الجمعة 2 رمضان 1439هـ
الموافق 18 مايو 2018م

الحمد لله الذي خصّ شهر رمضان بمزيد الفضل والإكرام، نحمده سبحانه ونشكره على إحسانه وجميله العام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهٌ تفرّد بالكمال والتمام، شهادةً مبرّأةً من الشرك والشكوك والأوهام، نرجو بها النجاة من النار والفوز بدار السلام، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أفضل من صلى وصام، وأتقى من تهجّد وقام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه هداة الأنام، ومصابيح الظلام، وسلم تسليماً كثيراً.. أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله جل وعلا، اتقوه تعالى بفعل أوامره واجتناب نواهيه، فلا يفتقدكم حيث أمركم، ولا يراكم حيث نهاكم، وتزوّدوا من دنياكم لأخراكم، واحرصوا على ما يقربكم من خالقكم ومولاكم، فإنه تعالى قريب مجيب، يعطي من سأله، ويجيب من دعاه.

معاشر المسلمين: في أوائل أيام شهر رمضان المبارك، نهنئ أنفسنا وبلادنا ملكاً وحكومة وشعباً والمسلمين جميعاً، ببلوغ هذا الشهر العظيم،جعله الله مباركاً علينا وعلى عموم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها،وأهله على الجميع بالأمن والأيمان والسلامة والإسلام، والعز والنصر والتمكين للمسلمين في كل مكان..

عباد الله: يعيش المؤمنون في هذه الأيام الكريمة، فَرحةً عظمَى بِدخولِ هذا الشَّهرِ المبارَك، الّذي جعَلَه ربُّنا مَوسماً للخيرات، وفُرصة لاغتِنام الصّالحات.. وكان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان،ويبين لهم فضائله وخصائصه، ويحثُّهم فيه إلى عمل الخَيرات ونَيلِ البركاتِ فيقول: (أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مِرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ) ولله در القائل:

رَمَضَانُ أَقْبَلَ قُمْ بِنَا يَا صَاحِ

هَذَا  أَوَانُ   تَبَتُّلٍ   وَصَلاحِ

الكَوْنُ مِعْطَارٌ بِطِيبِ قُدُومِهِ

رَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَنَفْحُ أَقَاحِي

صَفوٌ أُتيحَ فَخُذ لِنَفسِكَ قِسطَها

فَالصَفوُ لَيسَ عَلى المَدى بِمُتاحِ

واغنَمْ ثوابَ صيامه وقيامِه

تَسعَدْ بخيرٍ دائم وفَلاحِ

ويقول صلى الله عليه وسلم: (افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ ، فَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَفَحَاتٌ مِنْ رَحْمَتِهِ، يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ. ويقول صلى الله عليه وسلم (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، و مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، ومَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) فها هي رياح الإيمان قد هبَّت، ومواسم الخير قد أقبلت فاغتنموها.

أيها المسلمون: رمضان فرصة للتوبة والإنابة، فالله قد فتح أبوابه، وأجزل ثوابه، وقبل توبة التائبين، يقول تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ويقول صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ) ويقول صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بالليلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، ويَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها). والله تعالى يفرح بتوبة عبده، وليس أحدٌ أشدَّ فرحاً من الله بها، وإذا فرح الله بك يوم تتوب فأيّ خير ستلقاه؟! وأي شر ستوقاه؟!

أيها العاصي المُفَرِّط، وكثير منا هو  ذلك الإنسان المخاطب،  يا من نسي عبادة ربه، وعكف على المحرمات والمعاصي، أما آن لك أن تنتهي؟! أما ملّت نفسك هذا الطريق؟! مَنْ لم يتبْ ويرقَّ قلبُه في شهر رمضان فمتى يتوب ويرجع إلى الله عز وجل؟!

عباد الله: رمضانُ شهر القرآنِ الكريم، حيث كان جبريل عليه السلام يلقى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيه، في كلِّ ليلة فيدارِسُه القرآن، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) وقد كان سفلكم الصالح رحمهم الله إذا جاءَ رمَضان ترَكوا الحديثَ وتفرَّغوا لقراءةِ القرآنِ، وسيرتُهم إلى وقتٍ قريب، شاهدةٌ لمن يختِم القرآن في رمضانَ كلَّ يوم، أو كلَّ ثلاثةِ أيّام ونحو ذَلِك..يقول صلى الله عليه وسلم: (الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ . قَالَ : فَيُشَفَّعَانِ) ويقول عليه الصلاة والسلام: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعاً لِأَصْحَابِهِ) ويقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْف) ٌفالهَجوا – رعاكُم الله- بذِكرِ ربِّكم، ورَطِّبوا ألسِنَتكم بتلاوةِ كِتابِه، فبهِ تزكو النّفوس، وتنشرِح الصدور، وتعظُم الأجور.

عباد الله: شهرُ رمضان، شهرُ القيام والتراويحِ والذّكر والاستغفار والتسابيح، والصلاة والسلام على الرسول، فاعمُروا لياليَه بالصلاةِ والدّعاء والذكر وقراءةِ القرآن، ورُبَّ دعوةٍ صادقةٍ بجَوف ليلٍ، تسري حتى تجاوِزَ السماءَ، فيكتب الله بها لَك سعادةَ الدّارين…

أيها الأخوة والأخوات في الله: اعتاد بعضنا في رمضان على أداء عبادات معينة كالصيام والقيام وقراءة القرآن، وهناك عبادات أخرى قد تفضل عليها في الأجر؛ إما لمكانتها أو لهجر الناس لها، وإتيان تلك الطاعات في مثل هذه الأيام إحياء لها وتذكيراً للناس بتنوع العبادات وتعددها لمن أراد الزلفى من الله سبحانه، ومن تلك العبادات: عيادة المرضى، وبر الوالدين وصلة الأرحام، وإصلاح ذات البين، وزيارة المقابر، والصلاة على الجنائز، والعبادات المتعدية كإطعام الطعام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الناس الخير والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

أيّها الصّائمون والصائمات: رمَضان شهرُ الفُتوحات والانتِصارات، وبقدر ما نستبشِر بحلوله، بقدرِ ما نعقِد الآمالَ أن يبدِّل الله حالَ الأمّة إلى عزٍّ ونصرٍ وتمكين، وأن يردَّها إليهِ ردًّاً جميلاً، وإلاَّ فإنّ رمَضانَ يحلّ بِنا، والأمة الإسلامية مثخَنَة بالجراح، مثقَلَة بالآلام.. ما هي حال إخوانكم المستضعفين المضطهدين في دينهم وحقوقهم وأوطانهم في فلسطين وبيت المقدس وفي بلاد الشام وفي اليمن وفي بورما وفي غيرها من بلاد العالم، إنَّ أقلَّ حقٍّ لإخوانِكم، وليس بقليلٍ في هذا الشهرِ الكريم، أن تذكروهم بدعاءٍ صادق، وأن تدعُوا الله لهم في سجودِكم وإخباتكم، وأن تشاطِروهم قضاياهم، وتهتمّوا بأحوالهم،ولا تبخلوا بالبذل لهم من أموالكم  بسخاء،ومن لم يهتمَّ بأمرِ المسلمين فليس منهم، فالْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ, لَا يَظْلِمُهُ, وَلَا يُسْلِمُهُ, ولا يخذله، ولا يحقره.

إخوة الإيمان: شهر رمضان شهر الجود والكرم، والسماح والندى،فقد كان نبيكم صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس بالخير، وكان أجودَ ما يكون في رمضانَ حين يلقاه جبريلُ فيدارسه القرآن، فلرسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين يلقَاه جبريلُ، أجودُ بالخيرِ من الرّيح المرسلة) والجود – عباد الله – أنواع متعددة، وأشكال مختلفة، وكل أحد يجود بما يستطيع، ومن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالفضل والعطاء… ألا وإن من أبرز خصال الكرم، وأنبل أنواع الجود، الإحسان إلى العباد، وإيصال النفع إليهم بكل طريق، من إطعام جائع، وإعانة محتاج وفقير، وكفالة يتيم، ورعاية أرملة، ففي رمضانَ تصفو النّفوس وتتهذّب الأخلاق. ويواسَى الفقراء والبؤساء، فهو شهرُ الصّدقة والمواساة، فيا مَن أفاء الله عليه من الأغنياء والموسرينَ، إنَّ الله هو الذي يعطِي ويمنَع، ويخفِض ويرفَع، وهو الذي استخلَفَكم فيما رزقَكم لينظرَ كيف تعملون، والمؤمِنُ في ظِلِّ صدقته يومَ القيامة،(وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ، وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ولن يعدم المسلم الصّادق أن يوصلَ إحسانَه للمحتاجين بنفسِه، أو عَبر الجمعيّات والمؤسّسات الخيريّة الموثوقة، وهي بحمدِ الله في بلادنا وبلادِ المسلمين كثيرة ومعروفة

أيها الأخوة والأخوات في الله: وإذا ما ذكرنا الجود والكرم، فإننا لا ننسى أن نتقدم بالشكر والتقدير والامتنان، لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله، لتوجيهاته السديدة للمؤسسة الخيرية الملكية برئاسة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة رئيس مجلس أمناء المؤسسة،وأمره كعادته السنوية بصرف المكرمة الرمضانية للأيتام والأرامل وجميع الأسر المنتسبة إلى المؤسسة بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، وذلك حرصاً من جلالته للتخفيف من أعباء الحياة المعيشية على الأسر المحتاجة، وإعانتهم على مواجهة الأعباء المادية، وتوفير احتياجاتهم ومستلزماتهم للشهر الكريم، بما يضمن لهم حياة كريمة ومستقرة.. والشكر موصول أيضاً  لسمو رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة على ما تفضل به من توزيع للمعونات والاحتياجات الرمضانية التي دأب عليها في كل عام للأسر البحرينية المحتاجة والمتعففة. نسأل الله عز وجل أن يجزيهم على ذلك خير الجزاء، وأن يجزي كل من أنفق وتصدق وزكى من ماله خيراً، وأن يبارك لهم في أعمارهم  وأولادهم وذرياتهم، وأن يوفقهم إلى مافيه الخير لوطنهم ومواطنيهم إنه سميع مجيب الدعاء.

اللهم كما وفقتنا لإدراك شهر رمضان، فوفقنا فيه لاغتنام صالح الأعمال، واجعلنا فيه من المقبولين، ومن عتقائك من النار يارب العالمين، اللهم واجعلنا من المخصوصين فيه بالخيرات والبركات، وارفع لنا بصيامه وقيامه عندك الدرجات، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، وأقول قولي هذا، وأستغفِر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي جعل الصّيامَ جُنّة وسبباً موصِلاً إلى الجنّة، نحمده سبحانه ونشكره، هدى ويسّر فضلاً مِنه ومِنة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، ونشهد أنّ نبينا محمّداً عبده ورسوله، دلّنا على أوضحِ طريقٍ وأقوم سُنّة، صلّى الله وبارك عليه، وعلى آله وأصحابِه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليماً كثيراً..

أما بعد فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنه ينبغي للمسلمِ أن يتعلّم أمورَ دينه وكيفَ يعبُد ربَّه، وأن يحرِص على معرفةِ الأحكام قبلَ العمل، ليعبدَ الله على بصيرةٍ…

وللصّيام أحكام، منها أنّه يجِب على كل مسلم بالغ عاقل مقيم صحيح، ويجب أن تكون المرأة طاهرة من الحيض والنفاس…

وأما الصغير الذي دون البلوغ فلا يجب عليه الصيام، ولكن يؤمر به إذا كان يطيقه، ليعتاده ويتربى عليه ،ويكون له نافلة ولوليه أجراً.. وينبغي التنبُّه للبلوغ المبكِّر خصوصاً عند الفتيات… أمّا المجنون والمعتوه فمرفوعٌ عنهما القلَم، فلا صيامَ ولا إطعامَ عنهما. ومِثل المجنونِ مَن أدركه خرفُ الكِبَر، فأصبح لا يدرِك شيئاً بسبَب الشيخوخة، فكذلك لا شيءَ عليه ولا على وليِّه ، كما أنّ الصومَ لا يجِب على العاجِز عنه، كالكبير والمَريض مرَضاً لا يُرجى شفاؤه، فيفطران ويطعمان عن كلّ يوم مسكيناً، أمّا المريض مرضاً يُرجى شفاؤه، فيفطِر ثمّ يقضي إذا شفاه الله، وكذا المرأة الحاملُ إذا شقّ عليها الصّوم أو خافت على نفسِها أو على جنِينِها، ومثلُها المرضِع، فتفطران ثم تقضِيان بعد ذلك، على الصحيح من أقوال أهل العلم، وكذلك المسافر يجوز له الفطرُ ويقضي بعد ذلك.

ولا يجب الصّوم على الحائِض والنّفساء، ولا يصحّ منهما، فتفطران وتقضيَان بعدَ رمضان، وإن طهُرت قبلَ الفجر ولو بلحظةٍ صحّ صومها إذا نوَت ولو لم تغتسِل إلاّ بعد طلوعِ الفجر.وإذا انقطع الدم عن المرأة وطهرت في أيام النفاس،ولو قبل تمام الأربعين، فإنها تغتسل ثم تؤدي الصلاة والصيام إن كانت في وقت صيام..

كما ينبغي للصّائم أن يتجنّب المفطراتِ التي تبطِل صومَه، من طلوعِ الفجر إلى غروب الشّمس، وهي الأكل والشّربُ وما في معناهما كالإبَر المغذّية، أمّا ما ليس بمعنى الأكلِ والشّرب، فلا يفطّر كقطرةِ العَين والأذن. ومَن أكل أو شرِب ناسياً فليتمَّ صومَه ولا شيءَ عليه، فإنما أطعمه الله وسقاه.. ومِن المفطّرات الجماعُ للزوجة في نهار رمضان، فهو مفسدٌ للصّوم، وفيه الكفّارة المغلّظة مع التّوبة، ويجوزُ في اللّيل، كما يحرم إنزالُ المنيِّ اختياراً في نهار رمضان بأيّ سببٍ كان، فإنّه مفسدٌ للصّوم، ويجِب فيه القضاءُ، أمّا القبلة المجرّدة من الشّهوة للزوجة فلا شيءَ فيها، وأمّا الاحتلام مِن النّائم فلا يفسِد الصومَ، بل يغتسِل ويتمّ صومَه… ومِن المفطّرات أيضاً تعمُّد القيء، أمّا إن كان بغيرِ اختيارِه كأن غلبَته نفسُه فلا شيء عليه، وصومه صحيح…. وكلّ هذه المفطّرات لا تبطِل الصّيام إلاّ إذا فعلها الصائم عالماً بها ذاكراً لها باختياره….

ويجوز للصّائم الاكتحالُ ومداواة الجروح والتبرُّد والتطيّب.كما يجوز له أن يبخ في فمه ما يخفف عنه ضيق التنفس الحاصل من الربو وغيره إذا احتاج لذلك. وليحرِص المسلم على إتباع  هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل الفطرِ، وتأخير السّحور، والدّعاء عند الفطر، والاستغفار في السحر، والإكثارِ من قراءة القرآن والذّكر والدّعاء والصّدقة ومساعدةِ المحتاجين وصِلة الرّحم وتطهير النّفس من الدّنَس والمحافظة على الصّلاة مع جماعةِ المسلمين في المساجدِ والقيام مع الإمام في صلاة التراويح، فهي أيّام معدودة، عمّا قليل سوف تنقضي، فيحمَد العاملون عاقبتَهم بقول الله لهم: (كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِى ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ) نسأل الله تبارك وتعالى أن يفقهنا في الدين وأن يلهمنا رشدنا، ويعيذنا من شر أنفسنا،وأن يعيننا على صيام رمضان وقيامه،وأن يتقبلنا فيه،ويجعلنا من عتقائه من النار… اللهم وفقنا للعمل بما يرضيك،وجنبنا أسباب سخطك ومعاصيك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.اللهم حبب إلينا الأيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

اللهم آمنا في وطننا، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا ذا الجلال والإكرام. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، ناصراً ومؤيداً، اللهم وأصلح أحوالهم في فلسطين وفي سوريا وفي اليمن وفي بورما وفي كل مكان، اللهم فرج همهم ونفس كربهم، وألف بين قلوبهم،واحقن دمائهم ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلا. اللهم أحفظ بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وأحفظ خليجنا من كيد الكائدين وحسد الحاسدين، اللهم كن لولاتنا مؤيداً ونصيراً ومعينًاً وظهيراً، اللهم واربط على قلوب جنودنا ورجال أمننا، الذائدين عن مقدساتنا وحرماتنا، والمرابطين على حدودنا وثغورنا، اللهم قو عزائمهم  وأنزل السكينة عليهم ، وأنزل عليهم نصراً من عندك ، اللهم كن لهم ولا تكن عليهم يارب العالمين.. اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين..

اللهم بارك لنا في رمضان، وأعنا على الصيام والقيام وسائر الطاعات يا رب العالمين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.. هذا، وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنِّعمة المُسداة: نبيِّكم محمدٍ رسولِ الله؛ فقد أمرَكم بذلك ربُّكم في مُحكَم تنزيلِه، فقال وهو الصادقُ في قِيلِه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين…

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين