الجمعة 2 جمادى الأولى 1439هـ
الموافق 19 يناير 2018م

الحمد لله الذي تفرّد بالبقاء والكمال ، وقسم بين عباده الأرزاق والآجال ، وجعلهم شعوباً وقبائل ليتعارفوا، وملوكاً وعامة ليتناصفوا، وهداهم لما فيه فلاحهم وسعادتهم في الدنيا ويوم التلاق، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الكريم الخلاق، ونشهد أنّ سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ،أفضل الخلق على الإطلاق، المبعوث إلى أهل الآفاق، المنعوت بتهذيب الأخلاق ، ومكارم الأعراق . صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين،وأصحابه الغر الميامين،والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التلاق.
أما بعد: فاتقوا الله – عباد الله- حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى واعلموا أنكم غداً بين يدي الله موقوفون، وبأعمالكم مجزيون وعلى كسبكم محاسبون، وأن المصير إلى جنة أو نار : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
معاشرَ المؤمنين: إنَّ المسلمين اليومَ تتقاذفُ بهم أمواجُ الفتَن، وتحيطُ بهم أسبابُ التفرُّق والشرور والإحن، يسعى الأعداءُ لتفريق صفوفهم، ويبذُلون كلَّ جهدٍ لبذرِ أسبابِ العداء بين أبنائهم، يفرَحون بخرقِ صفِّ المسلمين وتفريق كلِمتهم، ويسعَدون ببثِّ روح التباغُض في مجتمعاتهم، وفُشوِّ الكراهيَّة بين شبابهم. وحينئذٍ فما أحوجَ المسلمين اليومَ للالتزام بالمنهجِ الذي تصفو به قلوبُهم، وتسلَم معه صدورُهم، وتُنشَر من خلاله مبادئُ المحبَّة والوئام في مجتمعاتهم وأوطانهم… إنَّ المسلمين اليومَ بحاجةٍ ماسة لمراجعةِ منهَج المدرسةِ الأخلاقيّة العظمى، وفي ضرورةٍ ملحة لتحقيق مدرسةِ قواعدِ الفضائل العُليا، تلك المدرسةُ التي تضمَّنت المبادئَ الكبرى للمحبَّة والوئام، والأصولَ العُظمى للخِصال الكِرام، إنه منهجُ مدرسةِ الإسلام التي حرصت على تأصيل أسبابِ المحبَّة بين المسلمين، وبذرِ قواعِد الأخوَّة والألفة والتعاون بين المؤمنين، يقول ربّنا جلّ وعلا: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ، ويقول نبيّنا صلى الله عليه وسلم : (وكونوا عبادَ الله إخوانا). ذلكم أنّ تلك المبادئَ الكريمة، وهذه الفضائلَ العظيمة، تقودُ الأمّةَ إلى كلّ خير، وتحقِّق لهم كلَّ منفَعة. مبادئ هي أساسُ استقامة مجتمعاتهم وأوطانهم، وسعادةِ حياتهم، وتحقيق مصالحهم، ولهذا يقول الحكماء: (وكلُّ قومٍ إذا تحابّوا تواصَلوا، وإذا تواصَلوا تعاونوا، وإذا تعاونوا عمِلوا، وإذا عملوا عَمَّرُوا، وإذا عَمَّرُوا عُمِّرُوا وبُورك لهم). ولهذا ففي أفضلِ عصرٍ وأعظم دولة صلاحاً وازدهاراً يقول المولى جلّ وعلا في شأنِ الأنصار مع المهاجرين: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ).. ومن هذا المنطلقِ يا عباد الله وجَّه نبيُّنا وسيِّدنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم، وجَّه رسالتَه الخالدةَ لهذه الأمّة بوجوبِ البُعد عن التحاسُد والتباغض في مجتمعات المسلمين،حيث يقول: (لا تَحاسَدُوا ولا تناجشُوا ولا تباغَضوا ، ولا يبِعْ بعضُكُمْ على بيعِ بعْض ، وكُونوا عبادَ الله إخوانَا ، المسلمُ أخو المسْلم لا يظلمْهُ ولا يحقِرْه ولا يَخْذُله ، التقوى هَا هُنا ، وأشارَ بيدِه إلى صدرِهِ ثلاثا ، بِحسْبِ امرئٍ منَ الشرِّ أنْ يحقرَ أخاهُ المسلِم، كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرَام دمُهُ ومالُهُ وعِرْضُهُ)… أيها المؤمنون: وفي ظلِّ هذا المنهجِ العظيم يجب أن يعيشَ المسلم في مجتمعه ووطنه، يزاولُ حياتَه، ويقومُ بنشاطاته، وهو مرتبطٌ بإخوانه المسلمين برابطةٍ هي أعظمُ الروابط، وآصِرة هي أوثقُ الأواصِر، يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : (المؤمنُ للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا) وشبَّك بين أصابعه، عليه الصلاة والسلام…
أيها الإخوة والأخوات في الله: في ظلِّ منهج سيِّد البشرية وخير البرية، يجبُ أن يعيشَ الفردُ المسلم في كل مكان متّصِفًا بصفاتٍ فُضلى متحلِّيًا بمعانٍ كبرى، قاعدتُها وأصلها الجامع أن يعيشَ في مجتمعه المسلم، محِبًّا لإخوانه ما يحبّ لنفسه، كارهًا لهم ما يكرَه لنفسِه، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمِن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبّ لنفسه) ، ويقول موجِّهًا أمَّته بهذه الوثيقة الخالدة العظيمة: (وإنَّ أمَّتكم هذه جُعِلَ عافيتُها في أوَّلها، وسيصيبُ آخرَها بلاءٌ وأمورٌ تنكرونها، وتجيء فتنةٌ فيرقِّق بعضها بعضًا، وتجيء الفتنةُ فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشِف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحبَّ أن يُدْخَلَ الجنةَ ويُزَحزَح عن النار فلتأتِه منيّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناسِ الذي يحبُّ أن يؤتى إليه)… عباد الله: قاعدةٌ نبويّة محمّدَّية، تتضمَّن كلَّ المعاني الخيِّرة، والمبادئ الطيبة، والأخلاق الكريمة، قاعدةٌ يوجِّهها أكملُ الناس خُلُقًا وبِرًّا وفضلاً، تقتضي هذه القاعدةُ الثابتة على مرِّ الأزمان واختلاف الأحوال، تقتضي وتتضمَّن لزومَ الاتِّصاف والالتزام بمعاني الألفة والإخاءِ والرَّأفة والرحمة والرِّفقِ والعطف وحُسن العشرة والمعاملة والإيثار والمواساة وتفريج الكرُبات وقضاء الحاجات، وفي هذه المعاني السَّامية والفضائل العالية، يقول حبيبُنا وسيّدنا عليه أفضل الصلاة والسلام واصفًا ما ينبغي أن يكونَ عليه المجتمعُ المسلم، فيقول: (مثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائُر الجسَد بالسَّهر والحمَّى) ويقول عليه الصلاة والسلام وهو الرحيمُ المشفق: (ومن كان في حاجةِ أخيه كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلمٍ كُربة فرَّج الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة، ومن سَتَر مسلمًا ستَره الله في الدّنيا والآخرة)
عباد الله: قاعدةٌ نبويَّة أخرى تقضي بتحريمِ الإضرار والإيذاء للمؤمنين، يقول ربُّنا جل وعلا: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) ويقول صلى الله عليه وسلم: (المسلمُ مَنْ سلِمَ المسلمونَ من لسانِه ويدِه) يقول أهل العلم في شرح هذا الحديث : (فيقتضي حصر المسلم فيمن سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمراد بذلك المسلم الكامل الإسلام، فمن لم يسلم المسلمون من لسانه ويده فإنه ينتفي عنه كمال الإسلام الواجب ؛ إذ سلامة المسلمين من لسان العبد ويده واجبة ، وأذى المسلم حرام باللسان واليد. ويقول عليه الصلاة والسلام مؤصِّلاً قواعدَ المجتمع المسلم: (لا ضرَرَ ولا ضِرار)…
إن للأذية يا عباد الله صوراً لا تكاد تتناهى، وعلى المسلم أن يتجنبها جميعاً؛ خاصة ما ورد النص عليه تنبيها لخطره، وتعظيما لأثره، كالنهي عن القتل وتعذيب الناس والسب والشتم واللعن والغيبة والنميمة والقدح في الأعراض، وأذية الجيران والخدم والضعفاء، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : (صعِدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المنبر فنادَى بصوتٍ رفِيع ، فقال : يامعشرَ مَنْ أسلَمَ بلسانِهِ ولمْ يُفضِ الإيمانُ إلى قلبِه، لا تُؤذُوا المسلمِينَ ولا تُعيرُوهُمْ ولا تتَّبِعُوا عورَاتِهِم ؛ فإنَّ مَنْ تتبَّعَ عورةَ أخيهِ المسلمِ تتبعَ اللهُ عورتَه ، ومنْ تتبعَ الله عورتَه يفضحْهُ ولو في جوفِ رَحلِه) ونظر ابن عمر رضي الله عنهما يوماً إلى الكعبة فقال: (ما أعظمك وما أعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمةً منك) إن أذية المؤمن ظلم عظيم، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، وإن من الأذى ما لا تكفِّره الصلاة ولا الصدقة ولا الصوم ، بل لا يُغفَر للظالم حتى يَغفِر له المظلوم ، وهيهات أن يعفو المظلوم يوم تتطاير الصحف وتعز الحسنات، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم – : (أتدرونَ مَنْ المفلِس ؟ قالوا : المفلسُ فينا مَنْ لا درهمَ لهُ ولا متاع ، فقال : إنَّ المفلسَ مِنْ أمتي مَنْ يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاة .. ويأتي وقد شتمَ هذا وقذفَ هذا وأكلَ مالَ هذا وسفكَ دمَ هذا وضرب هذا ؛ فيُعطَى هذا من حسناتِهِ وهذا من حسناته .. فإن فنِيَتْ حسناتُهُ قبلَ أنْ يُقضَى ما عليه أَخذَ منْ خطاياهُم فطُرِحَتْ عليه ثُمَّ طُرِحَ في النار)
أيها الإخوة والأخوات في الله: هذه ثوابتُنا الإسلاميّة، وتلك أصولُ بناء المجتمعاتِ المحمديَّة، أصولٌ تحارِب العبثَ بالأمن، وتصادِم الإضرارَ بالبلاد والعباد، وتمنَع الإفسادَ والفسادَ. ألاَ فليكُن كلُّ مسلمٍ ومواطن ومقيم ملتزِمًاً بهذه المعاني السامية، متَّصِفًاً بهذه التوجيهاتِ الكريمة، ليحيا في مجتمعه ووطنه محِبًّاً محبوبًا، رحيمًاً مرحومًاً، عندئذ يحيا حياةً طيّبة ويعيش عيشة مرضيّة، فربُّنا جلّ وعلا يقول: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ) ، ونبيّنا صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمِنوا، ولا تؤمِنوا حتى تحابّوا، أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم) (و سَأَلَ رجل النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ قَالَ تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ)
عباد الله: إنَّ أعداءَ هذا الدّين لا يألون جهداً في الفساد والإفساد لأهل الإسلام، فهم في عملٍ دءوب لزرع روحِ التباغُض بين المسلمين، وبذرِ أسباب التدابُر بين المؤمنين. وإنَّ الواجبَ على المسلمين في كلِّ مكان وقد أصَّل لهم دينُهم طرقَ الخيرات وأسبابَ الفلاح والمسرَّات، أن يثبُتُوا على وصايا هذا الدين كالجبال الراسيات، وأن يُلزِموا أنفسَهم وأهليهم وأولادهم بتلك التوجيهاتِ المباركات.
وواجبٌ على المسلمين والمواطنين في هذه البلاد وفي كل مكان، أن يكونوا يداً واحدةً مع قادتهم وولاةِ أمورهم، لتحقيقِ المنافعِ الخيِّرة والمصالح المرجوَّة لهم، وأن يحذَر الجميع أسبابَ التدابر والتباغض وطرقَ التنازع والتفرُّق؛ حتى يسلمَ للناسِ دينهم، وتسلمَ لهم دنياهم، ويعيشوا في ظلِّ أمن وأمان ورغدٍ ورَخاء… فاتقوا الله عبادَ الله، واسلكوا مسالكَ الصّفوةِ من عباد الله في سلوكِ الأخلاق الصالحة الطيبة، والتجافي والبعد عن الأخلاق السيئة الرديئة ، تكونوا من المفلحين الفائزين في جنّات النعيم.
اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، إنك على كل شيء قدير.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله أفضل الأنبياء والمرسلين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد فيا أيها المسلمون: إن مهمة المجتمع المسلم بالنظر إلى الأخلاق والفضائل، ذات ثلاث شعب: التوجيه، والتثبيت، والحماية، فالتوجيه يكون بالنشر والدعاية ومختلف وسائل الإعلام والتثقيف، والدعوة والإرشاد. والتثبيت يكون بالتعليم الطويل المدى، والتربية العميقة الجذور، على مستوى الأسرة والمدرسة والجامعة.
والحماية تكون بأمرين: برقابة الرأي العام اليقظ ، الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويكره الفساد وينفر من الانحراف.
وبالتشريع الذي يمنع الفساد قبل وقوعه، ويعاقب عليه بعد وقوعه، زجراً للمنحرف وتأديباً للمستهتر، وتطهيراً لجو الجماعة من التلوث…وبهذه الأمور من التوجيه والتثبيت والحماية، تسود أخلاق الإسلام، وتسري فضائله في حياة المجتمع سريان العصارة الحية في الغصون والأوراق.
فليس إذن بمجتمع مسلم كامل الإيمان، ذلك الذي تختفي فيه أخلاق المؤمنين، لتبرز أخلاق الفجار والمنافقين. وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يؤذى فيه الناس ويعتدى عليهم في أرواحهم وأموالهم وأعراضهم.
وليس بمجتمع مسلم كامل الإيمان، ذلك الذي يشيع فيه خلق القسوة على الضعفاء، والخضوع للأقوياء…ليس بمجتمع مسلم كامل الإيمان، ذلك الذي تضمر فيه تقوى الله، ومراقبته تعالى، والخوف من حسابه، فنرى الناس يتصرفون وكأنما هم آلهة أنفسهم، وينطلقون وكأنما ليس هناك حساب ينتظرهم، وإنما هم في غفلة معرضون، وفي غمرة ساهون.
ليس بمجتمع مسلم، ذلك الذي يسوده التواكل والعجز والسلبية، في مواجهة الأمور وإلقاء الأوزار على كاهل الأقدار.
ليس بمجتمع مسلم كامل الإيمان، ذلك الذي يهان فيه الصالحون، ويكرم الفاسقون، ويقدم أهل الفجور، ويؤخر أهل التقوى.
ليس بمجتمع مسلم، ذلك الذي يُظلم فيه المحق، ويُحابَى فيه المبطل، ويقال فيه للمضروب: لا تصرخ، ولا يقال للضارب: كف يدك عن هذا الفعل…ليس بمجتمع مسلم كامل الإيمان ذلك الذي تفسد فيه الذمم، وتشترى فيه الضمائر، ويقضى فيه كل أمر بالرشوة…ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي لا يوقر فيه الكبير، ولا يرحم فيه الصغير، ولا يعرف لذي الفضل فضله.
ليس بمجتمع مسلم كامل الإيمان، ذلك الذي تتميع فيه الأخلاق، فيتشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال…ليس بمجتمع مسلم، ذلك الذي تشيع فيه الفاحشة، ويفقد فيه الرجال الغيرة، ويفقد النساء الحياء.
ليس بمجتمع مسلم كامل الإيمان، ذلك الذي لا يكاد الناس يتكلمون فيه أو يعملون أو يتصرفون إلا رياءً ونفاقًاً، وطلباً للشهرة والجاه، ولا تكاد ترى فيه جندياً مجهولاً، من المخلصين البررة، والأتقياء الأخفياء، الذين إذا حضروا لم يعرفوا، وإذا غابوا لم يفتقدوا.
ليس بمجتمع مسلم، ذلك الذي تسوده أخلاق المنافقين من كل من حدث فكذب، ووعد فأخلف، وائتمن فخان، وعاهد فغدر، وخاصم ففجر…ليس بمجتمع مسلم كامل الإيمان، ذلك الذي يهمل فيه الآباء الأبناء، ويعقّ فيه الأبناء الآباء، ويتجافى فيه الإخوان، وتتقطع فيه الأرحام، ويتناكر فيه الجيران، وتنفق فيه سوق الغيبة والنميمة وفساد ذات البين، وينهزم فيه البذل والإيثار أمام الشح والأنانية وحب الذات.
عباد الله: إن المجتمع المسلم -ولا شك- (مجتمع أخلاقي) بكل ما تحمله كلمة الأخلاق، من شمول وسعة، وليس مجتمعاً تسيره المنافع المادية، أو الأغراض السياسية، أو الاعتبارات العسكرية وحدها.
كلا.. بل هو مجتمع تحكمه فضائل ومثل عليا، يلتزم بها، ويتقيد بحدودها مهما يكلفه ذلك من مشقات وتضحيات، ولا عجب في ذلك فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فلا انفصال في هذا المجتمع بين العلم والأخلاق، ولا بين الفن والأخلاق، ولا بين الاقتصاد والأخلاق، ولا بين السياسة والأخلاق، ولا بين الحرب والأخلاق، وإنما الأخلاق عنصر يهيمن على كل شئون الحياة وتصرفاتها، صغيرها وكبيرها، فرديها وجَماعيها.
اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرفُ عنا سيئها إلا أنت، اللهم إنا نسألك صحة في إيمان، وإيماناً في حسن خلق، ونجاحاً يتبعه فلاحاً، ورحمة منك وعافية، ومغفرة منك ورضواناً، اللهم كما حسنت خلقنا فحسن خلقنا، واجعل سريرتنا خيراً من علانيتنا، واجعل علانيتنا صالحة ياأرحم الراحمين.
اللهم جمل أحوالنا، وسدد أقوالنا، وأصلح أعمالنا، وطهر قلوبنا، وحسن أخلاقنا، ووسع من الحلال الطيب أرزاقنا، واقض بفضلك جميع ديوننا، وأصلح بكرمك شؤوننا، واجعل إلى رحمتك ورضاك ومجاورتك في دار كرامتك، منقلبنا ومصيرنا ورجوعنا.
اللهم إنا نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا،وتلم بها شعثنا، وتدفع بها الفتن والمحن عنا يا أرحم الراحمين.اللهم أحفظ بلادنا البحرين من كل سؤ ومكروه واجعله آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وأظله بظل الإسلام والإيمان، وبنعمة الأمن والأمان والاستقرار والوحدة وألف بين قلوبنا رعاة ورعية، وأهد الجميع للتي هي أقوم.
الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أُمُوْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، الْلَّهُمَّ أَيِّدِ بِالْحَقِّ مَلِكِنَا حَمِدَ بْنِ عِيْسَىْ وَرَئِيْسَ وُزَرَائِهِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ، الْلَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَخُذْ بِنَوَاصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ وَسَدِّدْ عَلَىَ طَرِيْقِ الْخَيْرِ خُطَاهُمْ وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَارَبْ الْعَالَمِيْنَ..
اللهم أصلح شبابنا وفتياتنا و نساءنا وأولادنا وبناتِنا، وأهدنا سبل السلام.
ربنا لا تؤاخذنا بذنوبنا ، ولا بما فعل السفهاء منا، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
اللهم ارفع وادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين يا حي يا قيوم ياذا الجلال والإكرام.
اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ،وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ، عِبَادَ الْلَّهِ:إِنَّ الْلَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِيْ الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ، فَاذْكُرُوْا الْلَّهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيْمُ الْجَلِيْلِ يَذْكُرْكُمْ،وَاشْكُرُوهُ عَلَىَ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ الْلَّهِ أكبروالله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُوْنَ وَيَغْفِرْ الْلَّهَ لِيَ وَلَكُمْ.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين