الجمعة 16 جمادى الأولى 1439هـ
2 فبراير 2018م

الحمد لله، لا مانعَ لما أعطى، ولا معطيَ لما منَع، نحمده سبحانه ونشكره، فضلُه مرتَجَى وفي عفوِه الطّمَع، ونشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، منَح الخيرَ وللمكروه دفع، ونشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمَّداً عبده ورسوله دَعا إلى الحقّ وجاهَد في الله وأشاد منارَ الإسلام ورفع، صلّى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابِه، أهلِ الإيمان والرّضا والتّقى والورَع، والتّابعين ومن تبِعهم بإحسان إلى يومِ الدين، وسلّم تسليماً كثيراً… أما بعد:فاتقوا الله عباد الله حق التقوى وراقبوه في السر والجهر والنجوى، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)
معاشر المسلمين: لقد خلق الله تعالى الحياة على طبيعة اختلطت فيها اللذائذ بالآلام، والمحاب بالمكاره، فهيهات أن ترى لذة لا يشوبها ألم، أو صحة لا يكدرها سقم، أو سروراً لا ينغصه حزن، أو راحة لا يخالطها تعب، أو اجتماعاً لا يعقبه افتراق، أو أماناً لا يلحقه خوف.. إن هذا ينافي طبيعة الحياة ودور الإنسان فيها، قيل للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: صف لنا الدنيا فقال: (ماذا أصفُ من دار أولُها بكاء وأوسطها عناء وآخرها فناء). هي بالبلاء محفوفة،وبالكدر موصوفة،كما قال القائل:
جُبِلَتْ على كَدَرٍ وأنت تَرُومُها
صفواً من الأقذار والأكـدارِ
أيها الإخوة والأخوات في الله: ومن البلايا في هذه الدنيا، ما يصاب به العبد من أمراض وأسقام، وفي عالمنا اليوم انتشر العلم، وكثرت الأبحاث،وتقدم الطب، وفشت الأمراض، أمراض لم نعهدها، وبلايا لم نعرفها، استحدثت آلات وتقنيات، واستجدت أمراض مستعصيات، لم يكن هذا الأمر سهواً والقدر عبثاً، بل إنها سنة ربانية أكدتها نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، يقول تعالى: ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)،وصح في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالأوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا) فالخير يخص، والشر يعم.. هذا المرض الذي يهابه الإنسان، ويفزع من وقوعه، ويدفع الغالي والنفيس لئلا يحل بداره، أجارنا الله وإياكم من الأمراض المستعصية الخطيرة … المرض عباد الله كلمة مرعبة، وحالة مفزعة، تخالجها الأحزان والهموم، والأكدار والغموم، والعبد لا يتمنى البلاء ولا يتعرض له، بل يسأل الله العافية، كما قال صلى الله عليه وسلم: (سَلُوا اللهَ العَفْوَ والعَافِيَةَ ، فإِنّ أَحَداً لَمْ يُعْطَ بعد اليَقِين خَيْراً مِنَ الْعَافِيَةِ) ولو تأمل المسلم النصوص الشرعية، والمراتب العالية السنية، لو تأمل ما في المرض من حكم وأسرار، وثمرات من الخير غزار، لمن ابتلي بالمرض فصبر، ورضي واستسلم للقضاء والقدر، لعلم أن المرض بلاء ومحنة في طيه جزاء ومنحة.. المرض عباد الله: سبب تكفير الذنوب والسيئات،صح في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ ، إِلَّا حَطَّ اللَّهُ لَهُ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا). وثبت في صحيح مسلم أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – دخل على أم السائب (الأنصارية) فقال: (مالك يا أم السائب تزفزفين؟(أي ترتعدين) قالت: الحمى لا بارك الله فيها، فقال: (لاتسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم، كما يذهب الكير خبث الحديد). ويقول صلى الله عليه وسلم:(فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة)
وقال قيس بن حماد رحمه الله: ساعات الوجع يذهبن ساعات الخطايا.
بالمرض عباد الله تكتب الحسنات، وترفع الدرجات، ثبت عنه– صلى الله عليه وسلم – أنه طرقه وجع فجعل يشتكي ويتقلب على فراشه فقالت له أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه، فقال: (إِنَّ الصَّالِحِينَ يُشَدَّدُ عَلَيْهِمْ ، وَإِنَّهُ لَا يُصِيبُ مُؤْمِنًاً نَكْبَةٌ مِنْ شَوْكَةٍ ، فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ، إِلَّا حُطَّتْ بِهِ عَنْهُ خَطِيئَةٌ ، وَرُفِعَ بِهَا دَرَجَةً) .
المرض أيها الأخوة والأخوات: سبب لدخول الجنة. يقول صلى الله عليه وسلم: يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ : ابْنَ آدَمَ إِنْ صَبَرْتَ وَاحْتَسَبْتَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى ، لَمْ أَرْضَ لَكَ ثَوَاباً دُونَ الْجَنَّةِ)
المرض عباد الله: سبب للنجاة من النار: فقد ثبت أن النبي – صلى الله عليه وسلم – عاد مريضاً فقال: (أَبْشِرْ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: هِيَ نَارِي أُسَلِّطُهَا عَلَى عَبْدِي الْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا لِتَكُونَ حَظَّهُ مِنَ النَّارِ فِي الْآخِرَةِ) عباد الله: من تأمل هذه النصوص زالت همومه، وانقشعت غمومه، وامتلأ قلبه رضاً بما قدر الله، وهذا أعلى من مقام الصبر.. أخي المسلم أختي المسلمة: إن ابتلاءكما بالمرض نعمة فلا تجزعا، ومنحة فلا تقلقا، فما أخذ الله منكما إلا ليعوضكما خيراً، وما ابتلاكما إلا ليطهركما من الذنوب، ويرفع درجتكما، فسلما له تسلما.
أيها المؤمنون: إن الصحة تدعو أحياناً إلى الأشر والبطر والإعجاب بالنفس لما يتمتع به المرء من نشاط وقوة وهدأة بال، فإذا قيده المرض أحياناً وتجاذبته الآلام أوقاتاً، انكسرت نفسه وتقارب نَفَسه، فرق قلبه، ولان حسه، وتطهر من أدران الزهو والكبر. فمن رحمة أرحم الراحمين أن يتفقد عبده بأنواع من أدوية المصائب، تكون حماية له من هذه الأدواء، وحفظاً لصحة عبوديته، فسبحان من يرحم ببلائه، ويبتلي بنعمائه، فلولا أنه سبحانه يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء لطغوا وبغوا وعتوا. ورُب محسود على رخاء هو شقاؤه، ومرحوم من سقم هو شفاؤه، ومغبوط بنعمة هي بلاؤه…
ولهذا كان الأنبياء عليهم السلام والصالحون يفرحون إذا نزل بهم البلاء كما يفرح أحدنا بالرخاء حيث قال صلى الله عليه وسلم: (وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء)، لأنهم يعلمون أن عظم الجزاء مع عظم البلاء،ولأنهم يعلمون أن الله إذا أحب عبداً ابتلاه، ولهذا كان أشدُّ الناس بلاء أحبهم إليه سبحانه، ولما سئل المصطفى صلى الله عليه وسلم: أي الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: (الأنبياءُ ثمّ الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجلُ على حَسَبِ دينه، فإن كان دينُهُ صُلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئةٌ) ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم من أشدّ الناس بلاءً، ولما أصابته الحمى قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: كنت أجدُ حرها (أي الحمى) بين يديَّ فوق اللحاف، فقال يا رسول الله ما أشدها عليك، قال: (إنّا كذلك يُضعفُ لنا البلاء ويضعّفُ لنا الأجر) وابن مسعود رضي الله عنه يمس النبي صلى الله عليه وسلم بيده فيتعجب من شدة الحمى عليه قائلاً: إنّك لتُوعكُ وعكاً شديداً! فيخبره النبي صلى الله عليه وسلم بأن الحمى تشتد عليه كما تشتد على رجلين، ثم يخبره أن له الأجر مرتين… ونبي الله أيوب عليه السلام، بقيَ أسير مرضه ثمانية عشر عاماً، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
أخي المريض : كشف الله عنك كل ألم وضر إذا ابتليت بمرض عارض فاحمد الله تعالى أنك لم تصب بمرض أشد منه، أو بمرض مزمن، وإذا أصبت بداء شديد فاحمد الله تعالى أنك لم تصب بأكثر من داء، ولو شاء لأصابك، وإذا أصبت بأمراض فاحمد الله واشكره أنه أبقى عليك عقلك ولو شاء لسلبك إياه… يقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ما أصبت ببلاء إلا كان لله علي فيه أربع نعم: أنه لم يكن في ديني، وأنه لم يكن أكبر منه، وأني لم أحرم الرضا، وأني أرجو ثواب الله تعالى…أيها المسلم: ويطفئ المريض المبتلى مصيبته، ببرد التأسي بأهل المصائب، انظر يمنة فهل ترى إلا محنة، ثم اعطف يسرة فهل ترى إلا حسرة،ولو فتشت في العالم كله لم تر فيه إلا مبتلى بفوات محبوب أو حصول مكروه.
أيها المريض: اختار الله لك المرض ورضيه لك، والله أعلم بمصلحتك من نفسك، وحق الله عليك في هذه البلوى هو الصبر فهو عبودية الضراء، والجزع لا يفيدك، بل يزيد عليك آلامك ويضاعف المصيبة وأحزانك، وسوف تنسى – أخي المريض- بعد عمر طويل وصحة وعافية، كل ما كنت تعانيه من آلام وأسقام إذا دخلت دار السلام بإذن الله حين ينادي مناد: (إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا . فذلك قوله عز وجل: ( وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ). ما أعظم الأجر لو قدر الله المرض على عبد وهو مقيم على عبادة وحسن طاعة، ولو قدم إليه المرض وهو من أهل القرآن المحافظين على فضائل الأعمال، القائمين في جوف الليل، الصائمين بالنهار، هذا حتى لو أقعده المرض كتب الله له ما كان يعمل حين كان صحيحاً. فأي فضل بعد هذا ؟ فاستمعوا إلى هذا أيها المرضى في البيوت والمستشفيات، يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: (إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً).
أخي المريض: إنك أحوج ما تكون إلى رحمة ربك وعفوه، فلم تهجر القرآن، لم تغفل عن ذكر الله والدعاء، لم ترفع الشكوى إلى الخلق وتنسى الإله الحق، لم تتهاون بالصلاة لحجة المرض،صل الصلاة لوقتها قائماً،فإن لم تستطع فجالساً،فإن لم تستطع فعلى جنبك متوجهاً إلى القبلة،فإن لم تتمكن فصل حيث كان اتجاهك ولا إعادة، فإن لم تستطع فصل مستلقياً ورجلاك إلى القبلة، فإن شق فعل كل صلاة في وقتها فللمريض الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير حسبما يتيسر،أما الفجر فلا جمع بينها وبين صلاة بعدها أو قبلها، وأما الطهارة فتطهر على قدر استطاعتك،(واتق الله ما استطعت)… أيها الإخوة والأخوات المرضى: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنتداوى؟ فقال نعم عباد الله تداووا) وقال:لكل داءٍ دواء،فإذا أصيب دواءُ الداءِ برأ بإذن الله عز وجل) واعلموا رحمكم الله: أن الدعاء من أنفع الأدوية الناجعة ، ففي صحيح مسلم عن عثمان بن أبي العاص أنه أتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وبه وجع، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (ضع يدك على الذي تألم من جسمك وقل: باسم الله ثلاثاً، وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر)…
وعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ،( وَالنَّفْث ) نَفْخٌ لَطِيف بِلا رِيق… وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين ويقول : (أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ) اللهم داونا بدوائك،واشفنا بشفائك،وعافنا من جميع بلائك،عافنا في قلوبنا وأرواحنا وأبداننا وأجسادنا واصرف عنا كل أذى يا حي ياقيوم يا ذا الجلال والإكرام.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه،والشكر له على توفيقه وامتنانه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه سبحانه،وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله الداعي إلى سبيل الله ورضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه،وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد فيا أيها المسلمون:وقانا الله وإياكم شرور الأسقام والأمراض، وصرف عنا المكاره والآلام والأوجاع.واعلموا رحمكم الله، إنّ للمريض حقوقاً على إخوانه: فعيادته وزيارته سنة، والدعاء له هدي رسول الأمة، يقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَاناً مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ) وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِماً غُدْوَةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ , وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ)… عيادة المريض يا عباد الله: للدعاء له، يقول صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَعُودُ مَرِيضاً لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ ، فَيَقُولُ سَبْعَ مَرَّاتٍ : أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ، رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ , أَنْ يَشْفِيَكَ ، إِلَّا عُوفِيَ). وكان النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، يعُودُ بَعْضَ أَهْلِهِ والمرضى ويَمْسَحُ بيدِهِ اليُمْنى عليهم ويقولُ: (اللَّهُمَّ ربَّ النَّاسِ ، أَذْهِب الْبَأسَ ، واشْفِ ، أَنْتَ الشَّافي لا شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ ، شِفاءً لا يُغَادِرُ سقَماً ) عيادة المريض لنتذكر نعم الله علينا بالصحة والعافية ، ونذكر المريض بالصبر وعدم الجزع على ما أصابه، وبالرضى بقضاء الله وقدره، ومواساته وتفقد أحواله وأحوال أهله والوقوف بجانبه.
أيها الأطباء والممرضون:اعلموا حفظكم الله، أن الطب أمانة والتمريض مسئولية، فاتقوا الله في أنفسكم، واتقوه في مرضاكم، أخلصوا لله في أعمالكم، وراقبوه في كل صغيرة وكبيرة، حذار من المقاصد الدنيوية، والتكالب على حطام الدنيا الفانية.. أواستغلال المرضى في بعض العيادات والمستشفيات الخاصة، وتحميلهم من النفقات مالا يطيقون…اهتموا أيها الأطباء والممرضون بمرضاكم ، أدوا الأمانة واحذروا الخيانة، تخلقوا مع المرضى بالأدب والخلق والمعاملة الحسنة والكلام اللين، والرفق والملاطفة،والبشاشة والابتسامة، وإياكم أن تتضجروا من شكوى المريض، وبثِ أحزانه أو سوءِ خلقه،وقلةِ صبره، فإن لصاحب الحق مقالاً… ابتعدوا عن الكبر والعجب والغرور.. والطبيب إن تكبر بعلمه وترفَّع وتعالى على الناس، وضعه الله، ومن كمال العقل أن يقول عما جهله: لا أعلمه، فما ينغلق لأحد قد يُفتح لآخر.(وَمَا أُوتِيتُم مّن ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)
أيّها الطبيب المسلم: من خلال فحوصك واطّلاعك على الأبدان ترى من عجائبِ صُنع الله وقدرته في عباده ما تتيقَّن به قولَ الله عز وجل: (وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ)، فليتخذ الطبيب من عمله عبادةً بالتفكر في آلاء الله للقرب من الله، وليكن داعيةً إلى هذا الدين بما بدا له من عظيم الصنع والإتقان.
أيها الأطباء: مهنتُكم شريفة، وعملكم طيّب، استروا على مرضاكم، ولا تفشوا أسرارهم، ولا تبثوا شكواهم، تثبتوا عند التشخيص، وإجراء العمليات الجراحية،واطلعوا على كل جديد في علوم الطب، واضبطوا الوصفات العلاجية، وراقبوا الله في أقوالكم وأفعالكم، بارك الله فيكم وفي علمكم وفي تطبيبكم، وجزاكم الله خيراً عّما تقومون به من خدمة ومعروف لإخوانكم المرضى.
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، إذا أردت شيئاً إنما تقول له كن فيكون. نسألك يا سامعا لكل شكوى، ويا عالماً بكلّ نجوى. يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة. يا فارج الهمّ ويا كاشف الغمّ، يا مجيب دعوة المضطرّين. يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما.
اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين الذين أعجزتهم الأمراض والأسقام وأقعدهم قضاؤك عن المشي والقيام، هبهم يا ربنا الصحة والعافية،وهبهم الشفاء العاجل منك، فإنه لا شفاء إلا شفاؤك، هبهم شفاءً لا يغادر سقماً، لا إله إلا أنت ولي المؤمنين،وعدة الصابرين، يا أرحم الراحمين… اللهم داونا بدوائك،واشفنا بشفائك،وعافنا من جميع بلائك،عافنا في قلوبنا وأرواحنا وأبداننا وأجسادنا واصرف عنا كل أذى وشر يا حي ياقيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آمنا في وطننا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين.اللهم وفق ولاة أمورنا ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزراءه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد،اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.. اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء… اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصراً ومؤيداً،في فلسطين وفي سوريا وفي اليمن وفي العراق، اللهم أصلح أحوالهم،اللهم فرج همهم ونفس كربهم، وألف بين قلوبهم،واحقن دمائهم، ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلا..
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر… ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.) اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين