الجمعة 18 محرم 1440هـ
الموافق 28 سبتمبر 2018م

الحمد لله؛ أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وألزم عباده بما أنزل من الهدى، نحمده  تعالى على ما أرشد وهدى، ونشكره على ما أسدى وأعطى، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ إليه ترفع النجوى، وهو منتهى كل شكوى، وإليه المآب والرجعى، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، العبد المجتبى، والنبي المصطفى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه ومن تبع هديهم واقتفى إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، فاتّقوا الله رحِمكم الله، فاللّبيب من تفكّر في مآله،والحازمُ من تزوّد لارتِحاله، والعاقلُ من جدّ في أعمالِه، نظر في المصِير، وجانَب التّقصير، ترك الحُطام واجتنَب الحرام، فخُذوا بالأحزم مِن أموركم رحمكم الله، فأمامَكم يومٌ لا ينفع فيه النّدم، ولا يُفيد فيه الأسَف إذا زلّت القدم، يوم تُبعثون (يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)

معاشر المسلمين: من حكمة الله تعالى في خلقه، أن جعل تناسلهم وتكاثرهم بالمزاوجة بين ذكورهم وإناثهم، وتلك سنة عامة في الإنسان والحيوان والطير والحشرات وغيرها، ولو شاء سبحانه وتعالى لكاثرهم بغير هذه الطريقة، ولكن إرادته سبحانه اقتضت المزاوجة بين النوعين، وفي ذلك من الحكم ما نعلمه وما لا نعلمه، يقول تعالى: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ويقول: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ويقول سبحانه: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾ وقد كانت المرأة مستضامة ومستضعفة عند كل الأمم الضالة، من فجر التاريخ إلى يومنا هذا، وكان العرب في جاهليتهم يئدون البنات؛ لأنهن لا يمتطين الجياد، ولا يقاتلن الأعداء، ولا يكتسبن المال، ولا يدفعن عن أنفسهن أي اعتداء؛ فرآهن أهل الجاهلية عبئاً وعاراً، وصدق الله العظيم حيث يقول:(وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) وإزاء هذا الضعف في المرأة الذي اتسمت به خلقتها، واستبيح بسببه حماها، وسلب منها حقها؛ جاء الإسلام العظيم بما يعزز موقفها، ويعلي مكانتها، ويحفظ لها حقها.. فعاب الله تعالى على أهل الجاهلية نظرتهم للبنات، وشؤمهم منهن، يقول تعالى: (وإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ، أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ، أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾

عباد الله: وأفضل الخلق، وأزكى البشر، وخاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، ما عاش له من الولد إلا البنات، وذلك من أعظم الفخر للبنات، وفيه تسلية لمن لم يرزق من الولد إلا البنات، ولما كان أكثر الناس يستبشرون بالأبناء الذكور أكثر من استبشارهم بالبنات؛ فإن الشريعة الغراء رتبت من الأجور العظيمة على رعاية البنات، ورحمتهن، والإحسان إليهن أكثر مما جاء في حق الأبناء الذكور، واختصت البنات بنصوص كثيرة في ذلك؛ فمن رزق بنات وأحسن تربيتهن، والقيام عليهن، نجي من النار بسببهن بعد رحمة الله تعالى، وحشر مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأدخلنه بناته الجنة، وفي ذلك أحاديث كثيرة، يقول صلى الله عليه وسلم: (مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْراً مِنَ النَّارِ) ويقول: (مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَى لأْوَائِهِنَّ وَضَرَّائِهِنَّ وَسَرَّائِهِنَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُنَّ، فَقَالَ رَجُلٌ أَوْ ثِنْتَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ أَوْ ثِنْتَانِ، فَقَالَ رَجُلٌ أَوْ وَاحِدَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ أَوْ وَاحِدَةٌ) ويقول عليه الصلاة والسلام: (مَا مِنْ رَجُلٍ تُدْرِكُ لَهُ ابْنَتَانِ فَيُحْسِنُ إِلَيْهِمَا مَا صَحِبَتَاهُ أَوْ صَحِبَهُمَا إِلا أَدْخَلَتَاهُ الْجَنَّةَ) ويقول:(مَنْ كُنَّ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ يُؤْوِيهِنَّ وَيَرْحَمُهُنَّ وَيَكْفُلُهُنَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ، قِيلَ  يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنْ كَانَتْ اثْنَتَيْنِ؟ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ اثْنَتَيْنِ، فَرَأَى بَعْضُ الْقَوْمِ أَنْ لَوْ قَالُوا لَهُ وَاحِدَةً لَقَالَ وَاحِدَةً) ويقول: (مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ) وكلها أحاديث ثابتة وبعضها في الصحيحين.

عباد الله: وكثير من الناس يحصر التربية والإعالة والإحسان للبنات في الجوانب المادية والحسية من المأكل والمشرب والملبس ونحوه، ويغفل جوانب العطف والحنان، والحاجات القلبية والنفسية، من الجلوس معهن، والتبسم لهن، والحديث إليهن، والإنصات لحديثهن، وتلمس حاجاتهن، ومعالجة مشاكلهن، حتى تسربت إلى بعض الناس عادات أهل الجاهلية، فلا يأكل مع نسائه وبناته، ويرى أن ذلك مناف لرجولته، قادح في شخصيته، ولا يحظى بمجالسته ومواكلته ومباسطته إلا الذكور من ولده دون الإناث، وهذا من التفرقة بين الأولاد، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) والعدل في هذا واجب مثل العدل في النفقة إن لم يكن أهم وأولى من العدل في النفقة؛ لمسيس حاجات البنات لمثل هذا النوع من الإحسان والرعاية…

عباد الله: وإذا خلت البيوت من هذا العطف وهذا الحنان، بحثت البنات عن ذلك لا قدر الله في غير بيوت آبائهن، فاصطادهن ذئاب لا يرقبون في حرمات المسلمين إلاًّ ولا ذمة.. عباد الله: ومن الخطأ في الفهم أن يظن البعض أن هذا الأجر العظيم في رعاية البنات وإعالتهن يناله من قصَّر في تربية بناته على أحكام الشريعة أو فتح لهن أبواب المعصية، فلا علمهن تعاليم الدين كأحكام الحيض والطهارة والنفاس، ولا أمرهن بالصلاة والطاعة، ولا بين لهن أهمية العفاف والطهر والحصانة، ولم يراقب حشمتهن، ولم يبال أي لباس يلبسن، ولا يسأل: مع من كن وأين ذهبن ومن رافقن؟

وقد ملأ البعض بيوتهم بأنواع من الموبقات التي توبق بناته وتهلكهن، دون رقابة منه، من وسائل الاتصالات الحديثة المختلفة،  والأفلام والكتب الساقطة والأشرطة والمجلات الماجنة والتي تدعوا بزعمهم إلى الحرية الشخصية، والحب خارج إطار الزوجية، وغير ذلك مما غزا بعض البيوت، وفتك بقلوب كثير من بنات المسلمين مع الأسف الشديد..

أيها المسلمون: أَوَيظن مسلم أن يحظى بهذا الأجر في إعالة بناته وقد أشبع بطونهن وأهمل عقولهن.. أهتم بأمور دنياهن ولم يبال بأعمال أخراهن! كيف يظن مسلم ذلك وهو يرى أن هذه الأحاديث ذكرت أوصافاً لمن يستحق ذلك من أولياء البنات، ففي حديث يقول عليه الصلاة والسلام: (فَيُحْسِنُ إِلَيْهِمَا مَا صَحِبَتَاهُ) وفي الحديث الآخر (يُؤْوِيهِنَّ وَيَرْحَمُهُنَّ وَيَكْفُلُهُنَّ) فهل أحسن صحبتهن من ضيع عليهن الدين واكتفى لهن بالدنيا، وهل رحمهن من جلب لهن أسباب العذاب والنار في الآخرة؟! وتأملوا قوله عليه الصلاة والسلام (يؤويهن ويكفيهن) والإيواء والكفاية لها قدر محدد لا يتعداه فيفسدهن، فإن قصر عن هذا الحد ما كان مؤوياً لهن ولا كافياً، وإن تجاوزه إلى السرف والترف فقد انتقل من الإيواء والكفاية إلى الطغيان والإفساد، وكلا الوجهين مذموم.. فإذا عمل فيهن بتعاليم الشرع، وقام عليهن خير قيام حتى يزوجهن بالأكفاء فقد أدى الأمانة، والتزم الديانة، واستحق بإذن الله جل وعلا ما رتب على رعاية البنات من أجور عظيمة.

أيها المؤمنون: ومن أعظم الظلم، وأكبر البغي، وأشد أنواع القسوة أن يحرم بناته من حق قد قضاه الله تعالى لهن كما يفعله من يفعله من جهلة الناس، وجفاة الرجال بحرمان بناتهم من الأوقاف والميراث، أو التحايل لإسقاطه قبل موته بأن يسجل أملاكه باسم أبنائه الذكور دون بناته، ومن فعل ذلك فقد ختم حياته بخاتمة السوء، ولقي الله تعالى بظلم عظيم لبناته عياذاً بالله، وقد خلق الله تعالى البنات ضعافاً، وأوصى بهن، فضيع بجهله وعصبيته وصية الله تعالى فيهن، وانحاز إلى الأقوياء من ولده وأعطاهم حق الضعفاء، ولعله لا يحسن إليه في كبره وضعفه، ولا يدعو له في قبره إلا بناته… وأعظم ظلماً من ذلك أن يعضل الرجل بناته، فلا يزوجهن الأكفاء الصلحاء من الرجال إما عصبية لأهله؛ أو لأنه مريض بالعظمة والكبر، فيرد عن بناته الخاطبين لأنهم لم يملئوا عينه، ولا أحد يملأ عينه؛ لأن العلة فيه لا فيهم، والرجل العاقل لا يطلب المعالي في تزويج بناته، بل ينشد سترهن وسعادتهن..أو أن البعض يمنع أبنته من الزواج لأنه أهداها في صغرها لأحد أبناء عمه أو قريبه وهي لا تريده، فيركب رأسه لئلا يقال: قد رضخ لرأي النساء، فيعذب نفسه وابنته لعزة يتوهمها وهي عين الذل والإهانة؛ إذ كيف يبتزه الآخرون في بناته، فلا رأي له فيهن بل الرأي رأيهم…

أو أنه يمنع أبنته من الزواج لأنه يريد بيعها لذوي المال والغنى والجاه كما تباع السلع، حتى إذا قبض ثمنها، وقضى الغني حاجته منها؛ رمى بها مهانة ذليلة حزينة، فهل هذا أب يرحم ويعطف؟! كيف ومهرها مهما بلغ حق لها لا لأبيها، ولها أن تتنازل عما شاءت منه لزوجها؟!

أو يمتنع بعض الرجال عن تزويج أبنته لأنها كانت تعمل ويأخذ أبوها أجرها فيحبسها، ويرد الأكفاء والصلحاء عنها لأجل ذلك..

وربما كان صفيق الوجه، قليل الحياء، يعلل فعلته الشنيعة في بناته بما مضى من نفقتهن، ويمن عليهن بحق أوجبه الله تعالى لهن، فيحرم بناته أعظم لذة في الدنيا وهي الزواج وطلب الولد، وقد تمتع هو من قبل بهذه النعمة، فأي أنانية تلك، وأي قلوب قدت من حجر قلوب هؤلاء الآباء.

أيها المسلمون: وإذا خطب البنت خاطب وجب على أبيها أن يتحرى عنه، ويسأل عن دينه وأخلاقه، ثم يعرض الأمر عليها إن كان الخاطب ممن يرضى دينه وأخلاقه، ولا يكرهها عليه، فالحق لها، والقول قولها، وهي من تتحمل نتيجة اختيارها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ). وصح في الحديث: (أَنَّ جَارِيَةً بِكْراً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ، أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين القبول أو الرفض). وقد ذكر الفقهاء أن البنت إن رغبت في كفء بعينه، وأراد أبوها تزويجها بغيره من أكفائها‏،‏ وأبى تزويجها من الذي أرادته كان عاضلاً لها، فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها في دين أو خلق فله منعها من ذلك‏،‏ ورد الزوج، ولا يكون عاضلاً لها بهذا.. يقول صلى الله عليه وسلم: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)

نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا، وأن يحفظنا والمسلمين بحفظه، وأن يسبغ على نساءنا وبناتنا ستره، وأن يجنبهن طرق الهلاك والردى إنه سميع مجيب الدعاء.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: وإذا طلقت البنت من زوجها وعادت إلى بيت أبيها فلا يحلُّ له أن يعيرها بطلاقها، ويجب عليه أن يحسن إليها؛ حتى يجعل الله تعالى لها سبيلاً برجل آخر، فإن خرجت من عدتها، وعاد إليها مطلقها يريد نكاحها مرة أخرى فالقول قولها، فإن أرادته فليس لأبيها أن يمنعها منه بحجة أنه طلقها المرة الأولى، وفي مثل هذه الصورة نزلت آية العضل؛ كما روى البخاري عن الحسن البصري رحمه الله في قول الله تعالى:(فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ)  قال: حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه قال: زوجت أختاً لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له زوجتك وأفْرَشْتُك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليك أبداً، وكان رجلاً لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله هذه الآية (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ) فقلت:الآن أفعل يا رسول الله، قال: فزوجها إياه)

وفي رواية قال معقل رضي الله عنه (سمعاً لربي وطاعة، فدعا زوجها فزوجها إياه) وفي هذه الحادثة يقول الحسن رحمه الله تعالى (علم الله تعالى حاجة الرجل إلى امرأته، وحاجة المرأة إلى زوجها فأنزل الله هذه الآية)…أيها المؤمنون: ليس من العيب في شيء أن يعرض الرجل بناته على الأكفاء الصلحاء تصريحاً أو تلميحاً، أو يوصي بذلك من يثق به؛ فإن الأكفاء من الرجال إن رغبوا فيهن حصل له ما أراد، وكان ذلك من تمام إحسانه لبناته، وإن رغبوا عنهن، منعهم دينهم وأخلاقهم من الكلام والثرثرة، وإفشاء سره..

وقد فعل ذلك خيار هذه الأمة من الصحابة والتابعين؛ فعمر الفاروق رضي الله عنه عرض ابنته حفصة على أبي بكر ثم على عثمان رضي الله عنهم، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، وعثمان رضي الله عنه عرض ابنته على عبد الله ابن مسعود مع ما بينهما من خلاف في بعض المسائل..وسعيد ابن المسيب رحمه الله رفض ابن أمير المؤمنين، وقد خطب ابنته، وزوجها من رجل صالح فقير كان يطلب العلم على يديه.

عباد الله: وإن طلقت البنت أكثر من مرة، أو كان أزواجها يموتون عنها، فليس لأبيها أن يعاقبها بمنعها من الزواج؛ حرجاً من كلام الناس، أو خوفاً من شماتتهم، فحق ابنته عليه أولى من مراعاة الناس، ولو أرادت الزواج ولها أولاد فلها ذلك، وليس لأحد أن يمنعها حقها ولو كانت كبيرة السن، فهي أدرى بنفسها، وأعرف بحاجتها، وقد كان الصحابيات رضي الله عنهن لا تنقضي عدة الواحدة منهن إلا وتخطب على الفور، وقد تزوجت أسماء بنت عميس رضي الله عنها جعفراً ثم أبا بكر ثم علياً رضي الله عنهم. وكونها تكون زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة خيراً لها من بقائها بلا زوج.

عباد الله: ومن إحسان الرجل إلى بناته أن يحسن إلى أزواجهن؛ فيبتسم لهم، ويظهر حفاوته بهم، ويحضر ولائمهم، ويدعوهم هو إلى بيته؛ فإنه وإن كان ذا فضل عليهم بتزويجهم، فلهم فضل عليه بحفظ عورة له، وإحسانه إليهم ينتج عنه ولا بد إحسان الأزواج إلى بناته، وهذا ما يطلبه لهن. وينبغي لمن رزقه الله تعالى أولاداً وحفدة ألا يظهر احتفاءه بأولاد بنيه أكثر من احتفائه بأولاد بناته؛ لأن ذلك مما ينكأ في قلوب بناته، ويكون سبباً للعداوة والبغضاء بين أولاده وأحفاده.

ألا فاتقوا الله ربكم رحمكم الله، وأدوا أماناتكم، وأحسنوا إلى بناتكم كما تحسنون إلى أبنائكم، وخذوا في ذلك بآداب الإسلام؛ ففي ذلك خيري الدنيا والآخرة.

اللهم بارك لنا في أولادنا وبناتنا وارزقنا برهم،واجعلهم هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، اللهم حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، واجعلهم من الراشدين.

اللهم أغفر ذنوبهم، وطهر قلوبهم، وحصن فروجهم، وحسن أخلاقهم، وجنبهم رفقاء السوء، واجعلهم من عبادك الصالحين.

اللهم أعنا على تربيتهم وتأديبهم وبرهم، واجعل ذلك خيراً لنا ولهم يا رب العالمين.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في وطننا، ووفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى، ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان، وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة.

اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء…

اللهم كن لإخواننا المستضعفين ناصرا ومؤيدا،اللهم كن لهم في فلسطين وفي  بلاد الشام، وفي اليمن وفي كل مكان، اللهم أصلح أحوالهم، وفرج همهم ونفس كربهم،واحقن دمائهم،وحقق آمالهم، وألف بين قلوبهم، ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلا. اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين… عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين