الجمعة 6 رجب 1439هـ
الموافق 23 مارس 2018م

الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، أمر بالصدق ورفع درجات الصادقين، نحمده سبحانه ونشكره على نعمه الظاهرة والباطنة ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القوي المتين، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، الصادق الوعد الأمين،صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:فيا عباد الله،أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)
معاشر المسلمين: ما أجمل الحديث عن القِيَم! وما أعظم الكلام عن المُثُل! وأروع من ذلك أن ترى المُثُل رجالاً، والأخلاق فعالاً.
وهذه قصة تحكي مواقف الصدق والصبر في صحب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، الذين هم مثال المتانة في البناء، وأنموذج الصدق في اللهجة، والإخلاص في الطاعة، والقدوة في الصبر على البلاء، والشكر على السراء. إنها قصة الثلاثة الذين خُلِّفُوا في غزوة تبوك يوم، (ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).. فلا إله إلا الله! من آيات وأحداث تذرف منها الدموع، وتخشع لها القلوب… لقد كانت هذه الغزوة في شهر رجب الفرد من السنة التاسعة للهجرة. أي وقعت في مثل هذا الشهر الحرام.
أيها المؤمنون: هاهو صلى الله عليه وسلم يستنفر المسلمين لملاقاة الروم يوم بلغه إعدادهم للعدوان على أهل الإسلام، يوم أحسُّوا بعلوِّ شأن الإسلام في الجزيرة العربية منبثقاً من بين جبالها، منطلقاً من صحاريها.
يوم فُتِحَت مكة فأخذت الأفواج تِلْوَ الأفواج تدخل في دين الله، فتحرك الروم بعسكرهم وفكرهم ودسائسهم، وعندها استنفر صلى الله عليه وسلم أصحابه؛ فكان التهيؤ في أيام حارة قائظة، وظروف قاسية، وجهد مضنٍ، ونفقات باهظة؛ إنه جيش العسرة، وإنها لغزوة العسرة. وما أدراكم ما ذاك الجيش، وما تلك الغزوة! وصْفُها في كتاب الله تعالى استغرق آيات طوالاً استغرق في أنباء الطائعين والمثبِّطين والمخلصين والقاعدين.
يجيء فيها المعتذرون بالأعذار الكاذبة ليؤذَن لهم، ويتولى الذين يكثرون البكاء من خشية الله، بفيض دموعهم حَزَناً ألا يجدوا ما ينفقون.. ألا فاسمعوا رحمكم الله إلى وصفٍ صادقٍ لقصة الخطيئة والتوبة من الصحابي الجليل كعب بن مالك الأنصاري، أحد الثلاثة الذين خُلِّفوا -رضوان الله عليهم وعلى الصحابة أجمعين-: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى) والقصة في الصحيحين مثبتة، وراويها كعب بنفسه؛ فها هو كعب يقول: (غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة يوم طابت الثمار، ويوم طاب الظلال.. فها هو يتجهز والمسلمون معه. يقول كعب : وطفقت أغدو لكي أتجهَّز معه، فأرجع، ولم أقضِ شيئاً، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرع الجيش،وتسابقوا، فهممت أن أرتحل، فأُدركُهم فيا ليتني فعلت.. ويأخذ ذلك من كعب مأخذه، ويبلغ الحزن مبلغه، وتبلغ المحاسبة مبلغها.. ولسان مقاله يقول: (فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم أحزنني وآلَمني ألا أرى أسوة لي إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق، أو رجلاً ممن عذره الله من الضعفاء والذين لا يجدون ما ينفقون،،، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال -وهو جالس بين صحبه-: ما فعل كعب ؟ فقال رجل من بني سلمة -من عشيرة كعب -: يا رسول الله! حبسه برداه، ونظرُه في عِطفيْه، (وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه ولباسه) ويذبُّ عن عرضه معاذ بن جبل -رضي الله عنه مدافعا عنه، فيقول راداً على الرجل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله! ما علمنا عنه إلا خيراً؛ فسكت صلى الله عليه وسلم.. يقول كعب : فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه راجعاً من تبوك، حضرني بثِّي وحزني وغمي وهمي، فأخذت أتذكر الكذب، وأقول: بِمَ أخرج من سخط رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ غداً؟ وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي؛ فلما قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أطل قادماً راح عني الباطل وانزاح، حتى عرفت أني لن أنجوَ منه بشيء إلا بالصدق، فأجمعت صدقه صلى الله عليه وسلم، وجاء المُخلَّفون بأعذارهم، فقبل منهم صلى الله عليه وسلم ظاهرهم، ووكَل سرائرهم إلى من لا تخفى عليه خافية) يقول كعب : (فجئت وسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فتبسم تبسُّم المغضب، ثم قال: تعال يا كعب.. فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: ما خلَّفك يا كعب ؟ ألم تكن قد ابتعت ظهراً؟ -أي اشتريت مركوباً- قال: قلت نعم: يا رسول الله! والله! لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، لقد أُعْطيتُ -والله- جدلاً، لكني -والله- قد علمت لَئِنَّ حدثتك -اليوم- حديث كذب ترضى به عني ليوشكنَّ الله أن يُسخطَك عليَّ، وإن حدثتك حديث صدق تَجِد عليَّ فيه، إني لأرجو فيه عفو الله عز وجل، والله! ما كان لي من عذر، والله! ما كنت -قط- أقوى ولا أيسرَ مني حين تخلفت عنك، فقال صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك) .فلا إله إلا الله! صِدْقٌ ووضوحٌ وصراحةٌ، وهكذا كان صحب محمد صلى الله عليه وسلم، وهكذا يجب أن يكون المؤمنون.. عندها جاء إليه رجال من بني قومه يريدون منه الاعتذار كما اعتذر المخلفون.. لكنه رفض خوفاً من الكذب على الله أو الكذب على رسول الله.
عباد الله: وأُعلِنَت المقاطعة؛ بل أُعلِنت التربية المحمدية؛ وأعلن الهجر والتأديب من مربي البشرية صلى الله عليه وسلم…يقول كعب : (فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا نحن الثلاثةَ من بين كل من تخلَّف عنه، فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض؛ فما هي بالأرض التي أعرف، لبثنا على ذلك خمسين ليلة، أما صاحبايَ فاستكانا، وقعدا في بيوتهما يبكيان، وهما مرارة بن الربيع وهلال بن أبي أمية، رضي الله عنهما..
وأما أنا فكنت أشبَّ القوم وأجلدَهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف الأسواق -فلا والله ما يكلمني أحد- وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلِّم عليه، وهو في مجلسه بعد الصلاة، فلا والله لا أدري هل حرَّكَ شفتيْه برد السلام أم لا؟ ثم أصلي قريباً منه صلى الله عليه وسلم وأسارقُه النظر، فإذا أقبلتُ على صلاتي أقبل إليَّ، وإذا الْتفتُّ نحوه أعرض عني… طالت على كعب الجفوة، وعظم الابتلاء، وضاقت عليه المسالك، فقصد ابن عم له اسمه أبو قتادة في بستان له، يقول: وهو من أحب الناس إليَّ- فسلمت عليه، فوالله ما رد عليّ السلام. قال: قلت: يا أبا قتادة أنشدُك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فسكت،قال: فكررت المناشدة، أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فقال: الله ورسوله أعلم… عندها فاضت عيناي بالدموع، وخرجت من البستان، وجعلت أهيم على وجهي حتى دخلت السوق، وبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذ بنبطي من أنباط أهل الشام يسأل أهل السوق: من يدلني على كعب ؟ فأخذ الناس يشيرون له إليَّ حتى جاءني فدفع إليَّ كتاباً من مَلِك غسَّان النصراني؛ فإذا فيه: قد بلغني أن صاحبك قد جَفَاك، ولم يجعلك الله بدار هوان؛ فَالْحَقْ بنا نُواسِك.. قال: فلما قرأتُها قلت: هذا أيضاً والله من البلاء والامتحان والاختبار، فقصدت التَّنور، فأوقدته بها… أيها المسلمون: هذا هو ديدن أعداء الله في الغابر والحاضر، يتحسسون الأنباء ويترصدون المداخل، وكم من أقدام في مثل هذا زلَّت، وكم من أرجل في مثل هذه الأوحال قد انزلقت..أما كعب فرمى الرسالة في التنور، وأحرقها…ولا يزال البلاء به رضيَ الله عنه حتى جاءه رسول من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره باعتزال امرأته.. يقول كعب : (فقلت: أُطلِّقُها أم ماذا أفعل؟ قال: لا. بل اعتزلها فلا تقربها.
فقلت لها: الْحقي بأَهلِك حتى يقضي الله في هذا الأمر) وبعد خمسين ليلة من الهجر والمقاطعة يقول كعب : (بينا أنا أجلس على الحالة التي ذكر الله تعالى في كتابه قد ضاقت عليَّ نفسي، وضاقت عليّ الأرض بما رَحُبَتْ حتى لا أجد من يُكلمني، بل ولا من يردُّ عليَّ السلام، قد صليت صلاة الفجر، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، وإذا بي أسمع صوت صارخ بأعلى صوته على جبل سِلْع : يا كعب بن مالك ! أبشر. يا كعب بن مالك ! أبشر. قال: فو الله ما ملكت إلا أن أخرَّ ساجداً باكياً شكراً لله تعالى، وقلت: قد جاء فرج من الله.
وتتنزل التوبة على كعب وعلى صاحبيْه، وتأتي البشرى، وأيُّ بشرى يا عباد الله؟ بشرى بحسن العقبى، بشرى بالعودة إلى صفِّ المسلمين، بشرى يركض بها الفارس، ويهتف بها الراكب، على مثلها تكون التهاني، ولمثلها تكون الأوسمة والجوائز.يقول كعب : (فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبَيَّ فكَسَوْتُهما إياه لبشراه لي، والله ما أملك غير هذيْن الثوبيْن، فاستعرت ثوبيْن ولبستهما، وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئونني بالتوبة، يقولون: لتهنك توبة الله عليك.
قال كعب : فدخلت المسجد وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، وحوله الناس، فقام إليَّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنَّأني، والله! ما قام إليَّ رجل من المهاجرين غيره، والله! ما أنساها لـطلحة بن عبيد الله . قال: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور، كأنه فلقة قمر: أبشرْ يا كعب، أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمُّك.
فقلت: أمن عندك يا رسول الله، أم من عند الله؟ قال: لا بل من عند الله عز وجل، ثم تلا قول الله تعالى : (لَقَد تَابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنصَارِ الذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ منْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
وفاز الصادقون بصدقهم، وحبط عمل الكاذبين، واللهُ لا يهدي القوم الفاسقين.
هؤلاء يا عباد الله هم رجال الصدق، رجال محمد صلى الله عليه وسلم، رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، خُرِّجُوا من مدرسة النبوَّة، صِدْق في الحديث، وصدق في المواقف، وصٌبر عند اللقاء، واعتراف بالخطيئة، قبول في حال الرضا والغضب من غير تنميق عبارات من أجل تلفيق اعتذارات؛ فهل عقمت النساء أن يلدْن في هذا العصر آلافاً من مثل أولئك الصادقين؟ لا، لم تعقُم النساء، لكن الشباب والشيب والنساء في حاجة إلى تربية إسلامية تغرس في نفوسهم الصدق والإخلاص، وتُبعد عنهم النفاق والرياء والالْتواء.. اللهم أخرج من أصلاب هذه الأمة رجالاً ونساء صادقين مخلصين يقولون الحق وبه يعدلون. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين إنك سميع مجيب الدعوات…
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله؛ وعد بحسن العاقبة للصادقين، نحمده سبحانه ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد فيا أيها المسلمون: اعلموا رحمكم الله أن الصدق من أكرم الصفات الإنسانية، وأعظم الفضائل الخلقية؛ فهو أهم الأسس في بناء الأمة وسعادة المجتمع؛ إذ به يرتبط كل شأن من شئون الحياة، وتتعلق به كل مصلحة من مصالح الناس، ولذلك أمر الله به، وجعله خُلُقاً لحَمَلَة وحْيِه ومبلِّغي رسالاته؛ فكان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة ومثلاً أعلى للصدق في القول والعمل منذ نشأته حتى لحق بربه صلى الله عليه وسلم، وكذلك كان الأنبياء والمرسلون.
وما عاش المجتمع الإسلامي الأول في ظل الأمن والاستقرار والسعادة إلا لأن أفراده كانوا يتحرَّوْن الحقَّ، ويتصفون بالصدق في علاقاتهم وعباداتهم ومعاملاتهم؛ بل في كل حياتهم الخاصة والعامة، والمؤمنون كذلك صُدُق في كل زمان ومكان.
ولنرجع معكم عباد الله، إلى قصة كعب بن مالك رضي الله عنه؛ فلم تنتهِ القصة بعدُ، ولم تقف عند البشارة بالتوبة والتهنئة بالقبول، إنما جلس كعب بين يدَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسوله. فقال عليه الصلاة والسلام: أمسك عليك بعض مالك؛ فهو خير لك، ثم قال: يا رسول الله! إن الله إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي ألا أحدِّث إلا صدقاً ما حييت، فوالله ما علمت أحداً من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث أحسن مما أبلاني الله تعالى، والله ما تعمَّدْتُ كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي، والله ما أنعم الله عليَّ من نعمة -قط- بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخشى أن أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا.
إن الله تعالى قال للذين كذبوا شرَّ ما قاله لأحد يوم قال: (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)
فيا عبد الله: الصدق فضيلة وطمأنينة بل صفة من صفات المؤمنين؛ فلتكن متعلقاً به، وليكن قدوتك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكعباً وصحبه -رضوان الله عليهم- فليس بينك وبينهم حاجب يحجبك عن التشبُّهِ بهم، اقتدِ بهم تكن بعضهم.
إذا أعجبتك خصال امرئ
فكنه يكن منك ما يعجبك
فليس على الصدق والمكرمات
إذا جئتها حاجب يحجبك
يقول صلى الله عليه وسلم: (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّاباً).. فاتقوا الله عباد الله واجعَلوا الصدقَ لكم شعاراً ودِثاراً، والزَموه إعلاناً وإِسراراً؛ يجعَلِ الله التقوى في قلوبكم، والتوفيقَ والنورَ في دروبكم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) ويقول تعالى: (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
اللهم اجعل لنا عندك قدم صدق، وأدخلنا مدخل صدق، وأخرجنا مخرج صدق، واجعل لنا من لدنك سلطاناً نصيراً… اللهم أجعل عملنا خالصاً لوجهك الكريم، وارزقنا الصدق في القول، والإخلاص في العمل.
اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، ونسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، ونسألك لسانا صادقاً، وقلباً سليماً، ونسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بك من شر ما تعلم، ونستغفرك لما تعلم يارب العالمين.
اللهم أقل عثراتنا، واغفر زلاتنا، وكفر عنا سيئاتنا،وتوفنا مع الأبرار.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في وطننا، ووفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.
اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء.
اللهم كن لإخواننا المستضعفين المضطهدين في كل مكان، اللهم كن لهم في فلسطين وفي سوريا وفي اليمن، اللهم فرج همهم، ونفس كربهم، وأصلح أحوالهم، وألف بين قلوبهم، ولا تجعل لعدو ولاطاغية عليهم سبيلا.
اللَّهُمَّ لاَ تَدَعْ لَنا ذَنْباً إِلاَّ غَفَرْتَهُ، وَلاَ هَمّاً إِلاَّ فَرَّجْتَهُ، وَلاَ كَرْباً إِلاَّ نَفَّسْتَهُ، وَلاَ مَيْتاً إِلاَّ رَحِمْتَهُ، وَلاَ مَرِيضاً إِلاَّ شَفَيْتَهُ، وَلاَ دَيْناً إِلاَّ قَضَيْتَهُ، ولاَ ضَالاًّ إِلاَّ هَدَيْتَهُ، وَلاَ مَظْلُوماً إِلاَّ أَيَّدْتَهُ، وَلاَ عَسِيراً إِلاَّ يَسَّرْتَهُ، وَلاَ وَلَداً إِلاَّ أَصْلَحْتَهُ، وَلاَ عَيْباً إِلاَّ سَتَرْتَهُ، وَلاَ حَاجَةً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ هِيَ لَكَ رِضاً وَلَنا فِيها صَلاَحٌ إِلاَّ أَعَنْتَنا عَلَى قَضَائِهَا وَيَسَّرْتَهَا لَنا، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ بَلِّغْنا رَمَضَانَ وَأَعِنّا عَلَى صِيامِهِ وَقِيامِهِ عَلَى الوَجْهِ الّذِي يُرضْيِكَ عَنّا يا سميع الدعاء
اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. عباد الله: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين