الأعراض، وقامت الحروب وهُزِمَت الجيوش، وتوقّف الإنتاج، وشاع الظلم، وذهب الأمن، وتفكّكت روابط المجتمع، وضعفت الثقة بين أفراده… وهي مصدر قلقٍ للإنسان، وقد تكون من أسباب تعاسته وشقائه.. تنتشر الشائعة بين الناس بسرعة مذهلة، ويتناقلونها دون تفكير أو روية.. خطرها كبير، وآثارها مدمرة، لذلك وقف الإسلام منها موقفاً قوياً وحاسماً، فحذر منها وبين آثارها، وأمر بحفظ اللسان، ونهى المسلم عن الكذب، وقول الزور، وحذر من الغيبة والنميمة، والقيل والقال، وأمر بالتثبت من الأقوال والأخبار، وعدم التسرُّع في نشرها، بل شرع الحدود التي تحفظ للإنسان دمه وماله وعرضه، ورتب على ذلك كله بما أعده الله لعباده في الدار الآخرة من أجر وثواب أو من حساب وعقاب.. يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) و يقول سبحانه: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) فلا شك إن استشعار أمانة الكلمة، وأن المرء مسئول عنها من أهم دوافع التثبت والتحرز قبل نقل أي حديث أو معلومة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْماً أَنْ يُحَدِّث بِكُلِّ مَا سَمِعَ) ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن أَرْبَى الرِّبَا، اسْتِطَالَةُ الرَّجُلِ فِي عِرْضِ أَخِيهِ) ويقول عليه الصلاة والسلام: (يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ: لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِع اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، يَفْضَحْهُ ولو فِي جوف بَيْتِهِ)

أيها المؤمنون:الشائعات في المجتمع المسلم، تعتبر سلاح المرجفين، وبضاعة المفلسين، وسلوك المنافقين، وهي حرب قديمة، فهذا نوحٌ عليه السلام اتُّهِم بإشاعة مِن قومه، بأنه يُريد أن يتفضَّل عليهم؛ أي: يتزعَّم ويتأمَّر، ثم يُشاع عنه أنَّه ضال؛ (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) وثالثة يُشاع عنه الجُنون؛ (وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِر) وهذا نبيُّ الله هود عليه السلام، يُشاع عنه الطيْش والخِفَّة، كما قال تعالى: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) وهذا موسى عليه السلام، يَحمِل دعوةَ ربه إلى فرعون وملئِه وقومه، فيملأ فِرعون سماءَ مصر، ويُسمِّم الأجواء من حوله بما يُطلق عليه مِن شائعات، فيقول: (إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ، يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ) وهذا عيسى عليه السلام، تشكك الشائعات المغرضة فيه وفي أمه الصديقة: (يا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْء، وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً) ويوسف عليه السلام، نموذج من نماذج الطهر والنقاء ضد الشائعات المغرضة التي تمس العرض والشرف، (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوء وَالْفَحْشَاء، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)

ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، تعرّض لحرب الشائعات في دينه وشخصه وعرضه؛ فقالوا عنه شاعر وكاهن، وساحر ومجنون، وأشاعوا بين العرب هذه الأوصاف، ونشروا أتباعهم في الطرقات يصدون الناس عن دين الله، وينفقون الأموال، وفي المدينة المنورة تزعم المنافقون بث الشائعات، والطعن في الدين، وتفريق الصف المسلم وتخذيله وإضعافه؛ بل فعلوا أكثر من ذلك وأشاعوا حادثة الإفك والطعن في عرض السيدة الطاهرة عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين، وأحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تكفل الله تعالى ببراءتها في آيات تُتْلى إلى يوم القيامة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفك عُصْبَةٌ مِنْكُمْ، لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإثمِ، وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) ويكفي من مكانة الصديقة عائشة رضي الله عنها، أنّ الله لما ذكر مقالة الناس فيها سبّح نفسه فقال: (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) وهكذا في كل زمان ومكان تجد أن الشائعة، واختلاق الأكاذيب، ونقل الأخبار غير الصحيحة، وتصوير الأمور على غير حقيقتها، أصبح سلوكاً يتصف أصحابه بالضعف، وخبث النفس، وقلة الحياء، وانعدام المروءة، وخساسة الهمة، ولؤم الطباع، قال تعالى: (لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً، مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا) وفي معركةِ أُحد عندَما أشاع الكفَّارُ أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قد قُتِل، ضعفت الروح المعنوية للمسلمين، حتى إنَّ بعضهم ألْقَى السلاح وترَك القتال.. وفي حمراء الأسد، بعْدَ غزوة أُحد مباشرةً، تأتي الشائعة أن قريشاً قد أعدّت جيشاً عظيماً لمهاجمة المدينة المنورة، واستئصال الإسلام وأهله، فثبت المسلمون بإيمانهم، وثقتهم بربهم سبحانه وتعالى الذي صور هذا الموقف فقال تبارك وتعالى : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ، وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيم)

عباد الله: وإذا كانت الشائعة قديماً تنتشر وتأتي بمفعولها، وتصل إلى أعداد من الناس بعد فترات طويلة، وتتأثر بالبيئة والمكان، وأعداد الناس الذين سمعوها وتناقلوها؛ فإن الشائعات اليوم مع الأسف تنتشر بسرعة فائقة، تفوق سرعة الصوت، وسرعة الضوء، ويكون انتشارها على مدى واسع وفي وقتٍ قياسي، وذلك بسبب الاتصالات الحديثة وشبكة الإنترنت وشبكة الهاتف الجوال، والقنوات الفضائية، والصحف والمجلات.. وكم من أخبارٍ كاذبةٍ، ومعلوماتٍ خاطئة، واتهاماتٍ باطلة، وشائعاتٍ مغرضة، تُنشَر في هذه الوسائل، ضد أفرادٍ أو مجتمعاتٍ أو جماعات أو شعوبٍ أو دول، ومع ذلك، تجد الكثير لا يتثبّت، ولا يتحرّى الصدق، ولا يتأنّى، ولا يخاف الله، بل يُشارك في نقلها، ولا يُدرِك أن ناقل الكذب والمروِّج له، سواءً عَلِمَ أو شكّ أنه كذب، أو أذاعه من دون تثبُّت ولا تمحيص هو أحد الكاذبين، لأنه مُعينٌ على الشرّ والعدوان، ناشرٌ للإثم والظلم، يقول صلى الله عليه وسلم: (بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا) وذلك لنشره للأخبار، دون تثبُّت أو فحصٍ وتأكد، ودون مراعاةٍ للمصالح والمفاسد من وراء ذلك؛ بل هو الخوض في أعراض الناس ودمائهم وأموالهم والتحريض عليهم، والذي سيندم أصحابه يوم القيامة وهم يسألون عن سبب وجودهم في النار فيجيبون كما أخبر تعالى: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ، حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ، فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) وقال صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه: (أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمُ؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ للْبُرَآءِ الْعَنَتَ) أي الذين يُريدون للأطهار البرؤاء المشقة والفساد، وتلطيخ السمعة والحال.

أيها الأخوة والأخوات في الله: ينبغي أن ندرك خطورة الشائعات، ونقل الكلام دون تثبُّت، في تدمير العلاقات، وتأجيج الخلافات، وافتعال الأزمات، بل يتعدّى خطرها إلى حياة المجتمعات والشعوب والأوطان، وعلى أثرها قد تتعطّل المصالح وتفسد الحياة… وعلى المسلم أن يُحسِن الظن بإخوانه، وأن لا يتحدّث بكل ما سمعه ولا ينشره، فإن المسلمين لو لم يتكلموا بمثل هذه الشائعات لماتت في مهدها ولم تجد من يُحيّيها. وقد تكون بعض الشائعات حقائق أو أخطاء وقع فيها أفراد أو مجتمع أو مؤسسات، وهنا يظهر المسلم الحق الذي ينظر إلى المصالح والمفاسد والخير والشرّ، ويرد الأمر، ويسأل عنه أصحاب الرأي والمشورة والحكمة والإيمان والتقوى، يقول تعالى: (وإذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ، ولَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وإلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ، ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إلاَّ قَلِيلاً) وعلى المسلم أن يوثق صلته بربه، فيُدرك أنه ما من شيءٍ يقع في الأرض ولا في السماء إلا بأمره وإرادته، فهو يأوي إلى ركنٍ عظيم، فلا ترهبه الشائعات، ولا تُخيفه الأقاويل، ولا تُضعفه الأكاذيب والافتراءات… وعلى المسلم أن يتذكر موقفه بين يدي الله عز وجل يوم القيامة، عندما يفصل بين العباد ويقتص للمظلوم من الظالم. وأي ظلمٍ أعظم من افتراء الكذب على الناس ونقله من مكانٍ لآخر، قال تعالى: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ، أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ) فاللهم بيّض وجوهنا يوم تبيّضُ وجوهٌ وتسودُّ وجوه..

اللهم طهّر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور يا سميع الدعاء.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: نحمد الله تبارك وتعالى على أن مد في أعمارنا، وأنعم علينا حتى أظلنا شهر شعبان، ونسأل الله تعالى أن يبلغنا بفضله  وكرمه شهر رمضان، وشهر شعبان من الأشهر القليلة التي يهتم بها المسلمون الآن، أما سلفنا الصالح فكانوا يهتمون به، بصومه والإكثار من الصدقة والذكر وقراءة القرآن فيه وغير ذلك  من العبادات والطاعات المشروعة ليحصل التأهب والاستعداد لتلقي رمضان، وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن. فينبغي للمسلم ـ شكراً لنعمة الله عليه ــ اغتنام هذه الأيام الفاضلة، والأوقات الشريفة، بالأعمال الصالحة، وأن يضع في ميزان أعماله اليوم  ما يسره أن يراه فيه غداً  مخلصاً لله تبارك وتعالى، متأسياً فيها برسول الله صلي الله عليه وسلم. الذي كان من هديه الإكثار من الصيام في هذا الشهر، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم فِي شَـهْرٍ أَكْثَرَ صـِيَاماً مِنْهُ فِي شـَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُهُ إِلا قَلِيلاً، بَلْ كَانَ يَصُـومُهُ كُلَّهُ) والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الصوم تطوعاً في شعبان وغيِرِه، وكان صيامه في شعبان أكثر من أي شـهر في العام خلاف رمضان طبعاً بل إنه في بعض السنوات كان يصوم شعبان كله، فعن أم سلمه رضي الله عنها قالت: (أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ مِنْ السَّنَةِ شَهْراً تَامّاً يُعْلَمُ، إِلا شَعْبَانَ يَصِلُ بِهِ رَمَضَان)

وقد ذكر بعض أهل العلم الحكمة في إكثاره صلى الله عليه وسلم من صوم شعبان حيث ورد على لسان أُسَامَةُ بْن زَيْدٍ رضي الله عنه قال:(قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْراً مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى الله رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)

فينبغي للمسلم ويستحب في حق من يطيق الصيام أن يبادر باغتنام هذه الأيام الفاضلة.

عباد الله: شهر شعبان شهر عظيم، فيه يوم فيه مزية على كل أيام العام، وهو ليلة النصف من شعبان، ليلة النصف من شعبان صحت فيها فضيلة، ولم تصح فيها فضائل أخر ذكرت في كتب السير، ونقلت في كتب الحديث وفي كتب الفقه، لكن الثابت والصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم-فقط في ذلك كما ذكر المحققون- أنه قال: (إِنَّ اللهَ يَطَّلِعُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِخَلْقِهِ جَمِيعاً إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ) إن الشرك والشحناء والبغضاء، التي قد ترد على القلوب، وقد تصل إلى الجوارح والأفعال والألسنة، يجب نبذها وتركها ومحذرتها والتوبة منها، حتى لا نكون محرومين من هذا الفضل والأجر والثواب، فأيكم يحب أن يكون من المحرومين ولا يرضى لنفسه أن يكون من المرحومين؟ من رضي لنفسه الحرمان فهو شقي، ومن نبذ ذلك من نفسه راضياً مرضياً، وهادياً مهدياً، وقاضياً بعظيم الرجاء وبكثير الرغبة بما عند الله تعالى من الثواب، فله الرحمة وله الرضا، فالشرك بالله من محبطات الأعمال، يقول تعالى: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ، وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيماً) والحقد والبغضاء من أعمال الجاهلية، فقلب المسلم ونفسه لا تعرف الحقد والشحناء والبغضاء، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم، (بَيَّنَ، أَنَّ مَخْمُومَ الْقَلْبِ هُوَ الَّذِي لَا حِقْدَ وَلَا غِلَّ وَلَا غِشَّ فيه) نسأل الله العظيم أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح واستغلال الأوقات فيما يرضيه سبحانه إنه ولي ذلك والقادر عليه… اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها،اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم أحسن خواتيمنا وأحسن أعمالنا وأقوالنا ونياتنا، واجعلها خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين..

اللهم أختم بالصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا.

اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا ذا الجلال والإكرام.. اللهم أقل عثراتنا، واغفر زلاتنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار..

اللهم آمِنَّا في وطننا، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا ملكنا حمد بن عيسى، ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان، وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وسدد على طريق الخير خطاهم وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين… اللهم من أراد بلادنا  وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا وأمننا بسوء وشر وفتنة فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل اللهم تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء…اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، ناصراً ومؤيداً، اللهم وأصلح أحوالهم في فلسطين وفي بلاد الشام وفي اليمن وفي كل مكان، اللهم فرج همهم ونفس كربهم، وألف بين قلوبهم، ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلا.

اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين..

اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين، الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعفوا عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم من كان منهم منعماً مسروراً فزده نعيماً وسروراً، ومن كان منهم معذباُ ملهوفاً فأبدل حزنه فرحاً وسروراً، وارحمنا يا مولانا إذا صرنا إلي ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين…

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ويغفر الله لي ولكم.

       خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين