الجمعة 7 ربيع الآخر 1440هـ
الموافق 14 ديسمبر 2018م

الحمد لله المحمود بجميع المحامد تعظيماً وتشريفاً وثناءً، المتصف بصفات الكمال عزّة وقوة وكبرياءً، به نصول وبه نجول، وبه نؤمّل دفع الكروب شدة وبلاءً ودرءَ الخطوب ضنكاً ولأواءً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، أفضل هذه الأمة جهاداً وفداءً وأعظمها قدوة واصطفاء، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، الذين ضربوا أروع الأمثلة صفاءً ووفاءً، والتابعين ومن تبعهم وسار على نهجهم اهتداءً واقتفاءً وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، فبتقوى الله تُنال الدرجات، وتزكو الأعمال، وأكثروا من ذكره وشكره، فبذكره تطمئن القلوب وبشكره تحفظ النعم، وتزودوا من الصالحات فخير الزاد التقوى.

(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)

معاشر المسلمين: المحبة للأوطان، والانتماء للأمة والبلدان، أمر غريزي، وطبيعة طبع الله النفوس عليها، وحين يولد الإنسان في أرض وينشأ فيها فيشرب ماءها، ويتنفس هواءها، ويحيا بين أهلها، فإن فطرته تربطه بها فيحبها ويواليها، ويكفي لجرح مشاعر إنسان أن تشير بأنه لا وطن ولا مأوى له..

وإن ارتباط الإنسان بوطنه، مسألة متأصلة في النفوس، لأن الوطن مسقط الرأس، ومهد الذكريات، وميدان الحياة، ففيه كانت النشأة والترعرع، وبين ربوعه كان الشباب، وفيه الأهل والإخوان، والأحباب والأصحاب، وفيه الذكريات التي لا تُنسى، وفيه زُرعت الآمال واتسعت الطموحات، فهو بذلك ذاكرة الإنسان الحيّة التي تُشعره بالعِزة والكرامة، وتدفعه للولاء والانتماء… وقد اقترن حب الأرض بحب النفس في كتاب الله تعالى، يقول الله جل وعلا: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اُقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ أَوْ اُخْرُجُوا مِنْ دِيَاركُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُمْ). بل جعل الشرع المطهر الموت في سبيل الدفاع عن الأرض شهادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(من قتل دون أرضه- أي دفاعاً- فهو شهيد)… ولما كان الخروج من الوطن قاسياً على النفس، فقد كان من فضائل المهاجرين أنهم ضحوا بأوطانهم هجرةً في سبيل الله عز وجل.. فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يهاجر ويودع وطنه الأول مكة بتلك الكلمات، التي تقطر رقة وحباً وحنيناً وإيماناً، فيقول:(وَاللَّهِ إِنَّكَ لَخَيْرُ الْأَرْضِ وَأَحَبُّ الْأَرْضِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ).. يقول أهل العلماء رحمهم الله: (ابتلى الله نبيه بفراق الوطن)..

ولما علم النبي  صلى الله عليه وسلم  أنه سيبقى مهاجراً دعا بتحبيب المدينة المنورة إليه، كما صح: أن النبي  صلى الله عليه وسلم  كان إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته (أي أسرع بها).. يقول أهل العلم: (فيها دلالة على فضل المدينة المنورة، وعلى حب الوطن والحنين إليه)

أيها المسلمون: البشر يألفون أرضهم على ما بها حتى ولو كان قبراً موحشاً، وحب الأوطان غريزةٌ مستوطنةٌ في النفوس، تجعل الإنسان يستريح للبقاء فيه، ويحن إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هوجم، ويغضب له إذا انتقص.. والوطنية بهذا المفهوم الطبيعي أمرٌ غير مستغرب، وهذه السعادة به، وتلك الكآبة لفراقه، وهذا الولاء له، مشاعر إنسانية لا غبار عليها ولا اعتراض، ولا يجوز أن تكون مفهوماً مشوهّاً يعارض به الولاء للدين ؛ فالإسلام لا يغير انتماء الناس إلى أرضهم ولا شعوبهم ولا قبائلهم.. فقد بقي بلال بن رباح حبشيّاً، وصهيب بن سنان روميًّاً، وسلمان بن روزبه فارسيّاً، ولم يتضارب ذلك مع انتمائهم العظيم للإسلام.. وعندما يفكر الإنسان في طبيعته، فسيجد أن له محبةً وولاءً وانتماءً لأسرته وعشيرته وقبيلته وطائفته وأهل قريته، كما يحس بانتمائه الكبير للأمة المسلمة باتساعها وتلون أعراقها ولسانها.. إنه لا تعارض بين هذه الانتماءات، ولا مساومة عليها، بل هي دوائر يحوي بعضها بعضاً… ولا ينبغي يا عباد الله أن يحمل المحب لوطنه، إلى أن يسوء ظنه، أو يند فهمه، عن المقاصد الشرعية في هذه القضية المهمة، فلا يحملها على عصبية للتراب والطين، على حساب العقيدة والدين،ولا يحملها لوازم لا تلزم، من نظرة عصبية أو طائفية وشعارات جاهلية، وغمط لإخوة العقيدة الإسلامية العالمية، التي تتسامى عن الحدود الجغرافية، والنظرات الإقليمية، معاذ الله فلا تنافي بين هذا وذاك، وهل المسجد الأقصى يقصى ويستقصى؟ وهل تنسى فلسطيننا الصامدة، وقدسنا المقدسة، وأقليات مسلمة، وبلاد أخرى يعاني أهلها من الظلم والطغيان والاستبداد، حاشا وكلا…

وأينما ذُكِــرَ اسمُ اللهِ فِي بَلَدٍ

عددتُ ذَاكَ الحِمَى مِنْ صُلْبِ أَوْطَانِي

أيها المسلمون: وإن كنا نؤمن بأننا أمة إسلامية واحدة، تحمل الخير للبشرية جمعاء، إلا أننا نخص وطننا الغالي البحرين بالفضل والإحسان، لا سيما ونحن قد ولدنا ونشأنا وترعرعنا في ربوعه، والذي له علينا حق عظيم، يجب علينا الوفاء به، امتثالاً لقوله تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)

أجل أيها الأحبة: إن الإحسان لا يجازى إلا بالإحسان لا بالجحود والنكران، فمن حق هذه البلاد علينا، أن نقدر هذه الخيرات والمكتسبات والمنجزات والإصلاحات التي تحققت خصوصاً في هذا العهد الزاهر عهد جلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله، ونسعى للمحافظة عليها، والحرص على زيادتها والسعي لمزيد من الإصلاح فيها، وشكر الله عليها كما قال سبحانه (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)…

عباد الله: من حق بلادنا البحرين علينا أن  نكون لتحقيق مصالحها ساعين، ولدرء المفاسد عنها داعين، ولأمنها ورخائها واستقرارها مدافعين، ولوحدة صفوفها وشرائحها وطوائفها مراعين وحريصين، من حقها علينا أن نسعى لرفعة شأنها في شتى الميادين،وأن نتعاون في مواصلة بناء صرحها الشامخ بإخلاص وهمة عالية، ومن حقها علينا أن نتحلى بأفضل الأخلاق وأحسنها في داخلها وفي خارجها، حتى نعكس صورة جميلة عن هذا الوطن الحبيب الطيب، في أذهان من نلتقي بهم في داخله وخارجه، ومن حق هذه البلاد علينا أن نتصدى لكل من يسعى في إفسادها، أو إفساد أهلها،أو يتآمر عليها أو يشيع فيها الفوضى، من أولئك الذين يسعون في الأرض فساداً وخراباً ودماراً، وعلينا أن نتصدى لكل من يريد  شق الصفوف، وإثارة الفتن، والإخلال بالأمن والاستقرار ، بكل ما أوتينا من قوة البنان أو البيان،وأن ندافع عنها، ونذود عن حماها بالغالي والنفيس، بالكلمة والفعل في كل ميدان وفي كل مكان،وهذه هي الأمانة العظيمة التي يجب علينا أن نؤديها بإخلاص.

أيها الأخوة والأخوات في الله: تعيشُ مملكتنا الغالية البحرين في هذه الأيام، مناسبات عزيزة غاليةٌ على نفوسنا ألا وهي احتفالاتها بذكرى قيام الدولة البحرينية الحديثة في عهد المؤسس أحمد الفاتح، ككيان عربي إسلامي، عام 1783م، والذكرى السابعة والأربعين لانضمامها في الأمم المتحدة، دولة كاملة العضوية، والذكرى التاسعة عشرة لتسلم جلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله ورعاه مقاليد الحكم في البلاد،  والذكرى الرابعة ليوم الشهيد وذكرى يوم الشرطة البحرينية البواسل الأوفياء، وذكرى يوم المرأة البحرينية، وهي أيام عزيزة يتأكد فيها الولاءُ للوطنِ، عَمَلاً وإخلاصاً، وجِدَّاً وبناءً، ودفاعاً وتفانياً.. وتُجَدَّدُ فيها البيعةُ والولاءُ للقيادةِ الكريمة نُصْحَاً وطاعةً، وتعاوناً ومؤازرة.

وإن التذكيرَ في مثلِ هذه المناسبات، بتجديدِ عَقْدِ البيعةِ، وعَهْدِ الولاءِ لوليِّ الأمر وللوطنِ وقيادتِه، أمانةٌ في عُنُقِ كل مخلصٍ غيورٍ على أرضِه ووطنه الذي نشأ وترعرع فيه.

عباد الله: إنَّ قِيَمَنا الإسلاميةَ وتعاليمنا القرآنية، تَحُثُّنا على العملِ بإخلاصٍ لتحقيقِ أمنِ الوطنِ واستقرارِه ورخائِه وتقدمِه ورُقِيِّه، فإنَّ خدمةَ البلاد والعباد نوعٌ من أنواع العبادة العامةِ، التي يَتَقرَّبُ بها المسلم إلى ربِه ومولاه. وإننا اليوم أحوجَ ما نكونُ إلى أنْ نتسامح ونتصالح ونتصافح ونتناصح، ونفتحَ صفحة جديدة ملؤها الحب والوفاء والإخلاص للجميع، ونضع أيديَنا في يدِ كلِ مخلصٍ غيورٍ على هذا الوطن، ونلتفَ جميعاً حولَ قيادتِه الحكيمة، لنقطعَ الطريقَ أمامَ كُلِ حاقِدٍ أو طامعٍ أو مُعْتَدٍ، ونَقِف سداً منيعاً وصفاً واحداً قوياً أمام تحدياتِ الداخلِ والخارج.. وإننا من خلال هذه المناسبة العزيزة ندعو الجميع كلاً من واقع مسئوليته، إلى الدفع باتجاه التنمية والتطوير والتحضر والحفاظ على أمن البلد واستقراره، وعدم الوقوف حجر عثرة أمام هذا المشروع الإصلاحي الكبير الذي أرساه جلالة الملك حفظه الله، والذي توافقت وأجمعت عليه كافة الأطياف ونخص بالذكر رجال الدعوة وعلماء الدين والخطباء والوعاظ والأئمة والسياسيين والمثقفين والمفكرين ونواب الشعب والقائمين على الجمعيات والمؤسسات  والباحثين.. إذ ندعوهم جميعاً إلى القيام بواجباتهم تجاه الوطن والمجتمع ومواصلة النصح والإرشاد والإصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة، والعمل على ترشيد الخطاب الديني، ونبذ الطائفية والإرهاب والعنف، وتحكيم الشرع والعقل، وتصحيح الفكر المنحرف لدى بعض الفئات الطائفية المتعصبة ، التي يسوقها الحماس المندفع من شباب الوطن إلى طريق مسدود ليست في صالح أحد، وهي ليست من الدين في شيء، ولا هي في صالح الوطن ولا المواطن، حيث إنَّ مهمة علماء الدين في تصحيح مسار دعاة العنف والإرهاب والتخريب يرتكز على ضرورة تحقيق قاعدة اجتماع الكلمة ووحدة الصف، وترسيخ ثقافة التعايش السلمي، وتأكيد مبدأ الاحترام المتبادل بين الحاكم والمحكوم وما دعا إليه الدين الحنيف من طاعة ولاة الأمر في المعروف، وصولاً إلى مجتمع تسوده روح المحبة والإخاء وينعم بالأمن والأمان والاستقرار والرخاء والوحدة.

صح في الحديث عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ)

نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ بلادنا الحبيبة البحرين، من كل سؤ ومكروه، وأن يديم عليها نعمة الأمن والأمان،والتمسك بدين الإسلام، وأن يؤلف بين قلوب أبنائها رعاة ورعية،وأن يحفظ ويوفق قادتها وولاة أمرها وشعبها إلى كل خير، إنه ولي ذلك والقادر عليه..

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله يحي القلوب بالوعظ والتذكير، نحمده سبحانه وهو على كل شيء قدير، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: إن الحديث عن الوطن والحنين إليه في حياتنا الدنيا، يذكّر المؤمن بالله تبارك وتعالى، وبالوطن الأول في الآخرة، ألا وهو الجنة، التي سينتقل إليها كل واحد منا بإذن الله. نعم، ذلك هو موطننا الأصلي الذي غفل عنه كثير من الناس إلا من رحم الله، وصدق الله العظيم، (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ).. ذلك الوطن الذي يقول الله تعالى في وصفه كما صح في الحديث القدسي:(أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ، مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ) لقد كان الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: (إِنَّ الدُّنْيَا قَدِ ارْتَحَلَتْ مُدْبِرَةً، وَإِنَّ الآخِرَةُ قَدِ ارْتَحَلَتْ مُقْبِلَةً  وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ  وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلا حِسَابٌ، وَإِنَّ غَداً حِسَابٌ وَلا عَمَلٌ) . يَعْنِي أَكْثِرُوا مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَإِنَّكُمْ لا تَقْدِرُونَ غَداً عَلَى الْعَمَلِ.. ولهذا كان المؤمن غريباً في هذه الدار أينما حلّ منها فهو في دار غربة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوصي كل واحد من أصحابه: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ) واعلم- أيها المؤمن- أن هذه الغربة سرعان ما تنقضي وتصير إلى وطنك ومنزلك الأول، وإنما الغربة التي لا يرجى انقطاعها هي الغربة في دار الهوان، حينما يسحب المرء على وجهه إلى جهنم والعياذ بالله، فيكون بذلك قد فارق وطنه الذي كان قد هيّئ وأُعد له، وأُمر بالتجهيز إليه والقدوم عليه، فأبى إلا الاغتراب عنه ومفارقته له، فتلك غربة لا يرجى إيابها ولا يجبر مصابها.

أيها المؤمنون: إن أعظم حنين ينبغي أن يكون إلى وطننا الأول سكن الأبوين ودار الخلد والنعيم، يقول صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهَا أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ يُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ) . والجنة هي الجزاء العظيم والثواب الجزيل والدار الأبدية التي أعدها الله لأوليائه وأهل طاعته، وهي نعيم كامل لا يشوبه نقص ولا يعكر صفوَه كدر، يقول الله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ) ودرجات الجنة تتفاوت حسبَ إيمانِ أهلِها؛ وإخلاصِهم؛ وكثرةِ أعمالِهم الصالحة، يقول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ مِنَ الْأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ، قَالَ (بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ) وفي الجنة أنهار متعددة، يقول تعالى: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى) وفي الجنة عُيونٌ عذبةٌ؛ منها عينُ الكافور؛ وعين التسنيم؛ وعين السلسبيل؛ كما وردت بذلك الآيات. وفي الجنة قصورٌ مبنية من الذهب والفضة تَسُرّ الناظرين ويَتَنَعم بها الساكنون. وفي الجنة الحدائقُ والأعناب والنخيل والرمان والفاكهة والسدرُ المنضودُ  وغيرُها.

وفي الجنة الألبسة الجميلة الناعمة من الحرير والسندسُ والإستبرقُ، والحلي الغالية من الذهب والفضة واللؤلؤ، والأواني من الذهب والفضة،والروائح الطيبة الزكية العبقة،والحور العين العفيفات وغيرها..

تلك بعض أوصاف الجنة، وما أعده الله فيها لعباده المؤمنين المتقين. جعلنا الله وإياكم منهم بمنه وكرمه.

اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنا مِنْهُ وَمَا لَمْ نعْلَم  وَنعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْنا مِنْهُ وَمَا لَمْ نعْلَم، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ منه عَبْدُكَ وَنَبِيُّك محمد وَنُعوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا استعاذك منه عَبْدُكَ وَنَبِيُّك محمد وعبادك الصالحون.

اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قَولٍ أو عملٍ  ونعوذُ بِكَ منَ النَّارِ وما قرَّبَ إليها من قولٍ أو عملٍ.. وَنسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِنا خَيْراً) ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

اللهم إنا نسألك أن تحفظ مملكة البحرين قيادة وشعباً من كل سوء ومكروه، وأن تحفظ علينا أمننا وأيماننا، وأن تجعلنا حماةً وجنداً لهذا الوطن الغالي.. اللهم سدد على طريق الخير خطى مليكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه وولي عهده وبارك لهم في جهودهم وأعنهم على تحقيق آمال وطموحات مواطنيهم،وما يصبون إليه من تقدم وتطور ونماء وازدهار ورخاء. اللهم إنا نستودعك بلادنا وقيادتنا وأهلنا وأولادنا ونفوسنا ودمائنا وأعراضنا وأموالنا، اللهم أصلح ذات بيننا،وألف بين قلوبنا،رعاة ورعية، وأحفظ علينا مودتنا وإخوتنا،وجنبنا الخلاف والنزاع والشقاق واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وأظله بظل الإسلام والإيمان وبنعمة الأمن والأمان والاستقرار والوحدة،وأحفظه علينا ملكا وحكومة وشعبا،وأهد الجميع للتي هي أقوم.. اللهم أعز الإسلام والمسلمين،اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحين. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان،اللهم كن ناصرا ومؤيدا،اللهم أصلح أحوالهم،و فرج همهم ونفس كربهم، ،وألف بين قلوبهم،ولا تجعل لعدو عليهم سبيلا.. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا،وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا،واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر…  اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.)  اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات،والمسلين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمدا وعلى آله وصحبه أجمعين… عباد الله :إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون،فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم،واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين