عدنان بن عبد الله القطان
14 ربيع الآخر 1443 هـ – 19 نوفمبر 2021 م
——————————————————————–
الحمد لله على فضله وإنعامه، ومنه وإكرامه، الذي جعل الشمس ضياء، والقمر نوراً، وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب، وأبان لعباده من آياته ما به عبرة للمعتبرين وهداية للمهتدين، وحجة على المعاندين الملحدين، ونشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، بيده ملكوت السموات والأراضين، وله الحكم في الدنيا والآخرة واليه ترجعون، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله إمام المتقين، وخاتم النبيين بعثه الله تعالى رحمةً للعالمين، وقدوة للعاملين، وحجة على الُمرسلِ إليهم أجمعين، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
معاشر المسلمين: لعلكم قرأتم صباح اليوم أو قبل قليل سورة الكهف، إذ إن قراءتها يوم
الجمعة مستحب؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: (مَن قَرَأَ سورةَ الكَهفِ يومَ الجُمُعةِ، أضاءَ له من النورِ ما بَينَ الجُمُعتينِ) وفي هذا اليوم عباد الله سنقف مع قصة من قصص هذه السورة الكريمة، والتي جاء تفصيلها في السنّة النبوية الشريفة، وفيها عجائب وعبر؛ إنها قصة موسى مع الخضر عليهما السلام. فقد قام موسى عليه السلام خطيباً في بني إسرائيل، فكانت خطبته جامعة رائعة أدهشت الحاضرين وتعجب منها الناس، فقام رجل من بني إسرائيل، فقال يا نبي الله: هل يوجد على وجه الأرض رجل أعلم منك؟ فقال موسى لا، فأوحى الله إلى موسى وقال له يا موسى وما يدريك أين يضع الله علمه؟ إن لله عبداً بمجمع البحرين، (قيل بين خليجي العقبة والسويس بجنوب سيناء) هو أعلم منك…
عباد الله: لقد عاتب الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم عندما سأله أهل مكة عن قصة أصحاب الكهف، فقال لهم أجيبكم عنها غداً، ولم يقل إن شاء الله، فلبث الوحي أيَّاماً، ثم نزلت هذه الآية، (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ، وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً) وهنا يعاتب الله جل جلاله نبيه موسى عليه السلام، فيقول له: وما يدريك أين يضع الله علمه، إن لله عبداً بمجمع البحرين، هو أعلم منك، وهذا يعلمنا درساً في أن نفوض أمورنا كلها لله عز وجل، وأن نعلم علم اليقين، أن لله غيب السموات والأرض، وبيده مقاليد السموات والأرض. وهنا عندما قال الله لموسى عليه السلام إن لله عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك، تاقت نفس موسى عليه السلام لطلب العلم والاستفادة من علوم الآخرين فأعلن لفتاه، (أي : خادمه الذي يلازمه في حضره وسفره) وهو يوشع بن نون، أعلن عن عزمه وتصميمه، أن يبلغ مجمع البحرين مهما كلفه الأمر، ومهما يكن الزمن الذي سيقضيه في هذه الرحلة، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) أي: لا أزال مسافراً وإن طالت عليَّ الشُّقَّةُ، ولحقتني المشقة، حتى أصل إلى مجمع البحرين، وهو المكان الذي أوحي إليه أنك ستجد فيه عبداً من عباد الله العالمين، عنده من العلم ما ليس عندك، (أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) أي: مسافة طويلة.
انظروا يا عباد الله، نبيٌّ من أنبياء الله، من أولي العزم من الرسل، كلمهُ الله تكليماً، يرحل ويهاجر من أجل أن يتعلم من رجل أقل منه منزلة وفضلاً، يريد أن يستفيد من رجل وصفه الله بقوله: (عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) وهو الخضر عليه السلام، هذا هو التواضع العظيم، وهذه هي الأخلاق الرفيعة، أن يتحول النبي العظيم إلى طالب علم متواضع لمعلمه وشيخه.. سأل موسى ربه عن كيفية الوصول إلى هذا العالم الرباني؟ وكيف يرحل إليه؟ وأين سيجده ؟، فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن يحمل معه حوتاً في مكتل، (أي سمكة في كيس من الخوص) وفي المكان الذي ترجع الحياة فيه إلى الحوت، ويتسرب إلى البحر، فإن الخضر عليه السلام موجود في ذلك المكان.. انطلق موسى ومعه فتاه يوشع بن نون، ومعهم الحوت في المكتل، وليس معهم دال يدلهم على الطريق إلا المعجزة الربانية، وهي ارتداد الحياة للحوت وتسربه إلى البحر. وصل موسى عليه السلام ومعه فتاه إلى صخرة على شاطئ البحر، وهنا رقد موسى واستسلم للنعاس، ولكن فتاه بقي ساهراً لم ينم فجاءت الأمواج إلى الشاطئ، ووصلت إلى المكتل الذي فيه الحوت فلامست الأمواج الحوت، ووصل الماء للحوت فدبت الحياة فيه، وقفز إلى البحر، قال تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً) استيقظ موسى من نومه، ونسي الفتى أن يخبره بما وقع للحوت، فواصلا المسير وأكملا المشي حتى أعياهما التعب، وحل بهم النصب، فقال موسى لفتاه (آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً) وهنا تذكر الفتى ما وقع للحوت فقال لموسى (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) فرح موسى عليه السلام فرحاً عظيماً بهذا الخبر فقال: (ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ) أي هذا الذي نريد وهذا الذي نتمنى أن يقع، لأن الله تعالى أخبره أنه في المكان الذي يهرب فيه الحوت، يوجد الخضر عليه السلام. فرجع موسى وفتاه يقصان ويتتبعان أثرهما حتى وصلا إلى الصخرة التي نام عندها وهرب عندها الحوت، قال تعالى: (فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً) أي رجعا في طريقهما يتتبعان أثرهما فلما وصل موسى إلى الصخرة، وجد رجلاً متغطياً بثوب، فسلم عليه، فكشف عن وجهه وقال له العبد الصالح (أنى بأرضك السلام؟ من أنت؟) فقال أنا موسى، قال موسى بني إسرائيل؟ قال نعم، وما أدراك بي، قال العبد الصالح الذي أدراك بي ودلك علي! ماذا تريد يا موسى؟ فقال موسى بأدب كبير، وتواضع عظيم، (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) فقال له يا موسى، إنني على علم من علم الله لا تعلمه أنت، وأنت على علم من علم الله لا أعلمه أنا، يا موسى أما يكفيك أن التوراة بيديك، وأن الوحي يأتي إليك، اذهب فإنك (لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) فقال موسى مصراً على التعلم عنده (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) فلما رآه مصراً على طلب العلم منه، اشترط عليه شرطاً مقابل أن يصاحبه ويتعلم منه، فما هو الشرط قال الشرط ألا تسألني عن شيء حتى أحدثك عنه أنا قال تعالى: (قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً). وتبدأ الرحلة الغريبة العجيبة ههنا ، ويقص الله عز وجل علينا ما وقع فيها ثلاثة مواقف محيرة، لم يستطع موسى عليه السلام أن يكتم استغرابه لها، وأن يحافظ على عهده للخضر أن لا يسأله عن شيء يقع لهما أثناء صحبته له فانطلقا، انطلق موسى عليه السلام والخضر عليه السلام يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهما سفينة فكلموها أن يحملوهما، فعرف أهل السفينة الخضر ولم يعرفوا موسى فحملوهما بلا ثمن ومن غير مقابل إكراماً للخضر، ولما وصلت السفينة ورست، عَمَدَ الخضر إلى لوح من ألواح السفينة فنزعه منها واقتلعه من داخلها ثم رماه في البحر، وهنا اندهش موسى عليه السلام، وقال في نفسه قوم حملونا وأكرمونا وأركبونا بلا ثمن ثم بعد ذلك يخرق سفينتهم ويفسد وسيلتهم، فلم يتحمل الصمت، فقال وقد أخذته الغيرة على الحق، (أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْراً) وهنا التفت العبد الرباني إلى موسى مذكراً له بالشرط الذي بينه وبينه، وملفتاً نظره إلى عبث محاولة التعلم منه، فقال له، (أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً)
فأخذ موسى يعتذر إليه بالنسيان، ويرجوا منه ألا يؤاخذه ولا يرهقه، قال تعالى حاكياً عن موسى عليه السلام، (قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً) فقبل الخضر عليه السلام عذره ونسيانه.. ثم سارا فمرا على حديقة يلعب فيها الصبيان، حتى إذا تعبوا من اللعب انتحى كل واحد منهم في ناحية من نواحي الحديقة، فجاء الخضر إلى أحد الصبيان، فقتله! إنه جرم عظيم، وفعل شنيع، ومشهد مخيف، فلم يتحمل موسى هذا المنظر فقال: (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) وهنا ليس مع العبد الرباني إلا أن يُفهم موسى عليه السلام أنه لن يستطيع معه صبراً (قالَ أَلَمْ أَقُلْ لك إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) فأعتذر موسى وقال: (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً) فانطلقا حتى وصلا إلى قرية بخيلة لا يعرف أهلها الضيافة والكرم، فوصلا إلى القرية وقد نفذ ما معهما من الطعام، فاستطعما أهل القرية وطلبوا منهم أن يطعموهم ويضيفوهم فأبوا أن يضيفوهما حتى جاء عليهما المساء فآوى في الخلاء فوجد الخضر جداراً يكاد أن يتهاوى ويسقط، فقام الخضر إلى الجدار وقضى ليله كله في إصلاحه وبنائه من جديد، فقال موسى في نفسه إن أهل القرية بخلاء لم يكرمونا ولم يضيفونا، فلماذا يتعب نفسه فيهم ويشقى عليهم، ويُقدم لهم هذا العمل المجاني الذي لا يستحقونه، فقال له، (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) هنا انتهى الأمر وتوقف التعليم وقال له بصريح العبارة، (هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً).. وعندما جاء موعد الفراق وَفَّى الخضرُ لشرطه وهو الكشف عن حِكمة كل ما قام به من عمل، فقال الخضر كما حكى عنه القرآن الكريم: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً، فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً، وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً، فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي، ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً)… اللهم ارزقنا حب القرآن، وتدبر آياته، والعمل به، واجعلنا من أهله الذين هم أهلك وخاصتك يا ذا الجلال والإكرام.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ذي العزة والجبروت، والملك والملكوت، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وسع كل شيء علماً، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، الذي أكمل الله به الدين وأتم به النعمة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد فيا أيها المسلمون: وهذه القصة التي ذكرناها، مليئة بالدروس والعبر، وإليكم عدداً مما استنبطه أهل العلم منها، فمن ذلك: فضيلة العلم والرحلة في طلبه، فموسى عليه السلام ترك القعود عند بني إسرائيل لتعليمهم وإرشادهم واختار السفر لزيادة العلم، ولو مضت عليه الأيام، أو تعاقبت عليه السنون.
ومنها: التأدب مع المعلم، وخطاب المتعلم إياه ألطف خطاب، لقول موسى عليه السلام: (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) ومنها: تعلم العالم الفاضل للعلم الذي لم يبرع فيه ممن برع فيه وإن كان دونه في العلم بدرجات كثيرة.. ومن الدروس في القصة: جواز إخبار الإنسان عما هو من مقتضى طبيعة النفس، من نصب أو جوع أو عطش إذا لم يكن على وجه التسخّط وكان صدقاً؛ لقول موسى عليه السلام لفتاه: (لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً)
ومن دروس القصة: إضافة العلم وغيره من الفضائل لله، والإقرار بذلك، وشكر الله عليها؛ لقول موسى عليه السلام: (تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ) أي: مما علمك الله تعالى. ومن دروس القصة: تعليق الأمور المستقبلية التي من أفعال العباد بالمشيئة، وأن لا يقول الإنسان للشيء: إني فاعل ذلك في المستقبل، إلا أن يقول: (إِنْ شَاءَ اللَّهُ) ومن الدروس: وجوب التسليم لكل ما جاء به الشرع، وإن لم تظهر بعض حكمته للعقول، وأن الله يفعل في ملكه ما يشاء ويحكم في خلقه ما يريد… ومن الدروس المهمة في القصة أن خرق السفينة، وقتل الغلام، وحبس كنز اليتيمين، هي رحمة من الله تعالى.. فهي قصص تمثل ثلاثة أمور لابد أن تصادفنا في حياتنا الدنيا. فخرق السفينـة يمثل فشل مشروعك أو خسارة لعملك أو أي شيء من هذا القبيل فقد يكون العيب الذى يحصل في حياتك هو سر نجاحك بعد ذلك، فالمنح تخرج من رحم المحن، ونجاتك من أمر قد يدمر نجاحك (وَكَانَ وَرَاءَهُم مَلِكٌ يَأخُذُ كُلَّ سَفِينَـة غَصبَا) وقتل الغلام فهو يمثل فقد ما نحب؛ فقد يكون فقدك لما تحب هو رحمـة لك قال تعالى: (فَخَشِينَا أَن يُرهِقهمَا طُغيَاناً وَكُفرَا) وبموته تحققت ثلاث رحمات، رحمـة للغـلام ودخوله للجنـة بلا ذنب ورحمـة لوالديه وإبدالهما بخير في البر بهما ورحمـة للمجتمع من الطغيان والظلم، أما حبس كنز اليتيمين فهو يمثل تأخر الرزق فقد يكون تأخر الوظيفـة أو الزواج أو الأطفال في حياتك خيراً لك ورحمـة. (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبلُغَا أَشُدَّهُمَا) فقد كان اليتيمان عرضـة للأطماع، وكانا في ضَعف عن تـدبـر أموالهما فأراد المولى عز وجل أن يحفظه لهما حتى يكبراً. وهي قصص تمثل ثلاثة محاور رئيسيـة مـن قصـص حياتنا اليوميـة، أراد الله أن يبين لنا بها أن الأصل في أمورنا كلها هو الرحمـة، فلا نحزن على الظاهر وننسى الرحمات المبطنـة فيها من المولى عز وجل، فالمؤمن الحق هو من يكون عنده يقين بالله وبحكمته فيما يحدث له في الحياة الدنيا من أمور وأحداث، فيكون أهدأ حالاً، فهو متيقن أن ما يختاره له رب العباد هو الأفضل والأصلح. نسأل الله تعالى أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، وسائقنا وقائدنا إليه وإلى جناته جنات النعيم. اللهم ارزقنا تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا، اللهم اجعله حجة لنا لا حجة علينا برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم اجعل القرآن العظيم لقلوبنا ضياءً، ولأبصارنا جلاءً، ولأسقامنا دواءً، ولذنوبنا ممحِّصاً وعن النار مخلِّصاً، اللهم اجعلنا ممن يقرؤه فيرقى، ولا تجعلنا ممن يقرؤه فيشقى،
اللهم ارزقنا بكل حرف حلاوة، وبكل كلمة كرامة، وبكل آية سعادة، وبكل سورة سلامة، وبكل جزء جزآء، اللهم وفقنا للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمد صلى الله علية وسلم..
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم اجعل بلادنا وخليجنا آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في وطننا، ووفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.. اللهم انصر عبادك المظلومين في كل مكان، اللهم كن معهم ناصراً ومؤيداً يارب العالمين… اللهم أحفظ المسجد الأقصى وفك أسره، وكن لأهلنا في بيت المقدس عوناً ونصيراً، وفرج همهم، ونفس كربهم، وخفف عنهم آلامهم يا أكرم الأكرمين..
اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا واشف مرضانا، وارحم الله موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين..
اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِىٱلْقُرْبَى وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.
خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين