الجمعة 13 رجب 1439هـ
الموافق 30 مارس 2018م

الحمد لله الذي شرع لنا من الدين ما فيه صلاحنا وهدانا، وعلمنا ما ينفعنا في دنيانا وأخرانا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يحب من عباده التماسك والتواصل على ما يرضيه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، قدوتنا فى التزاور والتواصل، وأسوتنا فى البر والصلة، وإمامنا فى كل خير وأدب، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد:فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وراقبوه في سركم وعلانيتكم، فإن أعمالكم محصاة عليكم، وإن ألفاظكم مدونة في كتابكم: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) وإنكم تسألون يوم القيامة عما قلتم وما عملتم، فكم من قائل قولاً أنكره، وكم من عامل عملاً جحده، فتشهد الأركان بالأقوال والأعمال، (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
معاشر المسلمين: كان اللسان من قبلُ ينطقُ كثيراً، وكان العلماء والوعاظ يحذرون من فلتات اللسان وآفاته؛ حتى ألفت الكتب في التحذير منه، وبيان خطورته، وسيقت النصوص المعظمة لشأنه، واستحضر الناس فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَهَلْ يُكِبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟) وقوله عليه الصلاة والسلام (إن العبدَ ليتكلمُ بالكلمةِ، ما يتبيَّنُ ما فيها، يهوي بها في النارِ، أبعدَ ما بينَ المشرقِ والمغربِ) هذا في الزمن الذي كان فيه اللسان ملك البيان، لا تنافسه فيه إلا الكتابة والإشارة وهما قليلتان، أما اليوم فإن كثيراً من النطق قد تحول من اللسان إلى الأصابع، فصارت أصابع بعض الناس، تتحدث أكثر من ألسنتهم، بما فتح الله تعالى على البشر، من علوم الاتصال والتواصل الاجتماعي.
إنها ثورة في التقنيات والتواصل قد غيرت الأخلاق والسلوك، وأنماط التعامل بين الناس، حتى قلبت حياتهم رأساً على عقب. فالبيوت الحية بحديث أهلها، صمتت كأنها خالية من أهلها، ومنتديات الناس للحديث والمؤانسة، اتخذ الناس بدلاً عنها مقاهٍ مظلمة كأنها مقابر، وحينما كانت الضوضاء تخرج من بيوت الأجداد والجدات في آخر الأسبوع، حيث اجتماع الأولاد والأحفاد، ذهبت هذه الحيوية والنشاط، فيأتي كلُ واحد منهم يتأبط ويحمل هاتفه وجهازه، فيسلمون على بعضهم البعض، ثم يتخذ كل واحد منهم من كبير وصغير وذكر وأنثى زاوية من الغرفة، أو المنزل فيعيش بجسده مع أهله، وأما روحه وعقله، فمع من يحادث في جهازه، حتى إنه ليُكَلَّم فلا يسمع، ويُسأل فلا يجيب، ولا يتحرك من مكانه إلا بأن يتبرع أحدهم، فيهزه أو يحول بيده بين بصره وجهازه، وربما غضب من ذلك، فإن كان دعي إلى عشاء، رفضه غضباً وهو جائع..
إنها وسائل أدت في كثير من الأحيان إلى العقوق، فالجدة تسأل ولا أحد يجيبها، وتتحدث ولا أحد ينصت لها، أخذتهم أجهزتهم عنها.. حتى إذا شعرت أنه لا أحد ينصت لحديثها صمتت منكسرة من أقرب الناس إليها… ويكون الولد مع أمه أو أبيه لا يشاركه في مجلسه أحد غيره، حتى إذا مضى وقت قليل على جلوسه، أخرج جهازه ليشاركه معه في أمه أو أبيه، فينطق معه أو معها تارة، وينظر في جهازه تارة أخرى، ويحاول الجمع بينهما، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، حتى إذا أعياه التركيز اختار البر فأقفل جهازه، أو اختار العقوق فترك حديث أمه أو أبيه، أو تخلص من مأزقه بالاستئذان في الخروج، وما له من حاجة إلا أنه يريد أن يحادث بهاتفه وجهازه. ولو أنه أشرك أمه وأباه فيما يرى ويقرأ لسرهما بذلك، ولكنه لا يفعل ربما لأن ما يشاهده وما يقرؤه لا يسر ولا ينفع بل يضر ويحزن… والواجب على الولد إن كان بحضرة أحد أبويه أن يقفل جهازه، ويقبل بكليته عليه، ويصغي إليه، ولا ينشغل عنه، إلا إذا كان سيشركه فيما يقرأ ويشاهد، ويعلم محبته لذلك… ومن سوء أدب المجالس أن يشغل الجليس عن جليسه بمحادثة أو نحوها، فيترك آدمياً أمامه ويقبل على جهاز في يده، إلا أن يستأذنه لأمر لا يحتمل التأخير.
إنها وسائل قربت الرجال من النساء، والشباب من الفتيات، فأوقعت في كثير من البيوت الريب والشكوك والمفاسد، وأوصلت كثيراً من الأزواج والزوجات إلى عتبة الطلاق بعد الخصام والشقاق، وفي عدد من الإحصاءات الرسمية في الدول العربية، بينت أن نسب الطلاق بين الزوجين قد ارتفعت ارتفاعاً مخيفاً بعد ثورة التواصل الاجتماعي..
أيها المؤمنون: وكم من فتاة غُرر بها عن طريق هذه الوسائل وهي التي لا تعرف للشر طريقاً، ولا للإثم سبيلاً، وليس في قلبها أي ريبة ولكن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) وقد وفرت برامج التواصل الاجتماعي خلوة بين الجنسين للحديث والتباسط ورفع الكلفة والمضي ساعات طوال في أحلام، وسهر ليال على أوهام؛ حتى تألفه ويألفها، فلا تقدر على مفارقته، وفي كثير من الحالات يضحك عليها بجميل الكلام، وإظهار الحفاوة والاهتمام، فتريه صورها لينحرها بها بعد أن يبتزها ويعذبها ويهلكها ويتلف أعصابها، وفي البيوت مآس لا يعلمها إلا الله تعالى، خفف الله تعالى عن أهلها،وحمانا وحفظنا وأولادنا وإياكم منها، وأسبغ علينا وعلى المسلمين ستره وعفوه.
عباد الله: ويخلد بعض الناس إلى فراشه، متعب يغالبه النوم، ولربما تكاسل عن الوضوء والوتر من شدة تعبه وغلبة نومه، فيطل طلة أخيرة على جهازه قبل النوم، فيرى محادثة فيرد على صاحبها، ويظل يحادثه حتى منتصف الليل، أو بزوغ الفجر، ولم يشعر بتعبه ونومه، وقد بخل على ربه بركعة أو بثلاث ركعات… ويصحو النائم حين يصحو وأول حركة يقوم بها أن يلتقط جهازه لينظر من حادثه أثناء نومه، قبل أن يذكر الله تعالى، وقبل أن يقول أذكار الاستيقاظ من النوم وقد ينساها… بل قد فتنت وسائل التواصل الحديثة الناس في عباداتهم؛ فكثير من المعتكفين تمضي أكثر أوقاتهم في المحادثات؛ لتردهم وتصرفهم عن كثير من القرآن والصلاة والذكر، وكم أمضى حجاج أيام الحج بالمحادثات فشغلتهم عن الدعاء في مواطنه الفاضلة، والتعبد في المشاعر المقدسة، ومن الناس من يسلم من الصلاة فلا يقول الأذكار إلا وهو يلتقط جهازه، لينظر من حادثه أثناء صلاته، وكم من قارئ للقرآن أمسك عن القراءة واشتغل بالمحادثة ومصحفه في حجره.. وقد يؤذن المؤذن وهو في محادثة، وتقام الصلاة وهو لا زال في محادثته، فتفوته صلاة الجماعة، وأمثال ذلك كثير.. يعلمه الناس من أنفسهم أو ممن هم حولهم، حتى كانت هذه الوسائل سبباً من أسباب الصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة، ومن وجد في نفسه شيئاً من ذلك وجب عليه أن يخفف ويتخلص من هذا الإدمان؛ لئلا يذهب عليه دينه بسبب هذه الوسائل الملهية، المضيعة للوقت والعمر.
أيها الأخوة والأخوات في الله: وبسبب الإدمان على هذه الأجهزة، وما فيها من سيل متدفق من المعلومات والأخبار والمعارف والصور والمقاطع، أعيد تشكيل عقليات الشباب والفتيات بعيداً عن والديهم وأسرهم ومعلميهم، فغلب على هذه العقليات التمرد والتفرد، والتطرف والانعزالية والانطواء، وتثاقل الجلوس مع الأسرة، والسخط من كل شيء، حتى غدا إرضاء الوالدين لأولادهم من المهمات العسرة جداً، رغم ما يغمرونهم به من المال والهدايا والهبات… وسادت بوسائل التواصل الاجتماعي أخلاق ليست سوية، وممارسات غير مرضية، يفرغونها في كلام سيء وبذيء، ونكت سمجة، تشعل الحروب بين الرجال والنساء، أو بين الطلاب ومعلميهم، أو بين مشجعي فريقين، أو بين حزبين أو طائفتين، أو جمعيتين سياسيتين، أو بين بعض النواب وناخبيهم والناقمين عليهم أونحو ذلك، ولا يقع حدث إلا وازدحمت مواقع التواصل ووسائله بمقاطع ساخرة، أو تعليقات لاذعة، وقعها على أصحابها أشد من وقع السياط الحارة على الجسد…
وترى كثيراً من هؤلاء يتشبع بما لم يعطي، ويدعي لنفسه أمام الآخرين أنه كذا أو كذا، أو يضع لنفسه صورة مزورة، ليوهم الآخرين أن هذه هي صورته الشخصية، إن لم يكن يدعي أنه أنثى وهو في الحقيقة ذكر، ثم يقضي أوقاتاً طويلة، ويهدر ساعات كثيرة، أمام شاشة حاسوبه أو هاتفه مع هذا اللهو والعبث، وينسى قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ – وذكر منها – وَعَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ )…
أيها المؤمنون: وهذه الوسائل والتقنيات من أمضى الأسلحة في نشر الأكاذيب، وبث الأراجيف والشائعات، واتهام الأبرياء وتشويه سمعتهم، وقلب الحقائق..
أوالطعن والسب واللعن لخيار الأمة وسلفها الصالح، أو التسقيط لولاة أمور البلاد، وسبهم والطعن فيهم والكذب والإفتراء عليهم… يكذب المغرد في خبر فيغرد به، أو يصنع صورة فينشرها وهي مزورة، فتبلغ كذبته أو صورته الآفاق في ثوان معدودة، فيتضرر بها أناس أبرياء، وقد جاء في حديث الرؤيا، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر(عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ…قَالَ: ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الجَانِبِ، حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ، فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأُولَى…) وقد فسر في الحديث بأنه (الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ) عياذاً بالله عياذاً… وقد يكون الدافع لذلك إضحاك الناس، وقد جاء فيه قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ) والناقل للكذب أحد الكذابين، والراضي بالسخرية كالفاعل، فالحذر الحذر من اكتساب أوزار، وإذهاب حسنات بسبب هذه الوسائل، ويجب عدم الاستهانة بها؛ فإنها مورد بحر من الأوزار والآثام، إن استخدمت في الشر والفساد والتضليل ، كما أنها مجال رحب لكسب الحسنات، إن استخدمت في الخير والدعوة والإصلاح، ولم تضيع بسببها الواجبات. يقول تعالى: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)
اللهم أصلح أحوالنا، وأهد قلوبنا، وسدد أقوالنا وأعمالنا،وأهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها، لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، إنك على كل شيء قدير..
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين… أما بعد:فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وانظروا ماذا تكتبون وماذا ترسلون؛ فإنه يحصى عليكم بخيره وشره،يقول تعالى: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ، بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) أيها المسلمون: هذه الثورة العظيمة في التقنيات والتواصل الاجتماعي بين الناس، هي مما علم الله تعالى الإنسان، وما كان يظن الإنسان أن يصل إلى ما وصل إليه،يقول تعالى: (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) وهي من تقارب الزمن المذكور في أشراط الساعة؛ فإنها قربت البعيد، وكسرت جميع الحواجز، وألغت الحدود؛ فيحادث الواحد من شاء في أي وقت شاء، وبأي أسلوب شاء، لا يرده عنه شيء، ولا يحول بينهما حائل…
إنها فتنة من فتن العصر، جعلت كثيراً من الناس يعيش بشخصيتين متنافرتين؛ فهو الوقور الحيي أمام الناس، الذي لا يقول بلسانه فحشاً، ولا ينطق هجراً، ويخجل ويتصبب عرقاً إن سمع ما لا يليق.. لكن هذه الشخصية الحيية، تخلع جلباب الحياء إن كان الحديث بالأصابع، وكانت العين تتلقاه.. فما استحى منه اللسان والأذن، كسرته اليد والبصر.. وما راقب الله تعالى من راقب الناس… إنها فتنة، عمت المجتمعات، واقتحمت البيوت،إلا من رحم الله، وإنه لا غناء لمواجهة هذه الفتنة التي عمت البيوت كلها عن زرع مراقبة الله تعالى ومحبته وتعظيمه، والخوف منه، ورجاء ما عنده، في نفوس الأبناء والبنات والزوجات والأخوات، وتعاهدهم بالموعظة والتذكير بين حين وآخر، وبأساليب متنوعة مشوقة، حتى يراقب كل واحد منهم نفسه، ويخاف الله تعالى أن يقارف إثماً، وتوجيههم إلى استخدام التواصل الاجتماعي فيما ينفع ولا يضر، مع ملء أوقاتهم بما ينفعهم ويحد من عكوفهم على هذه الوسائل التي فتن الناس بها فافتتنوا.. يقول سفيان الثّوريّ رحمه الله تعالى: عليك بالمراقبة ممن لا تخفى عليه خافية، وعليك بالرجاء ممن يملك الوفاء، وعليك بالحذر ممن يملك العقوبة.
وقال رجل لأبي القاسم الجنيد رحمه الله: بم أستعين على غضّ البصر؟ فقال: بعلمك أنّ نظر النّاظر إليك، أسبق من نظرك إلى المنظور إليه… إن الواجب علينا يا عباد الله أن نستغل هذه التقنيات والوسائل في نشر الخير، والدعوة إلى الله، للمسلمين وغير المسلمين، والإصلاح بين الناس،والتحذير من إلحاق الضرر بالبلاد والعباد، والتنفير من التطرف والغلو والإرهاب، والتحذير من الإساءة والطعن والسب للأفراد والجماعات والمؤسسات، أو بث الفرقة في المجتمع.
والدعوة إلى حفظ الأمن والأرواح والممتلكات، ونصح المسلمين ودعوتهم إلى الالتزام بشرائع الإسلام وتعاليمه، واستخدامه في التواصل الاجتماعي مع الأهل والأقارب والأرحام والأصدقاء، والتعرف على الآخرين من أجل الله، تعارفاً يراد به وجه الله تعالى، لننال به محبة الله عز وجل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر من السبعة الذين يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: رَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ.
فلنتقي الله عباد الله في أبنائنا وبناتنا، ولنضع لهم خطوطاً عريضة، يتعاملون بها مع هذه الوسائل الحديثة، حتى نضبط الأمور، ونكون على قدر المسئولية تجاه أبنائنا وبناتنا، ولا نعطيهم الثقة المطلقة التي لا حدود لها، فإن الهلاك والفساد يأتي من جراء هذا التساهل والتفريط، يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)
اللهم أصلح أبنائنا، اللهم أصلح شبابنا وفتياتنا، اللهم حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم, وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، واجعلهم من الراشدين,اللهم أرهم الحق حقاً وأرزقهم إتباعه ,وارهم الباطل باطلا وأرزقهم اجتنابه. اللهم بارك لنا في أولادنا، وابعد رفقاء السوء عنهم، ووفقهم لطاعتك, وارزقنا برهم يارب العالمين.
اللهم إنا نعوذ بك من أن نضل أو نضل،أو نزل أو نزل أو نظلم أو نظلم،أو نجهل أو يجهل علينا،اللهم أحينا مسلمين،وتوفنا مسلمين،وألحقنا بالصالحين،غير خزايا ولا مفتونين… اللهم آمنا في وطننا، وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين،اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.
اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء…
اللهم يا ناصر المستضعفين، ويا مُنجِيَ المؤمنين انتصِر للمظلومين في فلسطين وفي سوريا وفي اليمن وفي بورما وفي كل مكان، تولَّ أمرَهم، واكْشِف كربَهم وارفع ضُرَّهم وعجِّل فرَجَهم، وألِّف بين قلوبهم، واجمَع كلمتَهم، ومُدَّهم بمَدَدِك وأيِّدهم بتأييدِك يا رب العالمين.
اللهم فرج الهم عن المهمومين،ونفس الكرب عن المكروبين،واقض الدين عن المدينين،واشف مرضانا ومرضى المسلمين،برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات،والمسلين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.. اللَّهُمَّ بَلِّغْنا رَمَضَانَ وَأَعِنّا عَلَى صِيامِهِ وَقِيامِهِ عَلَى الوَجْهِ الّذِي يُرضْيِكَ عَنّا يا سميع الدعاء..
اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين…
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ويغفر الله لي ولكم.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين