الجمعة 29 ربيع الأول 1440هـ
الموافق 7 ديسمبر 2018م

الحمد لله جل جلاله، وعظم ثناؤه، وتقدست أسماؤه، سبحانه وبحمده، لا تحصى نعماؤه، نحمده سبحانه ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، المبعوثُ بالهدى ودين الحق، ارتفعت به أعلامه، وعلا ضياؤه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه، هم بدور الدجى وسناؤه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد:فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: لقد اهتمت الشريعة الإسلامية بأفرادها، ووضعت لهم حقوقًاً، ولم تميز بينهم، بل أمرت بالعدل، ووجهت إلى إعطاء كل ذي حق حقه، فالمجتمع المسلم كل فرد فيه جزء لا يتجزأ منه، يتمتع بكامل حقوقه التي وضعها له الإسلام.

وذوو الاحتياجات الخاصة( المعاقون) هم شريحة من شرائح المجتمع، وفئة عزيزة من فئاته على قلوبنا، لهم سائر الحقوق التي للفرد الصحيح، ولهم حقوق أخرى انفردوا بها مراعاة لأحوالهم وحاجاتهم… وينطلق حق ذوي الاحتياجات الخاصة  في المجتمع أول ما ينطلق من أسرهم التي ولدوا فيها، ونشئوا في ظلالها، وتربوا بين أفرادها، فإن الواجب على الأسرةِ قبل تكوينها من مؤسسيها الزوج والزوجة حسن الاختيار عند الرغبة في الزواج؛ لأن الوراثة من مسببات الإعاقة غالباً، فلا يكون من أسرةٍ عرفت بكثرة الإعاقة في أفرادها، فإن الطفل قد يرث الإعاقة من وراثاته القريبة أو البعيدة عن والديه، ومن حقوق الابن على والديه مراعاة الصلاح والاستقامة والسلامة من العيوب، يقول صلى الله عليه وسلم: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) ويقول: (تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ وَانْكِحُوا الأكفاء وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ)…. ثم تأتي أهمية العناية بالمولود منذ أن يكون جنيناً في بطن أمه، وتجنيبه أسباب الإعاقة، وحمايته منها بإذن الله تعالى. ويتمثل ذلك في أن الإسلام أباح للحامل أن تفطر حين تكون صائمة وتخاف على جنينها من الضرر، وهذا ما يؤكد عناية الشريعة الإسلامية بالفرد قبل قدومه إلى هذه الحياة الدنيا… ومن هنا فإن على الأم أن تحافظ على جنينها، وتبعد كلّ خطر عنه، وتبتعد عن كل ما يؤثر في نموه وتكوينه، فتعاطيها للتدخين والخمور والمخدرات من أكثر المخاطر التي قد تعرضه للإعاقة، كما أن تناولها لبعض الأدوية وهي حامل دون استشارة الطبيب وذوي الاختصاص قد يسبب للجنين أضراراً ومؤثرات تؤدي إلى ولادته معاقًاً أو مشوهاً، فينبغي للوالدين وخاصة الأم الالتزام بتعاليم الدين، والحرص على حماية الجنين من أي مؤثر قد يكون سبباً في ولادة مولود غير سوي، ومن هنا تأتي أهمية إجراء الفحص الطبي قبل الزواج، الذي أصبح لدينا إلزامياً.

عباد الله: وإذا رُزق الوالدان الولد وكتب الله تعالى أن يكون معاقًاً فإن الإسلام حثّ الوالدين على العناية به، وتربيته تربية صالحة، والاهتمام بكافة شؤونه، ومن ذلك الحرص على تعليمه وبذل كل ما يحتاجه في سبيل ذلك، وعلى المجتمع أن يعنى بشؤونه، وييسر السبل ويذلل الصعاب للمعاقِ؛ كي يتعلم ويكون عضواً فاعلاً فيه.

أيها المؤمنون: لقد ساوى الإسلام بين ذوي الإحتياجات الخاصة وبين سائر شرائح المجتمع في سائر الحقوق،  ولم يميز بينهم وبين غيرهم من الناس الطبيعيين، إلا بحسب ما تقتضيه تقوى الله عز وجل، حيث يقول الله تعالى في هذا الصدد : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).. وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم باعتباره مبيناً لكلام الله تعالى، أكد هذا الأمر أيما تأكيد، فقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) بل لقد جعل الشرع الحكيم لهذه الفئة العزيزة حقوقاً إضافية أخرى تميزهم عن غيرهم مراعاة لهم… كما نهى الإسلام المؤمنين عن السخرية والاستهزاء  بأي فرد كائناً من كان، بسبب ما ألم به من نقص أو عاهة فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ولهذا يا عباد الله فإننا نقول بكل فخر واعتزاز بأن الإسلام و المجتمع المسلم، هو أول من أهتم بذوي الاحتياجات الخاصة، وقدم لهم خدمات إيجابية حقيقية، ورفع عن كاهلهم الحرج والمشقة، فيما لا طاقة لهم به، وسعى إلى تغيير الصورة الذهنية القاتمة للمجتمع تجاههم، وساوى بينهم، وبين الأشخاص الطبيعيين في الحقوق والواجبات، إلا ما دعت الحاجة إليه، وبيّن أن الإعاقة التي ألمت بهم إنما هي ابتلاء من الله تبارك وتعالى، لا نستطيع لها دفعاً، ولا نملك أمامها إلا الصبر والتسليم بقضاء الله وقدره، فهو سبحانه العليم اللطيف الخبير، الرؤف الرحيم الحكيم، وهو أرأف بعباده من الوالدة بولدها. يقول صلى الله عليه وسلم: (‏إنْ الله إذا أَحَبَ عَبْداً ابْتلاه) ويقول أيضاً: (إن اشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل) .

أيها المسلمون: إن الإسلام ينظر لذوي الاحتياجات الخاصة نظرة مختلفة تماماً عن نظرة الأمم الأخرى، فهؤلاء النمط من العاجزين وأصحاب العاهات،من الفقراء والمحتاجين، يجب أن يلقوا من الدولة وأبناء المجتمع وذوي اليسار والغِنى كل رعاية وعطف ورحمة؛ تحقيقاً لقوله عليه الصلاة والسلام: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ). وقوله صلى الله عليه وسلم: (تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَد بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)..

وإننا لنحمد الله تعالى أن هذه الفئة في بلادنا تجد الرعاية والعناية، ولكننا نرجوا المزيد، ولا غِنى لكلِّ قادر في المجتمع عن القيام بواجبه نحو هذه الفئة العزيزة.

عباد الله: لقد احتلَّ المعاق في الحياة الإسلامية مكانته اللائقة به، ولعب الكثير منهم دوراً كبيراً في تاريخ الإسلام، فنجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلف الصحابي الجليل الذي يعاني فقدان البصر، عبد الله ابن أم مكتوم رضي الله عنه، يستخلفه وينيبه عنه عليه الصلاة والسلام على المدينة المنورة أربع عشرة مرة في غزواته وفي حجة الوداع، فيصلي بالناس ويرعى شؤونهم، وكان مؤذن رسول الله هو وبلال بن رباح، كان بلال يؤذن للصلاة مرة، وهو يقيم لها والعكس. وقال رسول الله إن بلالاً ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم. كما كان من أول المهاجرين إلى المدينة المنورة بعد مصعب بن عمير رضوان الله عليهم الذين شاركوا معه في تعليم أهلها القرآن، وهو الرجل الأعمى، فلم تنقص إعاقته من مكانته وأهميته في الإسلام شيئاً… وهذا الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنه، حَبْر الأمة وترجمان القرآن الذي استطاع أن يجمع العلم في زمانه حتى أصبح مرجع الأمة في العلم الشرعي على مر الزمان، بل أصبح المبصرون يسألونه ويستفتونه في مسائلهم الخاصة، على الرغم من فَقْده لحاسة البصر. يقول عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما في وصف حاله وفقدانه لبصره:

إن يأخذ الله من عيـني نورهمـا

ففي لساني وسمعي منهما نـور

قلبي ذكي وعقلي غير ذي عـوج

وفي فمي صارم كالسيف مأثور

وهذا الصحابي الجليل عمرو ابن الجموح رضي الله عنه، فقد كان رجلاً أعرجَ شديد العرج، وكان له أربعة أبناء، يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد، فلما كان يوم أُحد أرادوا حبسه ومنعه، وقالوا له: إن الله عز وجل قد عذرك. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن بَنيَّ يريدون أن يحبسوني ويمنعوني عن هذا الوجه (أي الجهاد)، والخروج معك فيه، فوالله إني لأرجو أن أَطَأَ بعرجتي هذه في الجنة. فقال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم: (أما أنت فقد عذرك الله، فلا جهاد عليك)، ثم قال لبنيه: (ما عليكم أن لا تمنعوه؛ لعل الله أن يرزقه الشهادة). فأخذ موقعه في الجيش في مقدمة الصفوف مجاهداً في سبيل الله حتى سقط شهيداً، رضي الله عنه،حيث صدق الله فصدقه.. وهذا صحابي آخر هو معاذ بن جبل رضي الله عنه، يختاره الرسول صلى الله عليه وسلم من بين المسلمين ويرسله إلى اليمن عاملاً له عليها، بل ويكتب إلى أهلها قائلاً: (إني بعثت عليكم خير أهلي). وقد كان معاذ رضي الله عنه أعرجَ، فلم يمنعه العرج من تبوء المكانة التي يستحقها في الحياة السياسية والاجتماعية والإسلامية.

أيها المؤمنون: ولم يقتصر هذا السلوك من الاحترام والتقدير للمعاق على عصر النبوة، بل تعداه إلى سائر عصور الإسلام، فهذا الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بن الحكم يأمر المنادي في موسم الحج: ألا يفتي الناس إلا عطاء بن أبي رباح، إمام أهل مكة وعالمها وفقيهها. وقد كان عطاء رحمه الله أسود البشرة، مفلفل الشعر، أعور العين، أفطس الأنف، أشل اليد، أعرج القدم، لا يؤمل الناظر إليه منه طائلاً، لكن شريعتنا السمحة الغرَّاء جعلته إنساناً عالماً إماماً يقتدى به، ويرجع إليه الناس في الفتوى، ومدرسة يتخرج على يده الألوف من العلماء، وهو عندهم في محل الإكبار والحب والتقدير والاحترام… ومن ناحية أخرى، فإن المتأمل في تاريخنا العلمي الإسلامي يجد أجيالاً كثيرة من العلماء الذين أًصبحت إعاقتهم أو عاهتهم عَلَماً يدل عليهم، فهناك الأعمى والأحول، والأصم، والأعرج، والأعمش، والأخفش،والأفطس، وغيرهم الكثير من العلماء والمفكرين من ذوي الاحتياجات الخاصة في عالمنا الإسلامي قديماً وحديثاً… فاتقوا الله عباد الله، واشكروه على نعمه، وأسالوه أن يلين القلوب نحو المستضعفين، وينشر رحمته، وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، ومن لا يرحم لا يرحم، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء… اللهم إن لك عباداً قد أحاط بهم البلاء، اللهم ارحمهم مما أصابهم، ونقّهم من الذنوب والخطايا كما يُنقّى الثّوب الأبيض من الدّنس،  اللهم اجعل ما أصابهم كفاره لذنوبهم، ورفعة في درجاتهم، اللهم ارزقهم الصبر و أحطهم بالعافية، و اختم لهم بحسن الختام يا ذا الجلال والإكرام.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين،  أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله أولاً وآخراً، والشكر له باطناً وظاهراً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا و نبينا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ.

أما بعد فيا أيها المسلمون: لقد قامت الشريعة الإسلامية على التيسير ورفع الحرج والمشقة عن الناس، ومن ذلك  عنايتها بذوي الاحتياجات الخاصة من المرضى والمعاقين فأولتهم عناية خاصة، وخففت عنهم في الأحكام الشرعية، بما يسمى بتخفيف الإبدال، فأبدلت العاجز منهم عن الطهارة بالماء بالتيمم، وأبدلت العاجز عن القيام بالصلاة بالقعود فيها، يقول صلى الله عليه وسلم لكل صاحب عذر: (صلّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب وإلا فأوم إيماء)… ومن خرجت منه النجاسة وهو لا يشعر أو لعدم القدرة على التحكم لمرض أو إعاقة فلا بأس عليه؛ لقوله تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، وقوله: ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا )، فهذا منتهى استطاعته. ولا يتوضأ للصلاة إلا عند دخول وقتها.

وكذلك الشيخ الكبير في السن يصلي على حاله ويمسح بخرقة إذا تخلى، ويوضئه غيره إن أمكن، ويجمع بين الصلاتين بلا قصر…

وصاحب القدم الصناعي واليد الصناعية لا يلزمه المسح عليها، أما إذا بقي من الكعب أو اليد شيء وجب غسله، وإن لبس عليه خفاً مسحه… ومن عجز عن القيام في الصلاة وقعد لعجزه، فإن الله يعطيه أجر القائم، لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمله وهو صحيح مقيم). ومن كانت به إعاقة بالنطق، كالألثغ الذي يجعل الراء غيناً، والذي يدخل حرفا بحرف، أو من يلحن لحنا يحيل المعنى، فهو كالأمي؛ تجوز صلاته ولا حرج عليه.

وللمعوق أن يعتمر بثيابه إذا اضطر لذلك، ويذبح شاة يوزعها على فقراء الحرم، أو يطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم ثلاثة أيام،هكذا قال بعض الفقهاء… ويجوز أن يُحج عن المعاق إن كان مرضه مزمناً، بشرط أن يكون الوكيل قد حج عن نفسه… والكفيف الأعمى الذي يستطيع السفر إلى مكة مع وجود النفقة والمحرم للمرأة، فإنه يجب عليه أداء فريضة الحج بنفسه، وليس العمى بعذر، وإنما الموت أو العجز هو العذر… والمتخلفة عقلياً إذا بلغت يجب سترها وإلباسها الحجاب الشرعي: فإن تركها وسيلة إلى الفتنة بها ووقوع الضرر عليها، ولا حرج فيمن تركت من غير تعمد؛ لنقص عقلها.. ويجوز تخصيص صاحب العاهة والمعوق والأعمى من الأولاد بمزيد عطية وعناية ونفقة، نظرا لحاله وحاجته.

أيها الأخوة والأخوات في الله: وإسقاط جنين الحامل بعد نصيحة الأطباء الثقات لتشوهه جائز شرعاً قبل نفخ الروح فيه؛ لأنه لم يكن نفساً بعد، وسيكون عبئاً على نفسه وأهله بعد ذلك، أما إذا نفخت فيه الروح فلا يجوز إسقاطه، وعليهم الإكثار من الدعاء، فإنه لا يرد القضاء إلا الدعاء.

وفاقد العقل والنائم والطفل الذي لا يميز: فأقواله كلها لغو في الشرع، لا يصح منها إيمان ولا كفر، ولا عقد من العقود، ولا تصرف ولا شيء   باتفاق المسلمين…

ولا يجوز لمن ابتلى بالإعاقة جمع المال ولا مساعدته ما دام أنه غير محتاج؛ لأنه قد اتخذ الإعاقة وسيلة للتكسب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال به المسألة حتى يأتي يوم القيامة وليس على وجهه مزعة لحم)

عباد الله: ومناداة الإنسان بصفة فيه كالعرج والعمى والحول: فإن كان للتعريف فلا بأس، وإن كان للطعن والاستهزاء والغيبة فلا يجوز، وإن كره مناداته بذلك لم تجز مناداته بها.

إلى غير ذلك من التشريعات العظيمة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، فالشرع المطهر راعى المعاق عند تكليفه، ولم يحمّله ما لا يطيق، أو ما لا يتناسب وقدراته وطاقاته، مما يؤكد أنه وضعه في عين الاعتبار عند التشريعات، وهذا يجعل المعاق في موقف قوي له اعتباره، حيث رسم الإسلام له حقوقه الخاصة واعتبرها…

أيها الأخوة والأخوات: كما دعت الشريعة المعاق أن يصبر على الإعاقة التي ابتلي بها، ووعد المعاق إن هو صبر بالأجر العظيم، والثواب الجزيل الذي قد يصل به إلى أن يفوز بالجنة، ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: (إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه (يعني عينيه) فصبر عوضته عنهما الجنة)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لكل أصحاب الإصابات والإعاقات والعاهات: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا إِلاَّ كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ)… ففي مثل هذه النصوص النبوية والأحاديث القدسية وغيرها، مواساةٌ وبشارة لكل صاحب إعاقة بأنه إذا صبر على مصيبته، راضياً لله ببلوته، واحتسب على الله إعاقته، فلا جزاءَ له عند الله إلا الجنة… اللهم من أبتلي بإعاقة أو عاهة في نفسه أو أهله أو أولاده، فارزقه الصبر وأوزعه شكر نعمتك، وألهمه حسن عبادتك، وارزقه قلباً سليماً، ولساناً صادقاً، وبدناً معافى، ونفساً زكيةً راضية بقضاء الله وقدره، وارزقه بر أولاده، وأملأ عينه وقلبه غبطة بهم ورضىً عنهم،يا رب العالمين… اللهم يسر لكل مبتلىً كل عسير، وهون عليه كل حزن، وخذ بناصيته لكل خير، ووجهه وجهة الفوز والصلاح والفلاح، واجعله مباركاً حيثما كان، وبارك اللهم لهم في أسماعهم وفي أبصارهم وفي قلوبهم وفي أزواجهم وفي أولادهم وذرا ريهم، وبارك لهم في أرزاقهم وأعمالهم، وتب عليهم إنك أنت التواب الرحيم.

اللهم أحفظ بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا، واجعله آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا (ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزراءه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد وفقهم لما تحب وترضى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة. يارب العالمين. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في فلسطين وفي سوريا وفي اليمن وفي كل مكان، ناصراً ومؤيداً، اللهم أصلح أحوالهم، وفرج همهم ونفس كربهم، وألف بين قلوبهم، ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلا.. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.. اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وموتانا وموتى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين. ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.). اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين