الجمعة 15 شوال 1439هـ
الموافق 29 يونيو 2018م

الحمد لله عالم الغيب والشهادة، أحل الحلال وحرم الحرام، نحمده سبحانه، قسم العباد بعدله إلى شقي اجتاز حدود ربه وانتهك الحرمات، وسعيدٍ جرى على النهج السديد واتقى الشبهات، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غافر الذنب ومقيل العثرات، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، حث على طلب الرزق الحلال، وحذر من الكسب الحرام؛ نصحاً للأمة وشفقة عليهم ومما يضرهم، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد : فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، فهي الزاد في الدنيا والآخرة، وبها النجاة يوم القيامة، (يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)

معاشر المسلمين: لقد فطر الله عز وجل الخلق على حب المال، ورَكَّب في الطباع الحرص على طلبه وتحصيله؛ لأن به قوام حياة الناس وانتظام أمر معايشهم وتمام مصالحهم… وقد جاء الشرع الحنيف بالحث على السعي في تحصيل المال واكتسابه على أنه وسيلة لغايات محمودة ومقاصد مشروعة، وجعـل للحصول عليه ضوابط وقواعـد واضحة المعالم، لا يجوز تجاوزها ولا التعدي لحدودها كي تتحقق منه المصالح للفرد وللجماعة.. وقد أوجب الدين الإسلامي الحنيف على المسلم أن يطلب المال ويسعى في أسباب تحصيله مما أذن الله به وشرعه من طرق الكسب الحلال والعمل المباح، حتى يستغني المرء به عن ذل السؤال للغير والحاجة للخلق، فطلب الرزق وتحصيله شرف للمؤمن وعزة للمسلم، به تُصان الأعراض وتحفظ الكرامة، وبه يستعان على كثيرٍ من أعمال البر والخير والطاعة، فنعم المال الصالح للمرء الصالح، يقول الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: (يا حبذا المال، أصون به عرضي، وأُرضي به ربي)…عباد الله: الكسب الطيب والمال الحلال ينير القلب، ويشرح الصدر، ويورث الطمأنينة والسكينة والخشية من الله،  ويعين الجوارح على العبادة والطاعة، ومن أسباب قبول العمل الصالح وإجابة الدعاء.

أما الكسب الخبيث فإنه شؤم وبلاء على صاحبه، بسببه يقسو القلب، وينطفئ نور الإيمان، ويحل غضب الجبار، ويمنع إجابة الدعاء. المال الحرام مستخبث الأصول، ممحوق البركة والمحصول، إن صرفه صاحبه في برٍ لم يُؤجر، وإن بذله في نفعٍ لم يُشكر، ثم هو لأوزاره مُحتَمِل وعليه معاقب. يقول بعض الحكماء: شر المال ما لزمك إثم مكسبه، وحُرمت أجر إنفاقه، وفي الحديث أن الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (يَا سَعْدُ أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ عَمَلَ أَرْبَعِينَ يَوْماً، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ)

وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّماءِ يا رَبُّ.. يا رَبُّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ)

لقد استجمع هذا الرجل من صفات الذل والمسكنة والحاجة والفاقة إلى ربه ما يدعو إلى رثاء حاله ويؤكد شدة افتقاره،تقطعت به السبل،وطال عليه المسير،وتغربت به الديار،وتربت يداه،وأشعثّ رأسه،واغبّرت قدماه، ولكنه قد قطع صلته بربه، وحَرَمَ نفسه من مدد الله وفضله، فحيل بينه وبين قبول دعائه بسبب ما هو عليه من استخدام للحرام في المأكل والمشرب والملبس،أكل من حرام،واكتسى من حرام،ونبت لحمه في حرام،فردت يداه خائبتين،بربكم يا عباد الله ماذا يبقى للعبد إذا انقطعت صلته بربه، وحُجب دعاؤه، وحيل بينه وبين رحمة الله عز وجل؟! ولذا كان السلف الصالح رحمهم الله ورضي عنهم، في غاية الخوف من أكل الحرام والمبالغة في التحذير منه، حتى قال بعضهم: لو قُمتَ في العبادة قيام السارية ما نفعك ذلك حتى تنظر فيما يدخل بطنك..

وروى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه غلام فجاء له يوماً بشيء فأكل منه، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟! فقال أبو بكر: وما هو؟ فقال: تكهَّنتُ لإنسان في الجاهلية وما أُحسنُ الكِهانة إلا أني خدعته، فَلقينِي فأعطاني بذلك هذا الذي أكلتَ منه، فأدخل أبو بكر يده في فمه فقاء كل شيء في بطنه، وفي رواية أنه قال: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها، اللهم إني أبرأ إليك مما حملت العروق وخالط الأمعاء). ورُوي أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، شرب لبنًا فأعجبه، فقال للذي سقاه: من أين لك هذا؟ فقال: مررت بإبل الصدقة وهم على ماء فأخذت من ألبانها، فأدخل عمر يده في فمه فاستقاء،( لأنه علم أن الصدقة لا تحل له، وغير محتاج إليها)… والإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: إن الدنيا حلالها حساب وحرامها عذاب، وشبهتها عتاب…

وتوصي إحدى الصالحات زوجها وتقول له: يا هذا، اتق الله في رزقنا، فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار.

عباد الله: أولئك هم الصالحون يخرجون الحرام والمشتبه من أجوافهم، وقد دخل عليهم من غير علمهم ،وخلفت من بعدهم خلوف يعمدون إلى الحرام ليملئوا به بطونهم وبطون أولادهم وأهليهم،ولا حول ولا قوة إلا بالله… وإن من العجب العجاب، أن يحتمي بعض الناس من الحلال مخافة المرض ولا يحتمون من الحرام مخافة النار، وما ذاك إلا لقسوة القلوب، واستيلاء الغفلة على النفوس وضعف الإيمان، وقلة البصيرة في الدين.

أيها المؤمنون: إن للمكاسب المحرمة آثاراً سيئة على الفرد والمجتمع، فإنها تُضعف الديانة، وتعمي البصيرة، ومن أسباب محق البركة في الأرزاق، وحلول المصائب والرزايا، وحصول الأزمات المالية المستحكِمة والبطالة المتفشية، وانتشار الإحن والشحناء والعداء والبغضاء…

وإن مما يؤسى له عظيم الأسى أن في الناس من لا يتحاشون عن اكتساب المال الحرام وتحصيله من أي طريق وعبر أي وسيلة، إذ ليس لهم همٌّ إلا تكديس الأموال وتضخيم الثروات، فالحلال في عرفهم ما قدروا عليه، والحرام ما تعذر وصولهم إليه، يسلكون في طلبه مسالك معوجَّة وطرقاً مظلمة، وسبلاً مشبوهة، بل وقد لا يكترثون من المجاهرة بالمكاسب الخبيثة والاستيلاء على الأموال المحرمة التي لا شبهة في تحريمها، حتى أصبح هذا المسلك المشين لشيوعه وانتشاره ظاهرة مألوفة في كثير من مجتمعات المسلمين، حيث فشا فيها أكل الربا وتعاطي الرشوة ولعب القمار والغصب والسرقة والاختلاس والغش والمتاجرة بالمحرمات كالخمور والمخدرات ، وفتح بيوت العهر والدعارة، وممارسة السحر والشعوذة، وتطفيف المكاييل والموازين والغش والخداع في البيوع والمعاملات، وإنفاق السلع بالأيمان الفاجرة، وأكل أموال اليتامى والقاصرين، والاستيلاء على الحقوق والممتلكات، واختلاس الأموال الخاصة والعامة، بأساليب مختلفة وسبلٍ متنوعة، بلا خوفٍ ولا وجل من الله ولا حياءٍ من عباد الله، في صور مهينة من صور البطر والأشر والجشع والطمع لدى بعض النفوس، حين يضعف فيها وازع الإيمان، وتتحلل من المروءة ومكارم الأخلاق، وإنه ليكاد يصدق على هذا الزمان ما جاء في الحديث عند البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال:(يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم من الحرام؟ فإذ ذلك لا تجاب لهم دعوة!)… فأين هؤلاء عن قوارع التنزيل التي تُتلى، والأحاديث التي تُروى في التحذير من أكل الحرام وبيان عاقبة صاحبه وسوء مصيره ومنقلبه؟! أليس لهم فيها مُدّكرٌ وواعظ ومزدجرٌ ورادع؟! يقول عز وجل: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا).. ويقول الحق جل وعلا في التحذير من الربا: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ ٱلرّبَوٰاْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ،  فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبتُمْ فَلَكُمْ رُءوسُ أَمْوٰلِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) ، ويقول عز شأنه في بيان ما أعد من العذاب لأكلة أموال اليتامى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)، ويقول جل وعلا متوعدًا أهـل التطفيف للمكاييل والموازين: (وَيْلٌ لّلْمُطَفّفِينَ  ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ  وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ  أَلا يَظُنُّ أُوْلَـئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ  لِيَوْمٍ عَظِيمٍ  يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ). وفي الحديث الصحيح يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم  :(من اقتطع حق امرئ مسلمٍ بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرّم عليه الجنة)، فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيراً يا رسول الله؟ قال: (وإن كان قضيباً من أراك ( أي سواك) ويقول صلى الله عليه وسلم  :(من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطًا فما فوقه كان غلولاً ( أي خيانة وسرقة) يأتي به يوم القيامة) ، والله عز وجل يقول: (وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)

أيها المسئولون، أيها الموظفون،أيها العمال،أيها التجار والصناع،أيها السماسرة والمقاولون، أيها المسلمون والمسلمات، حقٌ علينا وعليكم تحري الحلال والبعدُ عن المشتبه، أحفظوا حقوق الناس ، أنجزوا أعمالهم، أوفوا بالعقود والعهود،اجتنبوا الغش والتدليس والرشاوى،والمماطلة والتأخير، اتقوا الله جميعاً، فالحلال هنيءٌ مريءٌ ينير القلوب، وتنشطُ به الجوارح، وتصلح به الأحوال،وتصح به الأجسام، ويستجاب معه الدعاء. يقول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ ـ يتصرفون ـ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)

فاتقوا الله رحمكم الله، واجتنبوا ما حرم ربكم عليكم ونهاكم عنه من المكاسب الخبيثة والأموال المحرمة، واقنعوا بما أحل لكم من الطيبات، ففي الحلال الغنية والكفاية والسعادة في الدنيا والآخرة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٰكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)

اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، يا واسع الفضل والإحسان، يا أكرم الأكرمين.

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ذي الجلال والإكرام،نحمده سبحانه هو الملك القدوس السلام، ونشكره على ما حبانا به من الفضل والإنعام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي أوضح الأحكام، وبين الحلال والحرام، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أفضل مرسل وأكمل إمام، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الأئمة الأعلام.

أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون: إن  مِن أعظم الخيانةِ وأقبحِ الأعمال أن يشرِّفَك الله ـ أيّها المسلم ـ بحَملِ أمانةِ عملٍ من أعمالِ المسلمين، ثم تتَّخِذ من ذلك العمَل مطيّةً لجمع الأموالِ ونيلِ المصالح الخاصّة بالخيانة والنّهب والسّلب والتحايُل على ما ليس بحقّ.

فيا أيّها المسلم:أتق الله واعلم عِلماً جازماً أنَّ أيَّ وظيفة من الوظائف كبيرة أو صغيرة فهي أمانةٌ عظيمة ومسؤوليّة كبرى لا يجوز بأيِّ حالٍ منَ الأحوال أن تجمَعَ الأموال بسبَبِها أو أن تتكسَب بواسطتها، فالحذرَ الحذرَ من ذلك، فلقد أرسَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صاحبُ الإصلاح الشامِل، لقد أرسى قاعدًة لا تقبل تأويلَ المتأوِّلين ولا تعسُّفَ المتعسِّفين قاعدةً تتضمَّن تحريمَ كسبَ الأموالِ عن طريق الوظائِفِ والأعمال التي للمسلمين، فلقَد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً  لجمع الصدقات، فلمّا قدِم قال: هذا لكُم وهذا أُهدِيَ إليَّ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمِد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي أَفَلا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لا ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا- أي من هذه الأعمال والمناصب- إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ)

عباد الله: إن الفساد الإداري والمالي قد أنتشر على نطاق واسع في أكثر بلاد المسلمين، وأدى بهم إلى ما ترون من الكساد الاقتصادي والتخلف والانحطاط، والفقر والحاجة، وضعف الديانة وفساد الأخلاق؛ حتى إن عفيف اليد في بعض المجتمعات المعاصرة، غريب بين أقرانه ، وغاب السؤال المشهور للخونة والغالين : من أين لك هذا؟ وحل مكانه القول عن المتعففين : فلان ضيع على نفسه الفرصة بمثاليته، ولو كنت مكانه(هكذا يقول بعض الغافلين) لأصبحت من أثرياء الناس، وأضحى كثير من هؤلاء الذين ضعف دينهم، ومرجت عهودهم، وفسدت ذممهم، هم سراة الناس وقدوتهم بما يملكون من مال وجاه، وكبروا أربعاً على مجتمعات يكون أهل القدوة فيهم هم السراق والنهاب، وأكلة الحرام، وأهل الغلول والخيانة للأوطان والشعوب… وأدى هذا الفساد العظيم إلى تعطيل مصالح العباد في كثير من ديار أهل الإسلام، وظلمهم بغير وجه حق، فمن يملك الوظائف يغلها فيحبسها على بنيه وقرابته، وأهل عشيرته وجماعته، ولو كان في الناس من هم أولى بها منهم،ويحرم منها الأكفاء من أبناء المسلمين…. ألا فاتقوا الله عباد الله، وتذكروا العرض على الله يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية، وأدوا ما حملتم من أمانات، وإياكم والغلول فإنه عار في الدنيا والآخرة، ومن أخذ شيئاً ليس له فيه حق من أموال المسلمين حمله على رقبته يوم القيامة، وحوسب به، ولا تحتقروا القليل مما ليس لكم ؛ فإن العبد يحاسب على القليل والكثير، والكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، والقليل مع القليل يصير كثيراً، ومن عود نفسه على الورع والمحاسبة اعتادت ذلك، وإن من الغبن العظيم، والخسران الكبير أن يجمع المرء مالاً عظيماً من طرق محرمة ثم يخلفها لوارثه، وحسابها على ظهره، فخسارة له، وخسارة لمن باع آخرته بدنياه، وأشد خسارة منه من باع آخرته بدنيا غيره، وما أكثرهم في الناس اليوم وهم لا يشعرون بخطر ما يفعلون بسبب تمكن الدنيا من قلوبهم، وغلبة الشهوات عليهم، فاحذروا – عباد الله – أن تكونوا منهم وأنتم لا تعلمون، أو تتشبهوا بهم، أو تتمنوا أفعالهم، وليكن قدوتكم في عفة اليد، وطيب المطعم، وأداء الأمانة: رسول الله صلى الله عليه وسلم،وآل بيته الطاهرين، وصحابته المكرمين، والصالحين من عباده المؤمنين،رضوان الله عليهم أجمعين.

اللهم أغننا بحلالك عن حرامك،وبطاعتك عن معصيتك،وبفضلك عمن سواك،اللهم إن كان رزقنا في السماء فأهبطه، وإن كان في الأرض فأظهره، وإن كان بعيداً فقربه، وإن كان قريباً فيسره، وإن كان قليلاً فكثره وبارك اللهم لنا فيه0 اللهم أجعل أوسع رزقك علينا عند كبر سننا، وانقطاع عمرنا،اللهم إنا نسألك رزقاً طيباً وعملاً متقبلا ،اللهم عليك توكلنا فارزقنا واكفنا،ورضنا بقضائك وقنعنا بعطائك واجعلنا من أوليائك،  اللهم ارزقنا رزقاً حلالاً بلا كد، واستجب دعائنا بلا رد، اللهم لاتجعل بيننا وبينك في رزقنا أحداً سواك، واجعلنا أغنى خلقك بك وأفقر عبادك إليك وهب لنا غنى لايطغينا  وصحة لاتلهينا.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في وطننا، ووفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.

اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء…

اللهم كن لإخواننا المستضعفين ناصراً ومؤيداً، اللهم كن لهم في فلسطين وفي سوريا، وفي اليمن وفي بورما وفي كل مكان، اللهم أصلح أحوالهم، وفرج همهم ونفس كربهم،واحقن دمائهم،وحقق آمالهم، وألف بين قلوبهم، ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلا.اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أغفر لنا ولأمواتنا ولأموات المسلمين، وأحل روحهم محل الأبرار وتغمدهم بالرحمة آناء الليل وأطراف النهار واجعل ملائكتك المقربين يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين…

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين