الجمعة 4 ربيع الآخر 1439 هـ
الموافق 22 ديسمبر 2017م

الحمد لله على فضله وإنعامه، سبحانه جعل الشمس ضياء، والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب، ونشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، بيده ملكوت السموات والأراضين، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله إمام المتقين، وخاتم النبيين، فصلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأزواجه وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله رحمكم الله، تقربوا إليه بطاعته، والإكثار من ذكره وشكره، وحسن عبادته، تودّدوا إليه بالتحدث بنعمه، والإحسان إلى خلقه، تعرفوا إليه في الرخاء يعرفْكم في الشدة، إنكم لم تخلقوا عبثاً، ولم تتركوا سدى، ومن خاف اليوم أمِن غداً، والربح لمن باع الفاني بالباقي، والخسران لمن سدّت مسامعه الشهوات، وآثر الحياة الدنيا.
معاشر المسلمين: إن في تعاقب الدهور والأعوام، والليالي والأيام، وتنوع الفصول بينَ صيفٍ وشتاءٍ، وربيعٍ وخريفٍ، إنما هو بحكمة الله تعالى وتصريفه، ومن دلائل قدرته وربوبيته،يقول تعالى: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ) ويقول سبحانه:(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً)
وفي هذه الأيام، نعيش موسماً من مواسم السنة يتكرر في كل عام، ألا وهو فصل الشتاء، وفي الشتاء أحكامٌ وآداب، أعرضها عليكم في هذه الوقفات، التي يحسن بكل مسلم ومسلمة أن يتعلمها ويعمل بها.
الوقفة الأولى: شدة برد الشتاء تذكر بزمهرير جهنم. نعم عباد الله فقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى لله عليه وسلم قال: (اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضاً، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ من سموم جهنم، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ البرد من زَّمْهَرِيرِ جهنم) إن المسلم العاقل، هو ذلك الذي جعل من الدنيا عِبَراً، ومن تقلباتها عظات وفِكَراً، فلا يكاد يمرّ عليه موقف من مواقف الحياة إلا ربطه بطاعة ربه، وأوجب له محاسبة نفسه، والعمل على إبلاغها غاية ما تستطيعه من الاستعداد ليوم المعاد. والحديث السابق، له وقع في نفوس المتقين! وتأثير على قلوب المؤمنين! يحسون بذلك حينما يلسع البردُ أجسامَهم، أن شدة البرد من آثار نَفَس جهنم، فيتذكرون الزمهرير، فيزيدُهم ذلك إيماناً وتوبة وإقبالاً على رب العالمين. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (يستغيث أهل النار من الحر فيغاثون بريح باردة، يصدع العظامَ بردُها، فيسألون الحر) نسأل الله السلامة والعافية.
وكما أن شدة البرد من عذاب الآخرة، فقد عذب الله به قوماً في الدنيا، وهم قوم عاد، يقول تعالى: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً، فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ) والريح الصرصر هي: ريح باردة شديدة الهبوب، سلَّطها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام متتابعة، لا تَفْتُر ولا تنقطع، فترى القوم في تلك الليالي والأيام، موتى كأنهم أصول نخل خَرِبة متآكلة الأجواف. فنعوذ بالله من عذابه في الدنيا والآخرة.
الوقفة الثانية: وقت المسلم في الشتاء.
لقد كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، يفرحون بدخول الشتاء؛ إذ يجدونه مُعيناً لهم على طاعة ربهم؛ إذ إن فيه من المزايا ما ليس في غيره… فمن ذلك طول ليله، بحيث ينامون فيه بُغْيتهم، ثم يقومون لمناجاة ربهم وتهجدهم، قد اطمأنت نفوسهم، وأخذت مقدارها من النوم، مع بقاء وقت كاف للتهجد والقيام ومناجاة الحي القيوم.
ومن مزايا هذا الموسم قصر نهاره وبرودته، مما يعين على صيامه، يقول أهل العلم: المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة ولا كلفة تحصل له من جوع ولا عطش، فإن نهاره قصير بارد، فلا يحس فيه بمشقة الصيام.روي أن رسول الله صلى لله عليه وسلم قال: (الشِّتاءُ ربيعُ المؤمِنِ قصرَ نَهارُهُ فصامَ، وطالَ ليلُهُ فقامَ . وقال: (الصيام في الشتاء الغنيمةُ الباردة) وروي عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: مرحباً بالشتاء تنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام.. وعن عبيد بن عمير رحمه الله أنه كان إذا جاء الشتاء قال: يا أهل القرآن ! طال ليلكم لقراءتكم فاقرؤوا، وقصر النهار لصيامكم فصوموا. وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: (الليل طويل فلا تقصّرْه بمنامك، والإسلام نقيّ فلا تُدنسّه بآثامك) وقيام ليل الشتاء يعدل( أي يساوي) صيام نهار الصيف، ولهذا بكى معاذ بن جبل عند موته وقال: إنما أبكي على ظمأ الهواجر( أي فوات الصيام في الحرّ) وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالرُّكَب عند حِلقَ الذكر) يقول أهل العلم: (وإنما كان الشتاء ربيعَ المؤمن؛ لأنه يتجول فيه في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات، وينزه قلبه في رياض الأعمال الميسّرة فيه، فيصلحُ دينُ المؤمن في الشتاء بما يسَّر الله فيه من الطاعات)
عباد الله: ومن مزايا الشتاء أنه يدل على قوة الإيمان لدى أولئك النفر الذين فارقوا فرشهم الدافئة، وهبوا للتهجد أو لصلاة الفجر، يقاسون البرد الشديد، وماء الوضوء الذي يلذع الأطراف؛ فالمؤمن الذي يقاسي البرد ويخرج لصلاة الفجر متلفعاً بأكسيته قد استحق إن شاء الله أن يوصف بالصدق، وأنه لبى نداء ربه، مع كثرة الصوارف والمغريات بتركه. يقول صلى الله عليه وسلم: (بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) والنور على قدر الظلمة، فمن كثر سيره في ظلام الليل إلى الصلاة، عظم نوره، وعّم ضياءه يوم القيامة. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : فَيُعْطَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ الْجَبَلِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ فَوْقَ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ النَّخْلَةِ بِيَمِينِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى دُونَ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُ ذَلِكَ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يُضِيءُ مَرَّةً ، وَيُطْفِئُ مَرَّةً)
يقول تعالى: (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ، جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا، ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
عباد الله:هذه المواسم تمر وتنقضي وهي من أعمارنا، والموفق من اهتبل الفرص واغتنم المواسم، واتعظ بمرور الأيام والليالي، والمغبون من انفرطت أوقاتُه وضاعت ساعاتُه..
مضى الدهرُ والأيامُ والذنبُ حاصلُ
وجاء رسولُ الموت والقلبُ غافلُ
نعيمُك في الدنيا غرورٌ وحسرةٌ
وعيشُك في الدنيا محالٌ وباطلُ
الوقفة الثالثة: التساهل في بعض أمور الطهارة. وهذا يحصل من بعض المسلمين؛ التقصير في إتمام الوضوء لكثرة الملابس في الشتاء، أو التقصير في الغُسل وتعميم الجسد بالماء، أو التقصير في الاستنجاء بعد قضاء الحاجة بسبب شدة البرد. وهذا خطأ يجب التنبه والتنبيه له، وقد مر النبي صلى لله عليه وسلم على قبرين فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر وفي لفظ: (لا يستبرئ) من بوله)
ويلاحظ أن بعضَ الناس لا يرفعون أكمامهم عند غسل اليدين رفعاً كاملاً، وهذا يؤدي إلى أن يتركوا شيئًاً من طرف الذراع بلا غسل وهو محرم، والوضوء معه غير صحيح، فالواجب أن يرفع كمه إلى ما وراء المرفق ليعمم العضو بالغسل. وقد جاء في الحديث أن مما يعظم أجره، ويجزل جزاؤه في هذا الموسم إسباغ الوضوء (أي إتمامه وإعطاء كلَّ عضوٍ حَقَّهُ في الغَسل) فإن النفس تجد من التكاسل عن إسباغ الوضوء أو تجديده من جرَّاء البرد ما لا تجده في غير الشتاء؛ ولذلك رغَّبَ حبيبنا صلى الله عليه وسلم في إسباغ الوضوء وإكمال التطهر ولو عانى المتوضئ من ذلك شدة، أو أحسّ بصعوبة.
يقول صلى الله عليه وسلم: (أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ , فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ) وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه يعني في المنام فقال له: (يا محمد، فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقال: في الدرجات والكفارات. قال: وما الكفارات: قال: إسباغ الوضوء في الكريهات وفي السبرات ( أي في شدة البرد)، ونقل الأقدام إلى الجمعات، وفي رواية: الجماعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، من فعل تلك عاش بخير، ومات بخير، وكان من خطيئتة كيوم ولدته أمه)
فيا لها من أجور عظيمة! ويا لها من درجات عالية! فالسعيد من شمر وجاهد وسابق إلى فضل الله، والله ذو الفضل العظيم.
أيها المسلمون: ومن الملاحظات التي ينبه عليها في موسم الشتاء، أن بعض المصلين يتلثم ويغطي فمه، وهذا من مكروهات الصلاة، لنهي النبي صلى لله عليه وسلم، عن أن يغطي الرجل فاه في الصلاة)
إلا إن كان بالمرء علةٌ أو حاجة فترتفع الكراهة حينئذ… ولا بأس بلبس القفازين ولو في الصلاة، وليس مانعاً من السجود على الأعضاء السبعة كما يظنه البعض، كما أن الركبتين من الأعضاء السبعة وهي مستورة.
الوقفة الرابعة: الحذر والتوقي من البرد.
وهذا من أخذ الأسباب المشروعة لحفظ النفس ودفع أذى البرد عنها بما يسره الله من لباس أو مدفأة أو غيرهما، يقول تعالى:
(وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) وكان الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا حضر الشتاء تعاهد عماله، وكتب لهم بالوصية: (إن الشتاء قد حضر، وهو عدوٌ فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب، واتخذوا الصوف شعاراً ودثاراً، فإن البرد عدوٌ سريع دخوله، بعيد خروجه)
ومما ينبغي التنبيه عليه أن بعض الناس يعمد إلى إشعال الحطب للتدفئة والاستمتاع بها، وهؤلاء نحذرهم من النوم وترك النار وهي مشتعلة، فعَنْ أَبِى مُوسَى رضي الله عنه قَالَ : احْتَرَقَ بَيْتٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَحُدِّثَ بِشَأْنِهِمُ النَّبي صلى الله عليه وسلم فقَالَ: (إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ) وقال صلى لله عليه وسلم: (لاَ تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ) يقول أهل العلم: وحكمة النهي هي خشية الاحتراق والإشتعال، ثم قالوا: (قيده بالنوم لحصول الغفلة به غالباً، ويستنبط منه أنه متى وجدت الغفلة حصل النهي)
فاتقوا الله عباد الله وخذوا بهذه الوصايا والتوجيهات الشرعية لعلكم تفلحون.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية
الحمد لله المنعم على عباده بعظيم آلائه، نحمده سبحانه على تعاقُبِ نعمائه. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله أفضل رسله وخاتم أنبيائه، صلِّى الله وسلّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد فيا أيها المسلمون: الوقفة الخامسة: إن ربكم الكريم الحليم، لم يجعل عليكم في الدين من حرج، بل جعله يسيراً سهلاً، ومن أمور التيسير، أنه يجوز الجمْع بين صلاتَي الظُّهر والعصر، والمغرب والعشاء، تقديماً وتأْخيراً؛ لحصول المشقَّة، إذا كان المطر غزيراً يشُقُّ على المكلَّف، وكذلك إذا كثر الوحْل والزَّلَق والطِّين، ممَّا يصعُب المشْي عليه، وكذلك عند الرِّيح الشَّديدة الباردة.
كما يجوز للمصلِّي المسح على الخفَّين (وهو ما يلبس في الرِّجل من جِلد)، وعلى الجورَبَين، في فصل الشتاء وغيره، سواءٌ كان شابّاً أم شيخًاً، رجُلاً أم امرأة، إذا لبسهما بعد الوضوء، للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهنَّ، يَمسح باليد اليمنى على الرِّجْل اليمنى، وباليُسرى على اليسرى، ويجوز المسح بيدٍ واحدة عليْهما، يبدأ من أوَّل أصابع القدَم حتَّى أوَّل السَّاق مرَّة واحدة، ويقتصر على مسح ظاهِر الرجل لا على باطنها؛ لقول الإمام عليِّ بن أبي طالب رضِي الله عنْه: (لو كان الدين بالرَّأي، لكان أسفلُ الخفِّ أوْلى بالمسح من أعلاه، وقد رأيتُ رسول الله صلَّى الله عليْه وسلَّم يمسح على ظاهر خفَّيه) ولا يبتدئ المسحَ من أوَّل صلاة بعد لبسهما – كما يظنُّ كثيرٌ من النَّاس – بل يبتدئ من أوَّل مسحةٍ عليهما، ثمَّ يحسُب يوماً وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر.. ومَن نسي ومسح بعد تمام المدَّة، أعاد الصَّلاة التي صلاها بذلك المسْح.
الوقفة السادسة: تذكروا رحمكم الله الفقراء في أيام الشتاء..إننا يا عباد الله نعيش في نعم جليلة قلَّ من يتفطن لها، فيأتي الشتاء ويحل البرد القارس، ولا نجد في ذلك معاناةً أو ضرراً يشق علينا، فالملابس الثقيلة بأنواعها، والمدافئ والأطعمة والأشربة، وأدفئت البيوت بالعزل، وأدفئ الماء بالسخانات، وحتى الهواء أدفئ بأجهزة التكييف، نصبح ونمسي في نعمة ورغد من العيش، لا نحس بشدة الحر في الصيف، ولا بقسوة البرد في الشتاء، فاحمدوا الله واشكروه بقلوبكم وألسنتكم وأعمالكم، كما قال تعالى: (وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۢ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ ٱلْأَنْعَٰمِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ، وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَٰثًا وَمَتَٰعاً إِلَىٰ حِينٍۢ) ولكن مع هذا: هل تذكرنا من حولنا من الفقراء من أقارب أو جيران، أو من عموم المسلمين، هل تذكرنا عاملاً يتلوى في غرفته لا يجد المدفأة أو البطانية التي تقيه شدة البرد؟ هل تذكرنا عامل النظافة الذي يجوب الشوارع في الفجر والليل البارد، ولا يجد ما يكفيه مما يقيه من البرد، مع فقره وحاجته وضعف راتبه؟.هل تذكرنا إخواناً لنا في الدين في عالمنا الإسلامي يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ممن هدمت بيوتهم أو دمرتهم الحروب أو أدقعهم الفقر؟. أين أخوة المؤمن لأخيه المؤمن، يقول صلى الله عليه وسلم :(مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) ويقول: (مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهرٍ فَليَعُدْ بِهِ عَلى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ) وكَانَ أُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إِذَا أَمْسَى تَصَدَّقَ بِمَا فِي بَيْتِهِ مِنَ الفَضْلِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ مَنْ مَاتَ جُوْعاً فَلاَ تُؤَاخِذْنِي بِهِ، وَمَنْ مَاتَ عُرْياً فَلاَ تُؤَاخِذْنِي بِه)… فاتقوا الله عباد الله وقوموا بواجب الأخوة الدينية، وواسوهم بما تستطيعون، فالمصاب عظيم، والخطب جلل، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
اللهم أجعلنا ممن رحم عبادك ففتحت لهم أبواب رحمتك وجناتك، اللهم أجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه يا رب العالمين، الـلهم إنا نسألـُـك فعـلَ الخيرات وتركَ المنكرات وحبَ الفقراء والمساكين وأن تغـفـر لنا وترحمنا وتتوب علينا، واٍذا أردت بقـومٍ فـتنةً فـتوَفـنا إليك غـير مفـتونين.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في وطننا، ووفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.
اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء.
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان،اللهم أصلح أحوالهم في فلسطين وفي سوريا وفي اليمن وفي مصر، وفي بورما، وفي كل مكان،اللهم ولي عليهم خيارهم ولا تسلط عليهم شرارهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أحفظ القدس والأقصى وأهلهما من كيد أعداء الدين، اللهم كن معهم و ثبتهم انصرهم على من عاداهم، اللهم ارزقنا صلاة طيبة في المسجد الأقصى قبل الممات يارب العلمين.
اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، واجعل الموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ.. اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمدا وعلى آله وصحبه أجمعين. عباد الله: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)
فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم،واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين